غزة بلا كهرباء = غزة الضوضاء/ صلاح حسن الوالي

غزة بلا كهرباء تساوي غزة الضوضاء ، هذه ليست معادلة رياضية ولا قانون فيزيائي ، إنما هي نظرية خاصة بالواقع الجديد القديم في غزة . و مجرد انقطاع الكهرباء تبدأ المولدات الكهربائية بالنعيق ،و يأتيك الصوت من كل حدب وصوب . فلا إغلاق شبابيك ينفع ولا إغلاق أذنين يأتي بنتيجة . وتبقى على هذا الحال ثمان ساعات أو يزيد يوميا. ولو أن ذلك من وسائل التعذيب في السجون لما بقي معتقل صامد بلا اعتراف .


 


تخيل انك تسكن في برج سكني مكون من عشرين شقة سكنية ، 90% منها يستخدم المولدات الكهربائية ، أين تهرب من الأصوات المزعجة والفوضى العارمة وانعدام التركيز ؟ هل بإمكانك الصمود لو لساعة في ظل هذا الواقع المرير ؟ هذا نموج لحالة غزة وقت انقطاع الكهرباء .


 


هذا الواقع يثير من جديد قضية من يتحمل مسؤولية غزة ؟هل المسؤولية تقع على عاتق حكومة فياض أم حكومة هنية ؟ أم الاحتلال الإسرائيلي؟ لماذا تبقى غزة بحالة من الرمادية لا هي محتلة ولا هي محررة ، غزة تحت حكم من بالضبط ؟؟ حكم الاحتلال أم حكم حماس أم حكم السلطة في رام الله ؟ أم مزيج من كل ذلك؟


 


من الواضح إن الحالة المزجية الرمادية حالة متعمدة حتى يتوه المواطن الغزي ولا يملك البوصلة التي يوجهها في وجه المسؤول عن حل مشكله الكهرباء في غزة؟ من الذي يتحمل مسؤولية المواطن الغزي؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تتصارع في عقل المواطن الغزي ولا حياء عند من تنادي.


 


ووسائل إعلام لا ترقى للإعلام ، الكل منها ينظر لحزبه السياسي وقضايا المجتمع الغزي في مهب ريح القدر ، إلا من حلقة إذاعية هنا وهناك تستضيف مدير شركة الكهرباء ، ووعود في وعود ،وقريبا الحل ودون أن نبصر نور هذا الحل الذي طال لأكثر من ستة أعوام.


 


على ما يبدو أن سياسة التجويع وانعدام الحاجات الأساسية في غزة يلهي الناس عن المطالبة بأمور أرقى وأفضل ويبقي أحلامهم صغيرة تسعى لتوفير لقمة العيش والبنزين لمولدات الكهرباء، فعندما يتوفر للمواطن الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وكهرباء وطاقة . يبدأ بالتفكير في أمور أخرى أكبر من مستوى الحاجات الأساسية فيرتقي ليفكر في الديمقراطية والمواطنة وما إلى ذلك.


 


أما مع صعوبة الحصول على الحاجات الأساسية أو انعدامها يبدأ المواطن البحث بكل الوسائل عن طرق توفرها ولو بطرق التفافية عوجاء، المهم أن يصل إلى مراده ، لكن في غزة المواطن حاجة ثانية  فقد وصل إلى مرحلة من التذمر والعجز والتسليم بالأمر الواقع لم يصل إليها أقواما في الصومال .


 


ببساطة حصول المواطن على حجاته الأساسية من الكهرباء لم يعد بالشيء الهين والسهل ، ناهيك عن إغلاق الطرق الالتفافية التي أمامه  وبخاصة في الفترة الأخيرة بعد غلاء المحروقات المستخدمة في توليد الكهرباء. فماذا يفعل المواطن الغزي؟ هل يبقى يناجي ربه "يا رب حلنا مشكلة الكهرباء" أم يبقى مكتوف الأيدي لا حول ولا قوة له متفرجا مسلما بواقعه القذر؟


 


أليس هناك فئة  فاسدة مستفيدة من إبقاء الواقع على ما هو عليه وإبقاء غزة بحالة من الرمادية حتى يغرق المواطن في ملهاته الكهرباء ولا يفكر في حقوق سياسية ولا حقوق مدنية ولا انتخابات ولا شيء من هذا القبيل . ليس ذلك هدف تحقق فحسب بل إن مشكلة الكهرباء تدر عل هذه الفئة ملاين الشواكل من عوائد الضرائب المفروضة على مهربي البنزين الذي أصبح يستهلك أكثر من الماء الشرب في غزة.


 


لقد وصل المواطن في غزة إلى قناعة مفادها أن مشكلة الكهرباء لم يعد سببها شماعة الاحتلال ، وتوصل المواطن إلى أن مشكلة الكهرباء مشكلة سياسية بحتة . فكيف تفسر عدم انقطاع الكهرباء لمدة شهر طوال فترة امتحانات التوجيهي ؟ حيث لم نشتري لتر بنزين واحد وبعد الانتهاء من الامتحانات، رجعت حليمة لعادتها القديمة .


 


والغريب أن طرفي النزاع الفلسطيني في الشمال والجنوب اختلفوا على كل شيء ولم يتفقوا إلا على طريقة واحدة  في حل مشكلة الكهرباء لكن هذه الطريقة جاءت بالحل من كبد الموظف البسيط وبدأ طرفا النزاع بخصم 170 شيكل . والآن بعد مرور عام ونصف ما زالت مشكلة الكهرباء قائمة . فلما الخصم وفواتير الكهرباء أصبحت تأتي بالسالب نتيجة لتراكمات الخصومات على الموظفين .


 


لقد طفح الكيل وحان الآن موعد التحرك ... وحان الآن لوسائل الإعلام _ضمير المجتمع وسلطته الرابعة _أن تترك حزبيتها جانبا وتنتبه لقضايا المجتمع في غزة وهذه دعوة ليس لوسائل الإعلام فحسب بل موجهة لكل مواطن غيور على شعبه ولمؤسسات المجتمع المدني لتحرك الفوري والعاجل من اجل التشبيك والعمل سويا لاختيار وسائل الضغط المناسبة على طرفي النزاع الفلسطيني . وليكن هناك يوم  لمقاطعة تجار البنزين تجار الدم وسماسرة المعاناة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت