الصم: ريما وشيرين وسمير متفائلون بالحياة

 


ريما وشيرين وسمير مدرستان ومدرس صم يعملون في روضة الهلال للتربية الخاصة، التابعة لمركز التأهيل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني "مدينة الأمل" في خانيوس جنوب قطاع غزة، لم تقف إعاقتهم سداً أمام طريق النجاح الذي تمنوه في حياتهم، ضمن أحلامهم البسيطة في العيش حياة كريمة، ويكونوا جزءاً من المجتمع والاستفادة منه وتقديم الخدمات لفئتهم من الصم.


 


لغة الإشارة، أو أبجدية الأصابع، هي الوسيلة الوحيدة التي يوصل فيها ريما وشيرين وسمير، ما يدور في أفكارهم أثناء لقاءهم الآخرين من الصم وغير الصم، فجعلوا من هذه اللغة المستحيل حقيقة، وتحدوا العبارات كافة التي تقول إن الصم غير قادرين على التعامل مع الآخرين.


 


قصتهم بدأت منذ طفولتهم، فقد ولدوا صما ولم يكن أحد من آبائهم يعاني من إعاقة، لأن ثلاثتهم تعلموا في مركز تنمية القدرات التابع لجمعية الهلال، وهو مركز يتكون من أقسام عدة كالحضانة، والروضة، والمدرسة، وقسم الإعاقات الذهنية، والتدريب المهني، والورش الإنتاجية، بالإضافة لقسم الخدمات المساندة والمكون من العلاج الطبيعي وعلاج النطق والسمع وأختصاصيين اجتماعيين ونفسيين، وقسم الأنشطة اللامنهجية إضافة لنادي الطفل الذي يقدم أنشطة وبرامج لأطفال المجتمع المحلي.


 


علامات التفوق


تقول ريما الفرا (28عاماً) التي ظهرت علامات التفوق عليها منذ صغرها، إنها التحقت بجمعيات عدة، وعندما افتتح مركز التأهيل وتنمية القدرات في مدينة خانيونس سجلت في قسم التطريز وخضعت لدورات عدة تؤهلها لأن تصبح مساعدة مدرس في روضة الهلال.


 


وأوضحت ريما التي تسكن في مدينة خانيونس إلى أنها متزوجة منذ ثلاث سنوات من زميلها في المركز نفسه نور وهو أصم, مشيرة إلى أن السر الذي يكمن خلف ابتسامتها هو أن تتحدى من حولها من أشخاص وواقع الحياة الصعبة " قدرة ربانية" حسب تعبيرها.


 


مواهبها في التعامل


بدورها أوضحت شرين زعرب (28 عاماً) أنها التحقت بالجمعية وهى بعمر (14عاماً)، وتعلمت لغة الإشارة، ثم التحقت بقسم الخياطة والتطريز. وعندما ظهرت موهبتها في التعامل مع الأطفال بشكل جيد عملت مساعدة مدرس كي تساعد في تدريس أطفال في مرحلة البستان برفقة زميلتها ريما.


 


عند دخولك فصل ريما وشرين تشاهد طريقتيهما في تعليم الأطفال الصم واللتين تشبهان لوحتين فنيتين صامتتين، فالمكان يتميز بالهدوء، وفي داخله خمسة أطفال لم يتجاوز أعمارهم ست سنوات، وتمتلئ جدران الفصل باللوحات التعليمية، وأمام الطلاب لوح يشرح عليه الدرس. ومن خلفهم توجد مرآة كبيرة الحجم، ما يجعلك تتساءل عن المغزى من وجود مرآة بهذا الحجم داخل فصل تعليمي؟ لتدرك أنها تستعمل لتعكس عدم انتباه الطفل للمدرس، عند إلقاء الطفل نظره للخلف، فتشير إليه المدرسة بيديها لكي ينتبه للدرس.


 


بدأت ريما بشرح درس العلوم، حيث عم الفصل الهدوء لا صوت لمدرس ولا حركة للأطفال سوى حركات الأيدي، التي تعبر عن الكلام، وفي مقابلهم فصل آخر للأستاذ سمير يشبه في تفاصيله الفصل الأول، يضم أربعة أطفال يتعلمون الأحرف بلغة الإشارة، وبعضا من الكلمات البسيطة كالأب والأم والأخت والأخ والجد والجدة.


 


من جانبه يقول سمير أبو سبيتان(32 عاماً) أنه التحق بعدد من مراكز الصم وبقى للصف التاسع، إلى أن عاد لقطاع غزة عام 1994 من جمهورية مصر العربية، والتحق بمركز التأهيل وعندها كان عمره (15عاماً) وعمل في ورشة للنجارة. وبعد تدريبه انتقل لقسم الأستوديو المفتوح وهو احد أقسام مركز التأهيل ليقوم بعمل أنشطة لامنهجية تساعد الطلاب ذوي الإعاقة وأطفال المجتمع المحلي في التعبير عن ما يجول بداخلهم.


 


وبين أبو سبيتان أن الأختصاصيين انتبهوا لقدراته وقدرته على التعامل مع الأطفال، فتم تعينه كمساعد مدرس في روضة التأهيل، وعبر عن مدى سعادته في التعامل مع الأطفال، فكل يوم تزداد خبرته في التعليم، فهو يقوم بتدريس الأطفال الصم الذين لم تتجاوز أعمارهم الست سنوات لغة الإشارة وبعض الكلمات، ولكن بطريقة تدريجية، حسب قوله.


 


شاء الله أن تنجب ريما طفلين وأن يرزق سمير أربعة أطفال، جميعهم لم يرثوا من آبائهم الإعاقة فهم أصحاء، وتتعامل ريما مع طفليها اللذين لم يتجاوزا الثلاث سنوات بطريقة الشفاه ولغة الإشارة. وتقول إن "ابنتها التي لم تتجاوز 15 شهراً تحدثها بلغة الإشارة، فمثلا عندما تكون جائعة تشير لفمها فتفهم ريما أنها بحاجة لوجبة تسد بها جوعها، وتساعدها والدتها التي تسكن بجوارها في تعليم أطفالها النطق. وقد وجدت ريما أن تعاملها بالإشارات هي طريقة تسهل عليها مستقبلا التعامل مع أطفالها ليفهموا بعضهم بعضاً."


 


أما سمير فهو لا يحتاج لمساعدين ليعلموا أبناءه النطق، فهو متزوج من إبنة عمه التي لا تعاني من أية إعاقة، وتتعامل مع أطفالهما بشكل طبيعي، وقد علم سمير أطفاله لغة الإشارة كي يستطيع التعامل معهم ومساعدة زوجته في تربيتهم.


 


وتسعى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة من خلال مركزها، لمساعدة فئة الصم وتوفير حياة كريمة لهم، إلى جانب تأهيلهم والتعايش مع الظروف المحيطة بهم ، ودمجهم في المجتمع المحلي، كي يتمكنوا من الحصول على حقوقهم كافة.


 


قضية التواصل


تعد قضية التواصل من أبرز القضايا التي تشغل أذهان العاملين في مجال الصم ورعايتهم، باعتبارها من المشكلات الكبيرة التي تعوق اندماجهم مع المحيطين بهم، وبالتالي يفتقر الأصم إلى حد كبير التأثير في الجماعة التي يعيش فيها، لذلك يلجأ إلي طرق التواصل غير اللفظي، أي لغة الإشارة للتواصل مع اقرأنه الصم والمحيطين به، وكسر حاجز العزلة الذي يفرضه عليه فقدان حاسة السمع.


 


هذا ما ولد لدي شغف معرفة كيف يتعامل الصم مع الآخرين وكيف يتنقلون في المدينة دون مساعدة احد؟ وكيف يتعاملون مع أولادهم؟ فسألتهم عن ذلك، فاختصروا الإجابة بكلمة "طبيعي"، حيث لم يجدوا أن في إعاقتهم مشكلة للتواصل، مع الجميع بلغتهم الخاصة، أي "لغة الإشارة" وإن لم يفهموا يكتبوا على الورق، يستخدموا شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ولديهم أصدقاء، كما يستخدمون خدمة الرسائل في الهواتف النقالة، لكي يتواصلوا مع الناس.


 


وأما عن تنقلهم داخل المدينة فهم يضعون في محفظتهم الخاصة بطاقات كتب عليها الأماكن التي يرتادونها دائما كمدينة الأمل (الهلال الأحمر الفلسطيني)، وبطاقة أخرى كتب عليها مكان سكناهم.


 


يذكر أن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تعمل من خلال برنامج التأهيل وتنمية القدرات على دمج ذوي الإعاقة في المجتمع المحلي، عبر تطوير قدراتهم ومنحهم فرصاً متكافئة في الحياة. وهناك أكثر من 10% من موظفي الجمعية من ذوي الاحتياجات الخاصة، يساهمون في تطوير قدرات الآخرين ممن يعانون من الإعاقة نفسها.


 


تقرير/ دعاء عابد