"التطوّرات الإقليمية وآفاق مستقبلية باتجاه القضية الفلسطينية"/ صفوان ثابت

منذ أن أشعل البعزيزي فتيل الثورات العربية والتي بدأت من تونس الحرة، والتحالف الصهيوأمريكي بدأ فعلياً بتنفيذ مشروعه المخطط مسبقا ً في العالم العربي, فـ البعض يقول أن ربيع الشعوب العربية نتج عن تفشي  وظلم الحكام لشعوبهم وقمعهم و استبدادهم، وكانت النتيجة: تحرك الشعوب للتخلص من هؤلاء الحُكّام, والبعض الآخر يقول أن هذه الثورات بفعل فاعل و أتت عن مخططات أمريكية وغربية وتحمل أجندات خارجية مشبوهة , فلَوْ نظرنا من منطق آخر سنجد أن كلا الرأيين يحمل منطقية في الطرح , لأنه من المعروف أن الهيمنة الرأسمالية تعمل على أساس مخطط إستراتيجي بعيد المدى، ووفق مخططات و نظريات عديدة وهذا هو السبب الرئيسي في نجاحها وسيطرتها على العالم, و لو نظرنا إلى أحوال الشعوب العربية التي خرجت تطالب بإسقاط أنظمتها المستبدة سنجد أن هناك ألف سبب لخروج هذه الشعوب, وذلك يعني أن هناك أسباب عديدة أدّت إلى إسقاط الأنظمة المستبدّة، منها سبب محوري وهو شعور الشعوب بالظلم والفقر المُطقع، و سبب جوهري هو تدخل بعض الأطراف الخارجية لتحقيق مصالحها.


 


اليوم باستطاعتنا ملاحظة أن جماعة الإخوان المسلمين وقع عليها إجماع من قبل شعوبها أولًا كونها النظام العربي الوحيد الذي لم يتم تجريبه من قبل وبالتالي من مصلحة الجهات السائدة في العالم أن يكونوا ضمن إطار حاكم ليسهل الحديث إليهم بدلًا من وجودهم كحركة محظورة، ولم تفلح الأنظمة السابقة من الحد مِنْ توسّعهم على صعيد الدولة،  ومن ناحية عاطفية أخرى، فهو الخيار الإسلامي الوحيد الذي سيحقق العدالة والحرية لشعوبهم، كون الدين الإسلامي ينص على ذلك، وقد أُثبت ذلك بعد النجاحات المتتالية للإخوان في كل من المغرب وتونس و مصر في الانتخابات السابقة, وأيضاً إجماع صهيوأمريكي كونها تعرفُ أنهم النظام الوحيد الذي لم يأخذ فرصته في الحكم و ولديهم تجربة مصغرة حدثت عند سيطرة حركة حماس على قطاع غزة والذي نتجه عنه وقف إطلاق الصواريخ من الجهة الجنوبية للاحتلال الإسرائيلي " تأمين الحدود "  على مدى ثلاث سنوات سابقة, ونعلم أيضاً أن عدد كبير من قيادة الإخوان المسلمين كانت مبعدة  قبل الربيع العربي في بريطانيا وأمريكا وبعض الدول الأوروبية , ولا أعلم إن كان هذا الأمر هو محضُ صدفة أم أنه مخطط له من قبل!


قبل عدة أسابيع كانت هناك جولة للسيد إسماعيل هنية أحد أبرز قيادات حركة حماس في غزة، ورئيس وزراء حكومتها المُقالة, ومن ضمن هذه الجولة كانت زيارة لدولة البحرين , حيثُ تناقلت بعض وسائل الإعلام أنه تم طرح عرض مغري من قبل أمير دولة البحرين لتوفير 30 ألف فرصة عمل للفلسطينيين , وكما نعلمُ جميعا أن الأسطول البحري الخامس الأمريكي يتمركز في ميناء سلمان، و قاعدته في عاصمة البحرين المنامة , فهل يكون هذا العرض الهدف منه: مشروع توطين جديد للفلسطينيين و استغلالهم لزيادة عدد السُنّة في البحريين كي ترجح كفة السنيين مما يؤدي إلى نجاحهم في أي انتخابات قادمة في البحرين, كي يتم إضعاف السيطرة الشيعية والتي تتبع لإيران بشكلٍ مباشر؟


 


 منذ أسبوع تقريباً كان هناك استخدام حق النقض من قبل الدُب الروسي و الصين على مشروع الجامعة العربية بقيادة أمير دولة قطر من أجل المصادقة على قرار التدخل العسكري في سوريا لوقف المجازر بحق الشعب السوري الذي يرتكبها النظام السوري بحق أبنائه , ورأينا سخط و مهاجمة من قبل العديد على روسيا وموقفها، لاستخدمها حق النقض الفيتو، كون لديها مصالح إستراتيجية مع هذا النظام بعد أن التمست الخطر إثر موافقتها تدخل الناتو في ليبيا ومساعدة الثوار لإسقاط نظام القذافي الذي كان حليفًا إستراتيجيًا لها , في المقابل لم يتوجه أمير قطر و الجامعة العربية إلى مجلس الأمن لتطالب بوقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين.


 


المنطقة العربية بأكملها تواجه صعوبات و تحديات كبيرة مما يؤثر على مسار القضية الفلسطينية التي أصبحت غير مثارة في أروقة مجلس الأمن و الجامعة العربية , بينما تستمر آلة الحرب الإسرائيلية ببناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية وتوسيع مناطقها وضمّها لدولة الكيانْ، واستمرارها بعمليات تهويد في القدس الشرقية واستمرارها أيضًا بفرض حصارها على قطاع غزة و ارتكابها جرائم حرب كل يوم بحق الفلسطينيين و لا ننسى الأسرى وعلى رأسهم الشيخ خضر عدنان الذي يستمر حتى لحظة كتابة هذا المقال، إضرابه عن الطعام هو وبعض زملاء له، في معتقلات الاحتلال ولا أحد يحرك ساكناً من أجل وقف كل تلك الجرائم المذكورة.


 


وليس المطلوب حاليًا توقيع على اتفاق مصالحة برعاية قطرية، الذي لم يَذْكر القضايا الرئيسية لوجود هذا الانقسام وهي قضية التنسيق الأمني و قضية اتفاقية أوسلو , ولا أيضا إنهاء أهم ملفين في المصالحة وهما ملف الحريات و ملف المصالحة الاجتماعية المستمرة الذي إذا تم إنهائهما تتشكل بوادر مصالحة و شراكة فلسطينية حقيقية.


 


فــ للأسف قد قل الرهان على الأحزاب و الفصائل الفلسطينية من تحقيق تحالفات دولية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية , وذلك بعد أن غاب اليسار الفلسطيني عن الساحة السياسية الذي كان من المفترض أن يكون هناك تحالف قوي بينه وبين روسيا و الصين كونهم يتوافقوا فكريا حول القضايا العالمية ,وأيضا بعد الانشقاقات في حركة فتح وقيام أبو مازن بفصل قيادات شابة و بارزة وتملك شعبية واسعة في جماهير الحركة, ومراهنة أبو مازن على الموقف الأمريكي التي أثبت فشله على مر عقود بعد أن استخدم حق النقض الفيتو ضد الفلسطينيين ولصالح دولة الكيان، فلمْ يتبقى سوى حركة حماس التي كانت لوقتٍ قريب فقط تتبنى خيار المقاومة المُسلّحة، وأيضًا أقامت هدنة مع الاحتلال الإسرائيلي ومنعها لفصائل المقاومة من القيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال بوساطة بعض الدول المجاورة , ودعوتها الأخيرة لخيار المقاومة الشعبية و والتي بدأت تخسر حليفتها إيران بشكلٍ أو بآخر.


المطلوب هو وجود تيار وطني ديمقراطي مكون من شرائح متعددة من الشعب الفلسطيني مُدركة للخطر على مسار القضية من نخبة وأساتذة جامعات وكُتّاب وإعلاميين و نخبة من الشخصيات السياسية المستقلة بقيادة قيادات شبابية واعية قادرة على ضخ دماء جديدة و إحياء القضايا الجوهرية للشعب الفلسطيني, وأيضا تستطيع مساعدة الفصائل الفلسطينية على قيادة أي حكومة قادمة و تكون خير نصير للشعب المغلوب على أمره كي ترجح الكفة و نستطيع من جديد تفعيل دور السلطات الثلاثة التي من شأنِها إدارة شؤون الوطن و القضية.


 


صفوان ثابت


ناشط ومدون فلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت