عن اي مصالحة... واي حكومة تتحدثون؟ /عبد الباري عطوان

 ان يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، ويوقعا سويا اتفاق الدوحة برعاية امير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني، لتكريس "اتفاقات" المصالحة السابقة، وحلّ عقدة "رئاسة" الوزارة، فهذا امر جيد، ولكن العبرة في التطبيق، فقد مللنا من تكرار التوقيعات والمصافحات امام عدسات التلفزة، ثم تعود الامور الى ما كانت عليه.


نخشى ان يؤدي الاتفاق الجديد الى توليد خلافات جديدة، دون ان يحلّ الخلاف الاصلي، فالجدل حول مدى دستورية جمع الرئيس عباس بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة قد بدأ بقوة، كما ان هناك احاديث انتقلت من "الهمس" الى العلن حول وجود انقسامات حادة داخل صفوف قيادات الصف في الحركة تجاه هذه المسألة.


صحيح ان السيد اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة بارك هذه الخطوة، واعلن التزامه بتنفيذ بنودها، ولكن الصحيح ايضا انه غاب عن حضور مراسم التوقيع، وكان بينه وبين الدوحة ربع ساعة طيران فقط، حيث كان موجودا في مدينة المنامة في زيارة رسمية للبحرين، كما ان الدكتور موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة فضلّ البقاء في القاهرة، وكذلك فعل الدكتور محمود الزهار الموجود فيها ايضا.


خطوة على هذه الدرجة من الأهمية تتطلب حضور وفد كبير من حركة "حماس" لاظهار وحدة الحركة وتماسكها، نفيا للشائعات على الاقل التي تصاعدت حول الانقسامات في اوساطها القيادية في الفترة الاخيرة. فبينما كان وفد الرئيس عباس يضم صائب عريقات وعزام الاحمد ونبيل ابو ردينة، اعضاء اللجنة المركزية في حركة "فتح"، ظهر السيد خالد مشعل شبه وحيد تقريبا، مع احترامنا للوفد المرافق له.


نعود الى النقطة الابرز في الاتفاق، وهي تولي الرئيس محمود عباس رئاسة الحكومة، وهي نقطة تستعصي على الفهم، فهل يعقل انه لا يوجد شخص مناسب بين اكثر من عشرة ملايين فلسطيني يصلح لهذه المهمة؟ وهل عقمت ارحام نساء فلسطين الخصبة المجاهدة عن انجاب شخص كفوء غير الرئيس عباس؟


انه افلاس مخجل للنظام السياسي الفلسطيني، ويفسر مدى انحدار الاهتمام الفلسطيني، ناهيك عن الاهتمام والتأييد العربي والعالمي للقضية الفلسطينية وتطوراتها. فالفلسطينيون الذين كانوا مضرب المثل في الثورة والمقاومة وتقديم النماذج المشرفة في هذا المضمار، باتوا اكثر الشعوب العربية سكينة وخمولا واستسلاما للاحتلال والقوى الغربية الداعمة له.


" " "


نسلم بأن الرئيس محمود عباس شخصية عبقرية، تملك كل مواصفات الكمال، ولكن هل يعقل ان يكون رئيس السلطة، ورئيس الدولة الفلسطينية، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيسا للجنة المركزية لحركة "فتح" وقائدا للقوات المسلحة الفلسطينية، واخيرا رئيسا للحكومة، هل هناك زعامة ديكتاتورية اكثر من هذه؟


نعلم جيدا انهم سيقذفوننا بالحجارة، وهذا يشرفنا، فلا بدّ من قول كلمة الحق احتراما لتضحيات الشعب الفلسطيني، بل وتاريخ السيد عباس نفسه الذي كان من اعضاء النواة الاولى لقيادة حركة "فتح" التي اطلقت الرصاصة الاولى، واعتمدت الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين التاريخية، من البحر الى النهر، وليس الضفة الغربية وقطاع غزة فقط.


نحن مع المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولكن ليس من اجل تشكيل حكومة، او انتخابات رئاسية وبرلمانية لدولة وهمية تحت الاحتلال، وانما لتصعيد المقاومة الشعبية بأشكالها كافة، واعادة القضية الفلسطينية الى قمة الاهتمام العربي والعالمي.


يتباهى الفلسطينيون بأنهم اكثر الشعوب العربية علما وثقافة، وربما كان هذا في الماضي، فمن يقبل بهذا الوضع المتعفن لا يمكن ان يكون متعلما او مثقفا، فإذا كان العلم لا يفتح عيني صاحبه على الوضع المأساوي الذي يعيشه الانسان الفلسطيني في ظل الاحتلال والحصار، وانهيار كل الرهانات على السلام المغشوش والمسموم، وتحول هذا الانسان الى جيش من المتسولين، سواء على ابواب وكالة غوث اللاجئين (الاونروا) او امام سفارات الدول المانحة، فلا فائدة من هذا العلم، والجهل افضل منه بكثير لان الجاهل معذور.


" " "


الشعب الفلسطيني يجب ان يبحث عن كرامته المهدورة، ويعمل على استعادتها مثل كل الشعوب العربية الاخرى التي تقدم مئات بل آلاف الشهداء من اجل ذلك دون خوف او وجل، ويعمل على تغيير الواقع المؤلم الذي يعيشه حاليا، وهو احد ابرز الشعوب العربية، بل والعالمية الرائدة في انتهاج مفهوم المقاومة من اجل التغيير.


اولويات الشعب الفلسطيني مختلفة كليا عن اولويات الشعوب العربية الاخرى.. اولويات الشعب الفلسطيني ليست الديمقراطية، ولا تشكيل حكومة تحت الاحتلال يتعرض وزراؤها بل ورئيسها الى الاهانات والاذلال امام الحواجز الاسرائيلية على ايدي مجندات مراهقات. اولوية الشعب الفلسطيني هي تحرير ارضه المغتصبة، واسترداد حقوقه المشروعة كاملة دون نقصان. بعد ان يتحقق هذا التحرير، وتتكرس السيادة الوطنية غير المنقوصة، وتتوج القدس عاصمة للدولة الفلسطينية الكاملة، بعد ذلك يمكن جعل الديمقراطية والانتخابات الرئاسية والتشريعية على قمة الأولويات مثلما فعلت وتفعل كل الشعوب العربية، الثائرة من اجل انهاء حكم الديكتاتوريات، او التي تستعد للثورة.


ختاما نسأل اين سيكون اجتماع المصالحة المقبل، وما هي الدولة التي ستستضيفه، وكيف ستكون المصالحة؟ السؤال موجه لقطبي العملية السياسية الفلسطينية "فتح" و"حماس" وقيادتيهما الرشيدتين.


 


2012-02-06/القدس العربي


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت