اختلال الأولويات لدى المواطن الفلسطيني/عماد عبد الحميد الفالوجي

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

لغة جديدة بدأت تنتشر بين عوام الناس في مجالسهم الخاصة والعامة ، بل وأخذ يتأثر بها الكثير من المثقفين والأكاديميين بحكم أنه من الصعب مواجهة قناعة المواطن وحكمه على مجريات الأحداث عندما يصدق الواقع صحة ما يتحدث به ، فلم تعد الأولويات لدى المواطن الفلسطيني هي ذات الأولويات قبل سنين ماضية ، ولم يعد تفكيره عميق بعمق القضية التي يحملها وبحكم المؤامرات التي يساق إليها ، لم يعد المواطن يهتم كثيرا بالأحداث الكبيرة التي تحيط به بل لم يعد يستمع الى نشرة الأخبار بذات الحماس الذي كان في السابق ، وأحيانا تتساوى عنده الأمور فلا فرق بين خبر يحمل في طياته بعض الأمل وخبر لا يبشر بخير لأنه لم يعد يصدق كثيرا مما يسمع ، وأصبح لسان حاله يقول " كل طرف أو حزب فلسطيني يغني على ليلاه وليلى على نفسها تغني ! " ، وأصبحت قناعة المواطن تتعزز بأن كل ما يدور من أحداث حوله هي عملية خداع للذات والكذب فيها سيد الموقف ، وأصبح شعار السياسيين المعروف " اكذب ثم اكذب ثم اكذب .. حتى يصدقوك " ، وهذا ينطبق على كل ما يتعلق بشئون المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وما يتعلق بالحوار الدائر بين طرفي الانقسام ، بالرغم من أهمية الموضوعين للمواطن الفلسطيني إلا أنه لم يعد قادر على مواصلة متابعة سياسة الخداع والتضليل التي يتفنن بها الناطقون الإعلاميون لكل طرف ، وأصبح الأمر المعتاد أن يبشرنا متحدث رسمي بخبر ويضع له تاريخا محددا ليأتي متحدث آخر يشكك أو ينفي ذلك الخبر ويأتي التاريخ المقترح ولا يحدث شيء والغريب أن صاحب الخبر يستمر في سوق أخبار جديدة دون أي خجل أو تردد بل ولا يكاد يذكر أنه كذب قبل أيام ولم يعتذر بعد انكشاف كذبه ، وأصبح الكذب والتزوير تعني الفصاحة والإدعاء بالمعرفة والأدهى أن بعضهم يصطنع الابتسامة وهو يتحدث – كذبا – ليدلل على مدى ثقته بنفسه وشجاعته في استمرار سياسة التضليل ، والأدهى أنه يعتقد أن الشعب يستمع إليه ويصدقه ولذلك هو يستمر ويستمر في إطلاق التصريحات والأخبار دون أن يصفر وجهه خجلا أو يتوارى عن الأنظار .


هل يعلم ذلك المسئول أن المواطن العادي لم يعد يهتم كثيرا بمن سيحقق فوزا في الانتخابات القادمة وليس مهماً شكل الحكومة وأشخاصها  وبرنامجها لأن الجميع في نظر المواطن أصبحوا سواء ، ولكن ما يهم المواطن أكثر هو من سينجح في حل مشكلة الكهرباء التي تزداد سوءا وتسبب مشاكل نفسية وبيئية واجتماعية خطيرة للمواطن وليس مهماً من تلك الجهة التي ستعمل على حل المشكلة – داخلية أو خارجية – الأهم هو تجاوز المشكلة ولن يقدم المواطن أي شكر لمن سيعمل على حلها لأنه كان – بشكل مباشر أو غير مباشر – سببا أساسيا فيها ، وهناك مشكلة المعابر ولم يعد مهما من يقف على المعبر أو يديره أو يراقبه لأن الأهم هو السماح للمواطن بالسفر بكرامة وسهولة دون انتظار ساعات على المعابر ودون شعوره بالذل العلني المباشر ، وهناك مشكلة العمال والخريجين ومشاكل الشباب والبطالة المتزايدة هذه قضايا تشغل فكر أصحابها وهم الأغلبية في مجتمعنا ، ولم يعد الأهم تحرير الأرض من الاحتلال ولكن تحرير الإنسان من ظلم أخيه الإنسان ، الأولوية يجب أن تكون لتحرير المواطن الفلسطيني من حالة الإحباط التي تلفه من كافة الجوانب وليس الأولوية لدى المواطن لمتابعة القضايا الكبرى التي تعصف بالمنطقة ، فلا يمكن الطلب من مواطن غير آمن على وظيفته أو على قوت عياله أن يصمد أو يواجه أعداءه الخارجيين أو يفكر في مواجهة سياسات مفروضة عليه ، لا يمكن لمواطن مهزوم من داخله أن ينتصر في أي معركة مع خصم خارجي ، لا يمكن لمواطن وضع أخاه خصما له أن يتفرغ لمواجهة خصم خارجي ، لا يمكن لمواطن أفكاره مشتتة ولا يعلم أين الصواب وأين الخطأ ولم يعد يميز بين صديقه وعدوه واختلطت عليه المفاهيم والمصطلحات ثم تطلب منه أن يخطط لمستقبل وطنه ويعمل لصالح قضيته ، لم يعد المواطن يدرك معنى الشرعية ومفهومها وعلى من تنطبق من السلطات القائمة لم يعد يعرف لمن يعطي صوته وأين الصادق وأين الكاذب ، حالة من التيه والضياع تلف مجتمعنا في هذه المرحلة النكدة من تاريخ شعبنا .


لم تعد تحرك مشاعر المواطن أو تجعله يغضب لمجرد سماعه خبر حول استمرار الكيان الإسرائيلي تنفيذ سياسة تهويد القدس وهدم المنازل ومصادرة الأراضي ولم يعد خبر قيام طائرات الحرب الإسرائيلية بقصف هنا أو هناك أو سقوط عدد من الشهداء أو استمرار الحصار ونقص في الأدوية تدفعه لمجرد فعل شيء أو السؤال عن شيء ، كل ذلك يحدث لدى شريحة واسعة من شعبنا من مثرة الهموم والمشاكل ، لم يعد الحوار الفلسطيني خبرا مهما ولم تعد الاحتفالات والفرح بسبب اتفاق على مصالحة أو لقاء الوفود المتخاصمة وأصبح ردة الفعل التلقائية على كل خبر " لن نصدقهم حتى نرى الحقيقة على أرض الواقع وإذا حدثت فلا شكر لهم " ، أصبح أولوية المواطن وجل اهتمامه هو تحقيق مصلحته الخاصة  بعد أن يئس من قياداته أن تحقق له مصلحته العامة ، كثير من الموظفين الذين التزموا بقرار قيادتهم بالاستنكاف عن العمل يشعرون اليوم بالظلم والندم على ما قاموا به نتيجة إهمالهم وعدم جدوى جلوسهم في بيوتهم تاركين وظائفهم لغيرهم ولم يقوموا بواجبهم تجاه أبناء شعبهم ، كثيرة هي القرارات التي ثبت خطأها وللأسف تم علاجها بشكل أشد خطأ من الخطأ ذاته ، لاشك أن الرجوع عن الخطأ فضيلة ولكن لكل رجوع أدواته الكريمة .


 


 


شعبنا اليوم  ينظر الى الشعوب العربية المحيطة به عندما تحركت و استطاعت صنع التغيير الخاص بها ولكن شعبنا صاحب التاريخ الطويل والتجارب الكبيرة في صنع وقيادة الثورات لم يعد قادرا على فعل شيء أو حتى التفكير في كيفية التحرك لمعالجة أوضاعه ، وأصبح بين نار السكوت على الظلم من القريب والبعيد ونار التحرك الشعبي الذي سيكلفه أكثر من سكوته ، عندما يعلم أنه سيثور على ذاته ، هل يحتمل ظلم القريب أم يثور عليه ويشمت به عدوه ، وبين هذا وذاك يعيش شعبنا المغلوب على أمره .


 


رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت