هل الحالة الفلسطينية بمنأى عن رياح التغيير؟/راسم المدهون

تحيل الحالة السياسية الفلسطينية الراهنة بمشكلاتها واستعصاءاتها التي لا تحصى إلى سؤال لا تبدو الفصائل والأحزاب مهتمة بالبحث عن إجابات جدية له: كيف تعيش هذه الفصائل والأحزاب حياتها الداخلية؟


في أدبيات السياسة الفلسطينية جدال واسع حول غياب الديموقراطية والفساد وأخطاء السياسة وغيرها من المشكلات والنواقص. لكن، بقليل من التدقيق، يتبين أنه جدال يتعلق دائماً بمنظمة التحرير، وتالياً بالسلطة الفلسطينية ومؤسساتها وأجهزتها، لكنه لا يتعلق، غالباً، بالفصائل والأحزاب التي تتشكل من التقائها المنظمة، وتتشكل السلطة من بعضها على الأقل. حصر جدال الفساد والخراب في المنظمة والسلطة استتبعه بالضرورة حصر أية جهود للإصلاح في تلك المؤسسات، وإبقاء الأحزاب والفصائل بمنأى عنه، فيما تكشف الوقائع والبحث المحايد والموضوعي أن الكلّ في ذلك الخراب سواء.


 


تكفي القراءة الأولى لتقول لنا مثلاً لا حصراً إن الأمناء العامين لم يتبدلوا إلا بسبب الموت، حتى المثال اليتيم الذي خالف القاعدة، وأعني تخلي الراحل جورج حبش عن موقعه يثبت ما نقول ويعزّزه، وهو أيضاً تنازل عن موقعه تحت وطأة المرض بعد مقاومة طويلة ظل خلالها لعقدين وأكثر يحتفظ بموقعه على رأس الجبهة على رغم إصابته بجلطة دماغية تركت أثراً في حركته وقدرته حتى على السير.


 


يرى المراقب ذلك كله بوضوح وبساطة، فالمؤتمرات الحزبية هي غالباً أقرب إلى المهرجانات والاحتفالات الكرنفالية، حيث تغيب الانتخابات الحرة ويستعاض عنها بقوائم تنتقيها القيادات العليا ولا تتهاون في خرقها أو الخروج عليها. كانت الحياة الحزبية ولا تزال تلهث خلف الحراك الثوري وتتخلف عنه بمسافات شاسعة، تتضح في الفوارق البينة بين ضخامة التضحيات التي قدمها الشعب، ومنهم بالطبع المحازبون من القواعد الدنيا والمتوسطة، وبين حالة الهيمنة للمراكز القيادية الأولى التي ظلت تحتكرها النخبة السياسية والحزبية وتقبض عليها وتعيد عبر ذلك الاحتكار انتاجها على الصورة نفسها من دون الاستجابة لأي تطور طبيعي أو مفاجئ يقتضي تطويراً ما في البنية التنظيمية أو السياسات والبرامج.


 


لعل واحدا من أبرز مظاهر تلك الحالة هو ما كرّسته الفصائل الفلســـطينية كلها من دون استـــثناء، أعني "تقاليد" إحياء احتفالات ذكرى تأسيس كل فصيل، وهي تتجاوز عادة مهماتها الســـياسية المعــــلنة، وتتحول، غالباً، إلى تكريس القيـــادة ودورها وتقوم على "تشغيل" الكوادر والأعضاء طيلة شهر كامل في مهمات الحشد وإعداد أو تنظيم مكان الاحتفال لتبلغ المسألة ذروتها في الاحتفال ذاته الذي يتحوّل إلى مهرجان خطابي للأمين العام.


من اللافت هنا أن هذا "التقليد" الذي كرّسته الفصائل في العاصمة اللبنانية بيروت، نقلته معها إلى الضفة وغزة بعد تأسيس السلطة، لكن اللافت أيضاً صعود تقليد جديد من خارج سلطة الفصائل والأحزاب يقوم به الشباب الذين يجدون أنفسهم خارج إطارات العمل الحزبي والفصائلي.


 


من المهم في هذا السياق رؤية الحراك الشبابي جيداً، خصوصاً منذ حملة رفض الانقسام التي بدأها الشباب من الجنسين على صفحات "الفايسبوك"، والتي حققت التفافاً واسعاً أعتقد أنه كان وسيكون له الأثر الكبير في الضغط على مختلف الفصائل والأحزاب ودفعها لقبول فكرة التجدّد.


 


على أن ما يظلُ حاضراً عموماً هو انقياد الحالة الحزبية الفلسطينية إلى طريق مسدود. فتقاليدها لا تستطيع اليوم أن تصمد في مواجهة رياح التغيير العاصفة، والتي ستدفع حتماً إلى صعود تيارات حزبية وسياسية جديدة من خارج ما هو قائم. ولعل من المفيد رؤية الحراك داخل "فتح" خصوصاً والفصائل عموماً، وما ينتجه من قراءات مغايرة. ففي "فتح" اليوم يُلاحظ البون الشاسع بين الذين التحقوا بالسلطة وشغلوا وظائفها، والذين ظلّوا يعملون في مواقعها التنظيمية، ولا مصلحة لهم في استشراء الفساد وخسارة فتح بسببه الانتخابات التشريعية أولاً، ثم قطاع غزة.


* كاتب فلسطيني/الحياة اللندنية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت