انطلق تسعة معاقين حركياً في سباق رمزي في إحدى الملاعب الذي غصت مدرجاته بمئات المشاهدين، كانت حركتهم البطيئة والمتعثرة في الوصول إلى خط النهاية تجعلهم تقريباً على أبعاد متقاربة منه، بيد أن أحدهم أصابه الوهن.. ولم يقدر على الاستمرار فسقط ! فتجاوزه المتسابقون الآخرين من أقرانه المعاقين، والمفاجأة انه قبل وصولهم خط النهاية توقفوا.. لقد توقف المعاقون جميعا ثم استداروا إلى زميلهم المعاق الذي وقع، وعادوا إليه واستنهضوه، وتشابكت أيديهم وساروا مع بعضهم حتى وصلوا خط النهاية، وصلوا كفائز واحد... فقامت الجماهير التي اقشعرت أبدانها من روعة التصرف، واهتزت جنبات المدرجات بالتصفيق الحار إجلالاً وإكباراً لصنيع هؤلاء المعاقين.... العمالقة. "
وبعد.. فهل تنجح القصة الصحافية كأسلوب إعلامي في إيصال رسالة المعاقين للقراء..؟ الجواب نعم.. وبلا شك، والدليل هو قصة المتسابقين المعاقين التي أذكر أنني قرأتها قبل سنوات على إحدى المواقع الكترونية ولا زالت مفردات تفاصيلها حاضرة في ذاكرتي...
إن للإعلام دور إزاء قضايا وحقوق المعاقين يتجاوز القيام باستخدام لغة الإشارة للمعاقين الصم البكم في نشرات الأخبار المرئية، إلى دور يسهم في تغيير نظرة المجتمع نحو الإعاقة، وتقديمهم كبشر يتمتعون بكامل الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم من غير المعاقين. إن للإعلام دور في المساهمة في الترويج لقضايا وحقوق المعاقين باستخدام وسائل متعددة يبرز في مقدمتها تقديم المعلومات الصحيحة عن قضايا المعاقين، والحديث عن النماذج الناجحة منهم من الجنسين، وتغطية الأنشطة والفعاليات المتعلقة بهم بطريقة تستخدم الأساليب والمهارات الإعلامية التي تلفت انتباه المتلقين إلى حقوق هذه الشريحة المهمشة، والاهم من ذلك أن يمتلك الإعلام رؤية مستقبلية قادرة على التفاعل بايجابية مع قضايا المعاقين.
إن على الإعلام والقائمين عليه واجب في جذب اهتمام المسئولين وذوي العلاقة وصناع القرار إلى واجبهم نحو رعاية المعاقين والاهتمام بهم ودمجهم في المجتمع كواجب إنساني وأخلاقي وقانوني يستند إلى مشروعية حق المعاقين في فرص متكافئة مع غيرهم في كافة مجالات الحياة في العيش بكرامة وحرية على قدم المساواة مع الآخرين.
إن المعاقين لم يختاروا أن يكونوا كذلك، وان المساواة وعدم التمييز تقتضي قبولهم في المجتمع وانصهارهم وتفاعلهم في تفاصيل حياه المجتمع .
يستطيع الإعلام أن يسهم في تغيير نظرة المجتمع للمعاقين والخروج بها من دائرة الشفقة إلى حيز الدمج والاستيعاب والتفاعل، فالإعلام المرئي يستطيع أن يعرض الأفلام القصيرة والأعمال الدرامية المختلفة التي تحدد للمعاقين مكانتهم في المجتمع وتضمن حقوقهم، فمثلا عند تمكين المعاقين من الاشتراك في الأدوار التمثيلية والدرامية الرئيسة سيكون له اثر مشجع وفاعل، كما أن العمل على إنتاج الأفلام الوثائقية التي تبرز قدرات المعاقين في المساهمة في نهضة وازدهار مجتمعاتهم سيجعل الإعلام أداة قوية لمناصرة المعاقين.
ويستطيع الإعلام المسموع أن يخصص مساحات أوسع في برامجه لتناول حقوق المعاقين، والدفع باتجاه التأثير في الرأي العام من اجل إعمال حقوق المعاقين الجسدية والنفسية والعقلية، ورعايتهم وتوفير فرص التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وحماية المعاق من أشكال المعاملة التي تنطوي على تميز بحقه.
ويستطيع الإعلام الالكتروني والمكتوب تخصيص مساحات من صفحاته للمعاقين ليعبروا عن أنفسهم، بل ويشجعهم على إدارة مرافق إعلامية بأنفسهم ولعل هذا ليس حكرا على بلد كالنرويج مثلا التي تم إطلاق فضائية على اراضيها في نهاية سبتمبر من العام 2011، فريقها جميعا من المعاقين، بل إن التجربة موجودة وناجحة في قطاع غزة حيث يدير معاقون إذاعة لهم تقع في مدينة دير البلح منذ العام 2007، وعلى الرغم من محدودية مدى مساحة بث الإذاعة، إلا أنها تمثل تجربة قائمة يمكن الاستئناس بها لتعزيز وتطوير هذه التجارب المُعجبة للمعاقين!!
وسواء تم إعداد برامج تتعلق بحقوق المعاقين تستهدف توعية العامة بها، أو برامج إعلامية من إنتاج المعاقين أنفسهم، إلا انه يجب أن تكون مواداً إعلامية ينهض بها المتخصصون وتخضع للاستفادة من نتائج البحوث التربوية والنفسية وتتضمن أهدافاً اتصالية. , وان كان هنالك توصيات من المفيد أن تقدم من اجل تفعيل دور الإعلام وخصوصاً الإعلام الفلسطيني لخدمة قضايا وحقوق المعاقين فمن المهم:
1- قيام الإعلام الفلسطيني ببذل جهد اكبر في المساهمة في تغيير نظرة المجتمع نحو الإعاقة وذلك باستخدام المهارات والأدوات الإعلامية المتوافرة في ميادين العمل الصحافي.
2- خلق رؤية إعلامية فلسطينية قادرة التفاعل بإيجابية مع قضايا المعاقين وتعزز من مساحات الوعي بها لدى كافة الشرائح في المجتمع.
3- التزام الإعلام الفلسطيني بتقديم المعلومات الصحيحة عن قضايا المعاقين بالتعاون مع المؤسسات المهتمة بقضايا وحقوق المعاق.
4- التزام الإعلام باستخدام أسلوب الصحافة الاستقصائية في معالجة قضايا المعاقين وليس فقط سرد لأخبار وأنشطة فعالياتهم
5- دمج واستيعاب المعاقين في المرافق الإعلامية وتقديم الخدمات التدريبية لهم.
6- التركيز على جودة البرامج الإعلامية التي تخص المعاقين
7- قيام الإعلام بحملات ضغط ومناصرة بالتعاون مع المؤسسات الأهلية و الحقوقية من اجل المطالبة بتطوير السياسات والتشريعات والقوانين المتعلقة بالمعاقين.
8- تشجيع إقامة مرافق إعلامية متخصصة بقضايا المعاقين.
.....وما زال تصفيق الجماهير في المدرجات للمتسابقين المعاقين مدوياً، وما زالت أيديهم متشابكة في قلب الملعب، يحيون الجماهير ويحيونهم ويخبرونهم أننا جميعاً متساوين، فلا إقصاء ولا تهميش ولا تمييز وأن... " جميع الناس ولدوا أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء " .... الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت