ذكرى مولد النبوة ..وتجديد أمل الأمة/ آمال أبو خديجة

بقلم: آمال أبو خديجة

إنه العام الذي تعالى فيه صاحب الفيل ليجر أذياله اتجاه مكة البلد الحرام مُدّعياً لنفسه النبوة ومقيماً قدسية لمكان آخر تُعبد فيه أوثان الضلال، يتحرك " أبرهة الأشرم " نحو الكعبة المشرفة ويتضخم الكبر في نفسه ليظن أنه فوق كل شيء ويغير ما يشاء، ومع اقترابه من حرمة المكان يبتعد أل هاشم عن الحدث فوق قمم الجبال ليقينهم أن للبيت رب يحميه وسيجعل الله ممن يمد يداً لهدمه معجزة للتاريخ، لتبقى أراده الله لما اصطفاه  واختاره ليكون قبلة الناس ووجهتهم إلى ربهم الحق .


 


فما أن تتقدم أولى خطوات " أصحاب الفيل " حتى تتجمد أقدام الفيل فيهبط على الأرض فلا يجد قدرة  على التقدم بل يأبى إلا الخضوع والذل لحرمة المكان، ، يتمرد الحيوان الفاقد لأهلية التفكير والفهم والتعقل ويستجيب لغريزته التي فطر عليها ويستسلم للحق ويأبى العصيان لربه وتدمير ما أراده الله .


 


 وتبقى أفيلة الكفر والضلال تزداد ضخامتها و عنفوان كراهيتها للحق فتحاول التقدم لتدمير معالم الحق المبين واختراق حُرمة المكان لترد وجهة الناس لقبلته الباطلة ليجعل لنفسه ومقامه إلها يُعبد من دون الله، عندها تتنزل عليهم الطير الأبابيل تسابقهم بقذف حجارة السجيل تسقط من فوق رؤؤسهم كصواعق الموت فجعلتهم أشلاء تآكلت وتتشتت وتبعثرت لهول ما ألقي عليها فذابت أجسادهم ومكائدهم في لحظات لم يستطيعوا أن يفروا و يختبئوا ليحموا أنفسهم من شدة الصواعق وحر لهيبها .


 


محمد الإنسان عليه الصلاة والسلام


ومع انطفاء شعلة الظلام وسقوط أعمدة الكفر والضلال ولد في ذلك العام نور الهدى و رحمة  العالمين ، فبعث الهدى محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في التاسع من ربيع أول، ليخرج من رحم الطهارة والقداسة ليطهر البشرية كلها من هول فسادها ويعيد كرامتها ويرفع شأن المستضعفين ويقيم الحق والعدل الكامل فيها، بعث من ربه ساجدا بناصيته رافعا أكفه للسماء مطمئنا في سره وخاشعا شاكراً لربه الذي اختاره واصطفاه ليكون خيرة العالمين وقدوتها وخاتمة رسالات السماء   .


 


فبدأ حياته عليه الصلاة والسلام على صناعة ورعاية ربه فعين الله لا تفارقه لتصرف عنه كل مكروه  من مكر الماكرين والحاسدين، فقد عاش حياته عليه الصلاة والسلام منذ يومه الأول يتنقل من شدة ألم لأخر، فلم تعطيه الحياة كل ما يتنعم به الأطفال، ولد يتيماً مات والده قبل لقائه، وعاش بعيداً عن أمه بحكم قيم المجتمع وعاداته التي ترسل الطفل لبيئة الريف والبداوة ليتعلم جَلد الحياة وبلاغتها وفصاحة اللسان، ثم لا يكاد يعود لحضنها الدافئ حتى تخطفها يد المنية والموت ليبقى وحيداً وهو ابن ستة سنين، ويتولاه جده عبد المطلب حتى أن تعلق قلبه وروحه بحبه وحنانه حتى يموت ويتركه وهو ابن ثماني سنين، فلا يكون إلا أن يغمره عمه أبو طالب فيقدمه على أبنائه كلهم بحبه وعطفه ورعايته والذود والدفاع عنه في نبوته ويكفله ويمده  الأمن والأمان له من كل كيد ومكر .


لقد بُشر بأنوار نبوته ومجيئه من أحبار أهل الكتاب الذين درسوا الكتاب ووصف لهم فيه وعرفوه من صفاته وملامحه، ومنهم من حذر عمه برعايته وحمايته والحرص عليه من كيد يهود، ومنهم من بَشر بشأنه العظيم وانتظار قدوم مبعثه ورسالته كورقة بن نوفل، وكانت خديجة بنت خويلد من أذكى النساء وأحكمهن وأعلمهن  تعلمت على يدي ذلك الحبر الكريم الذي كان يخبر عن صفات ذلك النبي العظيم فحفظت تلك الشخصية في قلبها وفؤادها وبدأت تنتظر وتراقبها لتستأثر بها لنفسها لتفوز وتحظى بالمقام العظيم والشأن الكريم والرفعة للعلا عند الله، فلما بدت لها صفاته وعلمت بخبر أمانته وصدقه سارعت لتختاره شريك حياتها لتنعم به زوجاً وقريباً لتشهد على نبوته وتكون أول من يُثبت دعوته وتدفع تضحياتها من نفسها ومالها ووقتها لأجل ذلك الزوج العظيم من حمل ثقل الأمانة لتخفف عنه من أحمالها وتنال منها نصيبا .


 


عاش محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان في كنف خديجة ليكون خير زوج لها وتكون خير زوج له، لترى منه أروع السلوكيات والصفات التي فقدت ممن سبقوه ومن تبعوه من الرجال، لتكون شخصيه فريدة في كل شيء وتميزت عن غيرها بتربية ربه وتأدبه بتأديبه ، فربى وأدب بناته على أروع القيم والأخلاق الحميدة  فأشبع قلوبهن بحبه وعطفه وحنان قلبه عليهن، وأعطاهن حرية الاختيار واتخاذ القرار لحياتهن الزوجية، فكان الأب الموجه المعلم المبصر لهن دون أن يفرض عليهن ما لا يرغبنً به ولا ترتاح له نفوسهن، فكان نعم الزوج والأب لأسرته وأهله عليه الصلاة والسلام .


 


فعاش منذ مولده حتى بلوغه سن الأربعين وبعثه للنبوة على أرقى القيم وأعظمها، فلم يتبع ما تبعه قومه من الجهل وعبادة الأوثان، وكان طاهر النفس بالصدق ولإخلاص، وما شرب من مسكر أو مضر وما تبع شهوته ونزواته، فكان في قومه عزيزاً كريماً عالي القيم والخلق حتى كناه قومه بالصادق الأمين فوضعوا أماناتهم عنده واختاروه ليحكم بينهم في أمور اختلفوا فيها ليحكم بينهم بالعدل والحكمة  .


 


محمد النبي عليه والصلاة والسلام


وفي سن الأربعين حبب إليه الخلاء علية الصلاة والسلام وبعده عن الناس وكثرة الصمت والتفكير بما يحيط في الكون العظيم، فكان يأخذ زاده ويذهب إلى الجبال بعيداً عن صخب الحياة وتعبها وانشغال الناس بها، فاتخذ الغار المخفي بين الصخور الصماء يتدبر الكون ويسكن عالم الفكر وقراءة الآيات، وفي ليلة صَمت بها كل شيء وزاد ظلامها وسكونها وثقلها زُلزلت السماء لهول ما يتنزل، وأشرقت الأرض بأنوار آيات تتلى وتنزل على قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم، فينزل جبريل عليه السلام يملأ بجناحيه عرض السماء، ويقرأ عليه آيات ربه من كتابه العظيم فيخاطبه أقرأ يا محمد، فترتجف أعضاءه عليه الصلاة والسلام وتزيغ أبصاره وتضطرب أركانه لهول ما رآه وسمعه، فيقف لسانه عن الكلام ولا يقدر على الرد، حتى يكرر عليه جبريل عليه السلام أقرأ ثلاث مرات، ليعود من ذهوله لوعيه وإدراكه فيجيبه " ما أنا بقارئ " .


 


لقد تنزل النور في تلك الليلة المباركة ليبدأ إنارة الكون به، تنزل على خير قلب وأطهره ليكون نوراً للبشرية جمعاء، ومع خوفه واضطرابه من هول ما يرى يضمه جبريل عليه السلام بين جناحية في حضنه الدافئ  ويطمئنه من وحدة المكان تالياً عليه أول آيات الكتاب ( أقرأ باسم ربك الذي خلق .....) فنزلت أوائل سورة العلق على قلبه ليسمع أول كلمات ربه ليطمئن بها ويحفظها في صدره وقلبه .


 


ويرتفع الوحي إلى السماء ويفر محمد عليه الصلاة والسلام مذهولاً خائفاً لحضن زوجه خديجة لتدثره وتزمله بدفء حنانها ورقتها، ويخبرها بهول ما رأى وسمع لتكون خير عون له على الصدق والثبات، وتبشره بما علمت من أمره أنه نبي آخر الزمان وقائد أمة الإسلام ونورها .


ترك التدثر للعمل


تدثر محمد عليه السلام لتستمد روحه الأمن والسكينة وليستعد قلبه لتحمل أعباء العمل الجاد الذي يتطلب منه هجر الفراش والمتاع وإشغال الهمم في دعوة الحق وقيادة البشرية إليه، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته باللين والرحمة التي قامت عليها وتمثلت شخصه بها، جاء ليهدم معالم الكفر والضلال، ويزيل الجاهلية العمياء ويصلح حال قومه ومجتمعه والبشرية جمعاء بما حمله من أمانة ربه وبما أوحى إليه، فبدأ رحلة التنزيل للكتاب على قلبه الشريف فكانت تتنزل حسب ما يقع من أحداث ومواقف حياة المسلمين أو أسئلة توجه إليه عليه الصلاة والسلام ينتظر أن ينزل البيان بها .


 


انتهي زمن التدثر والنوم يا محمد عليه الصلاة والسلام لتبقى حياً في ليلك ونهارك بقلبك المعلق في السماء، يتلقى الآيات ويتلوها ويؤدب صحبه بها فيحفظوها ويعلموها لغيرهم، بدأ انتشار خبر دعوة التجديد والتغير للحال والأحوال ليصدع بها فوق أصوات الباطل الجامدة، وبدأ الدخول فيها كل يوم يزداد ممن اقتنعوا بها وصدقوا كلمة الحق، وكان أول حاجب للدعوة رؤساء القوم وسادتها من قريش، فعندما سمعوا صوت محمد يصدع بالحق ما كان منهم إلا السخرية والتكذيب والاتهام له بالجنون، وعندما أحسوا بازدياد أتباع محمد جن جنونهم وبدأ خوفهم يتحرك عملاً وقسوة على قلوب أهل الحق والإيمان، فوقع عليهم أشد الألم والمعاناة والقهر والقتل كي يرتدوا للجاهلية العمياء وينكروا توحيد الإله ليعبدوا آلهة متعددة، وما كان منهم إلا مزيد إصرار على الثبات بترديدهم الوحدانية لله وصدع قلوبهم وحناجرهم بقول " لا إله إلا الله ولا معبود سواه   " .


 


كانت الشدة والقسوة يزداد ألمها على المؤمنين حتى كادت قلوبهم في لحظة ضعف أن تزلزل وتضطرب وتكاد أن تصاب باليأس من بُعد الفرج واقتراب النصر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من حولهم فيذكرهم ويُثبتهم ويُبشرهم ويُخبرهم بما وقع ممن قبلهم وكيف ثبتوا على الحق وجاء الوعد .


 


سلوكيات النبوة العظيمة


أسس محمد عليه الصلاة والسلام مجتمعاً من أرقى المجتمعات البشرية التي لم يشهد مثلها، ربى أفراده وأصحابه على حب العطاء والخير والإيثار والتضحية لأجل مصلحة الجماعة وتقديمها على المصلحة الشخصية، وعلى حب الله ورسوله والطاعة بالسر والعلن وعدم تقديم أي أمر عليهما، كان لهم المعلم والقدوة الحسنة التي تبعته خطواتهم لتحرص على كل قول أو عمل يصدر منه لتطبيقه في حياتهم .


 


ورغم تبعات وهموم النبوة وأثقالها إلا أنه لم يُهمل يوماً بيته وزوجه فكان نعم الزوج لهنّ جميعا فحرص على أن  يشبع قلوبهن من عطفه ومحبته لهن، وكان نعم الأب لأبنته فاطمة فجعل كل من يؤذيها ويؤلمها كأنه آذاه عليه الصلاة والسلام وكان يحرص على تقبيلها وضمها والعطف عليها والجلوس في فراشها وافتراش الأرض لها والقيام عند دخولها واستقبالها لضمها والمسح على رأسها، وكان عليه الصلاة ولسلام نعم الجد لأحفاده الصغار فحرص على أن يداعبهم ويحملهم على ظهره الشريف وأن لا يكسر قلوبهم بقسوة أو صراخ و يشبعهم ما يريدون من اللعب والركوب على كتفيه في سجوده فكان لا يرفع ظهره الشريف إلا بعد أن يشعر أنهم قد شبعوا مما يريدون ويحملهم في صلاته وبين أصحابه ، وكان مع الصبيان والشباب خير قدوة فكان الأب الحاني المعلم المهذب الموجه، وكان يداعبهم ويمازحهم كما يمازح أصحابه ويؤنب من يقسوا على أطفاله ولا يشعرهم بالحب والعاطفة، وكان عطوفاً مشفقاً على الضعفاء والمساكين والأيتام، وكان يحرص على خدمة نفسه بيده ولا يطلب من أحد خدمته مع أن جميع أصحابه يطمعون في خدمته والقرب منه، وكان يشارك في الأحداث كلها فتارة يجمع الحطب وتارة يقف مستشيراً لهم في الأمر، وتارة قائداً موجها، وتارة يحفر الخندق ويحمل على كتفيه الحجارة، لم يتعالى عليه السلام رغم علو مقامه عند ربه وشرف نبوته إلا أنه تواضع للناس وعاش بينهم وأحب قربهم والاستماع إليهم، لم يغلق بابه في وجه محتاج أو سائل، ولم يدير وجهه عن أي مُقبل إليه، حتى حركته عليه السلام اتصفت بحسن الاتزان فما كان يُسرع الخطى ولا يبطئها، وإذا سلم بيده بسط كفه كله وشد على يده، كان بشوشاً بساماً في وجه كل من نظر إليه، وكان يسابق للبشرى ليفرح قلوب المؤمنين، ولا يغضب إلا لغضب ربه وفي الحق،كان عدلاً مقسطاً في كل أمر حتى عند الاعتداء عليه أو انفعاله لم يكن يجحف في حكمه أبدا، كان محاوراً عظيماً ينصت ويسمع لخصمه حتى ينتهي ثم يبدأ حديثه بافتتاحه قوية تجذب القلوب والألباب بجوامع الكلم، كان كثير العبادة والخضوع لربه رغم النبوة فيقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، كان رحيماً وهو في صلاته فلا يُثقل على الناس، وكريماً في كل شيء ويطلب القصاص من نفسه لمن ظن أنه آذاه، كان ساكن القلب هادئ النفس حكيما في كل أمر، كان لحوحاً على ربه في الدعاء والخير، قدم أمر أمته على أمر حياته الخاصة وأهله ، كان عليه السلام كثير الحرص على نظافة بدنه وثوبه وكثير التطهر والتطيب وكان يدهن شعره بدهن ليزيده جمالاً، ويحافظ على سواكه ونظافة فمه الشريف ورائحته الطيبة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً للمسلمين من حوله من أصغر الأشياء وأتفهها في الحياة لأعظم الأمور وأجلها للأمة .


 


لقد ارتبطت طاعة رسول الله بطاعة الله، فرفعه الله إلى جواره بذكر اسمه مع ذكره، فهو النسمة المباركة التي أُنبتت في الأرض لتطيبها وتُخرج الخير والنور الكثير، فمن عصاه عصى ربه، ومن أنكره وأنكر سنته فقد كفر، وحرم من يقدم بين يدي الله ويديه، ورفع الصوت والمناداة عليه، والتأدب في حضرته ومجلسه، فهو المبلغ عن ربه الشارح المكمل بسلوكه وقوله ما لم يُفصل في القرآن وقد عاتبه ربه عتاب حب وإكرام لترتقي روحه بزيادة طهارة واصطفاء .


 


مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرون عاماً يدعو لمنهج الحق، فحارب من اعتدى عليه، وتصدى لكل من حاول أن يكيد له ويهدم أسس الحق، فبقي في جهاد وعمل دائم حتى جاء خبر السماء ووعد الحق فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتوسعت دولة الإسلام وانتشر في كل بيت ومكان وارتفعت راية الحق المُبين الواضح كشروق الشمس، وسقطت رايات الباطل والفساد لتخنس في حجرها  .


 


رحيله صلى الله عليه وسلم


وحانت لحظة رجوع أطهر روح إلى بارئها بعد أن خيره ربه بين الخلود وما عنده فاختار ما عند ربه والرفيق الأعلى، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعدت روحه الطاهرة الكريمة لتسكن جوار ربها، فكان يوم وفاته أعظم المصاب على المسلمين فذهلوا وزلزلوا وحزنوا حزناً شديداً، فكان من عمر الفاروق إلا ن ينادي بذهوله للملأ أنه سيقتل من يدًعي أن محمد عليه السلام قد مات، حتى جاءت لحظة التثبيت لهم من قلب " أبا بكر الصديق " فذكرهم بالصبر وحقيقة موت النبي وقول الله تعالى به ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)آل عمران .


 


المسلمين ما بعد رحيله صلى الله عليه وسلم


رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته بجسده لكن روحه ما زالت تحيى وستبقى لآخر الزمان بقوله وسنته ، ما زالت أخلاقه موجودة في شخصية أهل الإيمان الحق الذين اقتدوا بنبيهم حق الاقتضاء واتسموا بها حق السمات، فكانت آخر كلماته وصيته بالنساء والضعفاء خيرا، والحفاظ على الجماعة للأمة والصلاة وإتباع الكنز العظيم الذي تركه من كتاب الله وسنته، والعض عليها بالنواجذ لشدة الحرص على التمسك بها حتى لا تضل أمته بعده أبدا .رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركاً ميراثه العظيم لأمته الصالح لكل كل زمان ومكان يقام على العدل الشامل الكامل بعيداً عن أي ظلم وتقصير .


 


نجحت دعوة التوحيد لأنها الحق الثابت الذي لا يزول أبدا رغم كيد الكائدين والماكرين لهذه الدعوة، بقيت الرسالة العظيمة وستبقى حتى إرادة الله قيام الساعة والأرض ومن عليها، والمسلمون أصبحوا  بعد انتهاء الخلافة الراشدة يتراجعون عن إتباع وصية رسولهم فقصروا فيها الكثير وانشغلوا في حياتهم الدنيا بما فيها من متاع وشهوات وماديات أشغلت القلوب عن التطلع لربها وسنة نبيها، فأصاب الأمة من البلاء الشيء العظيم من تسلط الظالمين عليهم وانتشار الفساد والقهر والظلم وانهيار كثير من القيم السوية التي جاء بها منهج السماء وسادت الرذائل والفواحش في كل مكان، وأصبح قتل الإنسان أهون من الحيوان، واستهان المسلمون بكثير من أمور دينهم مما دعا أعدائهم أن يستقوا بالعدوان على دين الحق والإدعاء عليه بما لا يليق به والاعتداء على شخص نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بألوان وأشكال وإسقاط أحقادهم على كتاب ربهم إما بالتمزيق أو إلقائه فوق رؤوس الخنازير وأماكن النجاسة  .


 


فذكرى مبعث النور وإشراقه للكون نحتاج أن نولد معها من جديد وأن نُُحي فينا ونُجدد في قلوبنا ذلك الحق والمنهج القويم  ونزرع الأمل اليقين بأننا من أهل الرفعة والسيادة إن تمسكنا بديننا ومنهج ربنا، وإن تدبرنا تفاصيل كتابنا وحياة رسولنا لنستخرج منها المعاني والسلوكيات والمفاهيم التي تناسب حياتنا وتطورها دون أن نخرج عن سياق الآيات و المعنى الحقيقي لها .


 


- نحتاج أن نعيد للإنسان كرامته وحقه بالوجود وحفظ الحياة الكريمة .


- نحتاج لنشر العلم والمعرفة الحقيقية التي جاء بها النبي الهادي وتطويرها لكافة المجالات العلمية .


- نحتاج لنبني منظومة تربوية قائمة على مراعاة النمو النفسي والعقلي والجسدي للإنسان وإيجاد القدوة الصالحة للمربين .


- نحتاج لنظام أسري قائم على حفظ استمرار الأسرة وتوفير متطلباتها كي لا تترك تحت التشتت والضياع والانحراف  .


- نحتاج لإقامة العدل والحق في جوانب الحياة كلها ليستقر الفرد والمجتمع وتختفي عوامل الاضطراب الاجتماعي .


- وفي هذه الذكرى نحتاج أن نبني منظومة من القيم والمبادئ التي ترسخ في قلوب أجيالنا الصاعدة لتكون أرقى الأمم والمجتمعات  .


- نحتاج من التغير أن نثبت على الحق ولا تزلزل قلوبنا ولا تتراكض وراء مغريات المغرضين وأموالهم ليهدموا فكرة التغير والبناء .


- نحتاج إلى التعاضد والتآلف ليحب كل واحد لغيره ما يحب لنفسه ليبنى المجتمع على الانتماء والتكافل والإيثار لأجل الآخرين .


- نحتاج للحريات واحترام الآخر وعدم كبت الأفواه والأصوات التت تحرم الإنسان من حقه بالرأي .


- نحتاج لنشر التسامح والصفح عن بعضنا لنعيد للأمة لحمايتها وتجميع شتاتها لتقوى على صد أزمات ومعيقات الأعداء  .


- نحتاج لنتعلم كيف نتعامل مع خصومنا وأعدائنا ولا تكون الانفعالية والقسوة من تحكم تصرفاتنا


- نحتاج إلى ن نعيد صورة الشخصية الإسلامية الحقيقة أمام العالم التي تشوهت كثيرا وخاصة في بلاد الغرب نتيجة لسلوكيات المسلمين الخاطئة .


- نحتاج لنضع المقومات القوية لحماية أنفسنا وأجيالنا من أي غزو أو محاولة لإضعاف أمة الإسلام والسطو على مدخرات ومواردها الغنية .


- نحتاج لنضع إستراتيجية بنيوية وإنمائية شاملة للمجتمع تستمر لسنوات عديدة من خلال وضع الرؤيا الواضحة لما نريد أن نحققه .


 إن مولد محمد عليه الصلاة والسلام غير مجرى التاريخ ومجرى الأمم وجعل ممن كانوا لا يذكرون بشيء خير الأمم فرفعهم فوق غيرهم ليسودوا العالم بمنهج ربهم، وجعل ممن كانوا يتفاخرون بعلم الكتاب المحرف أذل الأمم وألعنها بما ضلت وأضلت للناس في هذه الحياة .


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت