يمثل إضراب الأسير " خضر عدنان " عن الطعام الذي بلغ يومه السابع والأربعون الإرادة القوية التي يتحلى بها الأسرى الفلسطينيين لنيل الحرية والكرامة واسترداد حقوقهم بتمردهم على السجان، وقد مارست الحركة الأسيرة على سنوات وجودها الطويلة سياسة الإضراب عن الطعام نتيجة لما يقع على الأسرى الفلسطينيين من معاناة واستخدام أقسى أساليب التعذيب والقهر والعدوان المنافية للقيم والأخلاق والقوانين الإنسانية، ومن أبشع صور الظلم الصهيوني الواقع على الأسرى أن يُحكم الأسير الفلسطيني بالحكم الإداري المتكرر لعدة مرات دون أية لائحة اتهام ضده .
إن الحياة في الأسر داخل السجون الصهيونية وقوانينها تختلف عن الحياة الطبيعية ومجرياتها، وليس كما ادّعت الحكومة الصهيونية أن الأسرى يعيشون في سجونها خدمة مرفه توازي الخمس نجوم، فالإنسان الحر يعيش في بيئة توفر له أساسيات الكرامة والحرية والأمن فلا يفكر أن يترك طعامه لأجلها إلا إذا حرم منها، وداخل السجون الصهيونية يفتقد الأسرى لأدنى الحقوق الإنسانية الأساسية التي نصت عليها القوانين والتشريعات الدولية، حيث يتم عزل الأسير لسنوات طويلة في غرفة مظلمة تفتقر للبيئة الصحية، ويُحرم الأسير من الدواء والعلاج ومن حرية تناول الطعام وتنوعه، ويعاقب بحرمان من زيارات الأهل، أو تمديد فترات الاعتقال، وحرمان التعليم والثقافة، أو الخروج للفورة، وممارسات الضغط النفسي لنيل الاعترافات وخاصة بحق الأطفال والنساء وغير ذلك .
ويعتبر الحكم الإداري أكثر ما يُصيب الأسير الفلسطيني بزيادة الضغط والمعاناة النفسية بسبب الاعتقال دون أسباب معروفة فقط لكونه كما تدّعي الإدارة الصهيونية أنه يُشكل تهديداً على أمن ووجود الكيان الصهيوني، فمدة الاعتقال عادة تُحدد لعدد من الشهور ما بين ( 3-6 ) أو أكثر لكن هذه المدة قابلة للتمديد من قبل المحكمة العسكرية، فعند اقتراب موعد الإفراج يحق للمحكمة أن تقوم بتمديد الاعتقال الإداري لأي فترة أخرى دون حق اعتراض من الأسير مما يُسبب له مزيد من الألم والمعاناة والقهر، ففي اللحظة التي يبدأ فيها التهيؤ النفسي للإفراج يأتي قرار التمديد الإداري الذي يُكسر النفس وجوارحها فيزيد من إحباطها وقهرها وألمها .
إن ازدياد شعور الأسرى بالقهر والعدوان واستلاب الحقوق والكرامة، تدفعهم لاتخاذ خطوات عملية للاحتجاج والتمرد على إدارة السجون لنيل المطالب للكرامة والحرية، فتستخدم الوسائل المادية المتاحة للتعبير عن ذلك الألم وعندما لا تستجيب إدارة السجون لمطالبهم يلجأ الأسرى لعلمية الإضراب عن الطعام الذي تُحدد فترته إما لفترة زمنية محدودة أو إضراب مفتوح وهو الأخطر على حياتهم .
وبما أن الطعام جزء أساسي من حياة الإنسان وهو حاجة ضرورية ومهمة من أجل بقائه فلا يقدر الاستغناء عنه إلا لأيام قليليه لا تتعدى الثلاثة أيام ، وبعد ذلك يبدأ الجسد بالتراجع عن قوته وقدرته على التحمل فيصاب بالاضطرابات نتيجة النقص الشديد بالفيتامينات أو الإصابة بفقر الدم مما يصيب الجهاز العصبي الذي يُفقد الإنسان على الحركة والتفكير والاستيعاب والتذكر ويتعرض الجسم لسهولة الإصابة بالأمراض نتيجة نقص المناعة وإن استمر الإضراب لفترة طويلة يؤدي للموت .
فالأسرى عندما يقبلون على خطوة الإضراب عن الطعام يعلمون ما يمكن أن يلحق بهم من الأذى والضرر الصحي ولكنهم يُقبلون على هذه الخطوة وهم مقتنعون أنهم لم يتراجعوا عنها إلا بعد أن تُحقق مطالبهم وتُسترد حقوقهم، فالحاجة للكرامة والحرية واسترداد الحقوق تصبح أقوى من الحاجة للطعام، فكيف تُلذ حياة للأسير في تلك الزنازين والغرف المميتة ومع الظروف المذلة لإنسانيتهم والظلم الواقع بهم دون أي جرم إلا أنهم كافحوا وناضلوا لأجل أن تُرد أوطانهم وتُحفظ هويتهم، فالموت يطيب لهم مع حفظ الكرامة على العيش في القهر والإذلال .
فالأسرى يضربون عن طعامهم وحاجتهم الأساسية، ويُصابون بالألم الجسدي والنفسي لدوافع كثيرة يتطلعون أن يحصلون عليها ممن يحيطون بهم ويدعمون قضيتهم، فهم أولاً يضغطون على إدارة السجون والمحكمة العسكرية لوقف أي ممارسات وأساليب تحرمهم من حقوقهم فيسعون لنيل ما أوجبته قوانين حقوق الإنسان الدولية، ويأملون أن يجذبوا الانتباه للدفاع عن حقوقهم من كل ضمير إنساني حي للمطالبة بالإفراج عنهم، ويُذكرون أمتهم أنهم ما زالوا من ضمن منظومتهم العربية والإسلامية التي تحتاج لدعمهم ومساندتهم، ومطالبة المسئولين للوقوف لجانبهم ورفع قضاياهم لأعلى الجهات العالمية للضغط على ذلك الكيان الغاصب لفك أسرهم فلا يحق له باعتقالهم و سلب حريتهم، وفضح ممارسات إدارة السجون الصهيونية التي تخالف الاتفاقيات وقرارات الأمم المتحدة التي نصت على حفظ حرية الإنسان وكرامته، ويسعون للفت انتباه أبناء مجتمعهم ومؤسساته الوطنية والمدنية ليساندوا حقوقهم ويطالبوا للإفراج عنهم بما يقدمونه من مُساهمات وفعاليات تدعم قضية الأسرى والتذكير الدائم للعالم بقضيتهم العادلة التي تحتاج إلى نظرة إنسانية صادقة تتضامن معهم، وتسارع لفك قيودهم وتحريرهم من أيدي ظالمة لا تعرف أي حدود في عدوانها على الأسرى الفلسطينيين داخل سجونها .
فالأسير " خضر عدنان " آثر الجوع المُميت على أن يحيا بين تلك الحُجر المُظلمة والتي يزداد ظلامها كل يوم نتيجة لما يزداد من ممارسات تقهر النفس وتسلب كرامتها، فهو النموذج لكل أسير فلسطيني يقبع خلف تلك القضبان والزنازين ينتظر لحظة الأمل للإفراج ونيل الحرية التي غابت عنه منذ سنوات طوال فاشتاق أن يتنسم عطر الربيع ونسائم البحر البعيد .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت