الأقصى في خطر .. عار يا عرب/محمد فايز الإفرنجي

بقلم: محمد فايز الإفرنجي

 فصل ربيعي مزهر بكافة ألوان قوس قزح, يعيشه الاحتلال الإسرائيلي ونحن في غفلة عنه؛ بينما نعيش خريف قد طال فيه الانقسام وطالت فصوله, وعبثت عواصفه بشعب ناضل ولازال من أجل قضية آمن بها وجعلها نصب عينية, هي مستقبله وحاضره كما هي ماضيه وتاريخه.



جناحي الوطن تمزقت؛ أبناء الشعب الواحد تفرقوا؛ سلطة فلسطينية ولدت فأصبحت سلطتين, قضايا شائكة زادت من لهيب المحن التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الصابر, حياة باتت قاسية,آمال تخبوا وأحلام تذبل في الوصول لدولة فلسطينية مستقلة  القدس عاصمتها؛ ليصبح حلم الصلاة في أقصاها حقيقة لا خيال.



ترنحت قضيتنا وتراجعت ثوابتها وأصبح الحلم فيها سرابًا, طالما أن انقسامًا يعصف بنا ويزيد من آلامنا ويقصف وحدتنا فيفتت فينا ما لم يستطع الاحتلال نفسه عبر عقود  نيله من وحدتنا, فقدمنا له على طبق من ذهب ما لميتمكن هو من نيله بكافة وسائله؛ فاغتنم ما نحن به من تمزق وسارع لفرض واقع يصعب معه وصولنا إلى دولتنا وزاد من تعقيدات قضيتنا التي غابت عن سلم أولويات محيطنا العربي والإسلامي,كما شغل قوانا الفلسطينية وأبناء شعبنا عنها؛ فأصابها بمقتل فترنحت وحدتنا ومرضت بمرض عضال بات علاجه يصعب يومًا بعد يوم .



عدونا تركنا نتخبط في خلافاتنا, بل ساهم في غليانها وصهر كل أمل في الوصول إلى حلول تعيد مركبتنا إلى وحدة من شأنها أن تتصدى للاحتلال, وتُفشل مساعيه لتدمير حضارتنا الإسلامية وتُبقي فلسطين والقدس أسيرة إلى ما لا نهاية, وتهويدها بشكل يعجز معه الخلاص من هذا الاحتلال.



مستوطنات سرطانية تمتد يومًا بعد يوم؛ لتطال كل أرض يمكن أن تبنى عليها أسس وقواعد دولة فلسطينية مستقلة,أراضٍ تصادر من أصحابها فتطمس معالمها كنتونات متفرقة تخلقها سياسات الاحتلال بأراضي الضفة المحتلة؛ لتصبح ضعيفة هزيلة كأنها معتقلات كبيرة لا فرق بين السجان والسجين فيها, فهم جميعهم سواء فيها.



تهديدات باقتحام الأقصى تثار بشكل دوري تمهيدًا لفرض سياسة باتت واضحة المعالم لنوايا الاحتلال بهدم الأقصى وبناء هيكله المزعوم على أنقاضه.



غياب دولي عن دعم قضيتنا بل أصبح هناك حشد وتأييد لسياسات الاحتلال فيما يسعى إليه من تهويد لفلسطين كل فلسطين, ونحن في غفلة من أمرنا تمزقنا الخلافات والأهواء الحزبية, فتارة نذهب لمفاوضات استكشافية وتارة لمصالحة وهمية واتفاقات تطوى بعد الانتهاء من التوقيع عليها, وفض احتفالات وتصفيق حاد بنهايتها وينصرف الجمع لنجد أنفسنا أمام سراب ووهم يحطم الأمل فينا لعودة تمكننا من الالتفات لقضيتنا.



كل شيء لدينا انقسم إلى اثنين فالسلطة أصبحت سلطتين, حكومة باتت حكومتين, شعب وجدناه شعبين إلا وحدتنا ما أثمرت لتصبح وحدتين بل أصابها الجفاف بفعل الانقسام فغابت عنا وفقدناها لتختفي من عناوين وجودنا فتبخرت وحدتنا وسعد الاحتلال بغيابها, فأثخن فينا الفرقة والتمزق وشغلنا بأنفسنا وانشغل هو بتهويد فلسطين والقضاء على قضيتنا وتقزيمها أمام المجتمع الدولي, فصادر الحق وزرع الباطل في أرجاء فلسطين,فما عاد تصدينا للاحتلال أولوية نسعى إليها.



هل سنسمح للاحتلال أن يعيش ربيعًا تزهر فيه سياساته ويحصد من خلال فرقتنا المزيد من واقع يخفي معالم " دولة " ويبقينا أسرى لخلافاتنا؟



متى تعود فلسطين - أولى أولوياتنا - في مقارعتنا للمحتل وهو يعيش ربيعًا يطمئنه غير آبه بنا, ومقاومتنا الخجولة تختفي من هواجسه الأمنية, بل أصبحنا عونًا له نزيد من أمنه واستقراره على حساب أمننا وعلى حساب مصير مقاومتنا التي نقضي عليها إما تكتيكًا كما يدعي البعض أو بناء على اتفاقًا مع الاحتلال كما يقول الآخرين؟ وبين هذا وذاك ضاعت فلسطين وأصبحت قضية غائبة عن محافلنا, وغابت عن مركزية عربية وإسلامية وفقدت زخمها الدولي من اهتمام لأن أصحابها انشغلوا بأنفسهم ومزقتهم خلافاتهم وغابت مقاومتهم الحقيقية للاحتلال وأصبحت المفاوضات العقيمة أسمى أماني البعض منهم.



يا فلسطين ما عادت قضيتك كما كانت!! واحتلال يعبث فيك فيبدل تاريخك العريق بتاريخه الزائف, فيزيل معالم تجذرك في أرض الديانات السماوية ويرسم فيك تضاريس بقائه على أنقاض أقصى يخطط لهدمه, ويزرع شجرة غرقد بدل زيتونة متأصلة الجذور في أرضك.


 


يا فلسطين ما عاد أبنائك يولونك اهتماماتهم الأولية والأساسية فأصبحت السلطة والمناصب تتلاعب في أهوائهم فصدقوا كذبة سقاها المحتل وغرسها في عقول البعض وعمل على ترعرعها ونموها فنسوا أنك يا فلسطين عربية إسلامية وأرضك وقف لا يجوز التفريط بشبر منها ولست أرضًا يهودية يعيش المحتل فوقها أجمل ربيع في سنوات وجوده.



يا فلسطين ابكي فما عاد أبنائك يمسحون دمعتك وما عاد فيهم من يواسيك إلا  أبنائك الذين غابت كلمتهم قصرًا؛ يبكون سرًا عليك ويندبون, فما عاد أمنك يهم من جعل " أمن المحتل"  أولوية لبقائه وبات الحصار في جناحك الآخر قضية استفحلت فينا فأصبحت تلهونا عن قضايانا, عن فلسطين ودمعاتها التي تئن ليل نهار من جراء جرافات الاحتلال التي تخدش أرضها؛ فتثخن فيها الجراح وتنزف فيها وما من عربي ومسلم يداوي جراحها وأبنائها مكبلين بين حصار وتنسيق أمني وهموم الانقسام, غابت عنا مصالحك العليا يا فلسطين.



ربيعًا مزهرًا يعيشه المحتل ولكن ... هي فلسطين لن تغيب عن قلوبنا وضمائرنا وستعود قريبًا إلى ما كانت عليه دومًا في مقدمة القضايا, فلا تهنئ أيها المحتل طويلًا فربيعك سينتهي قريبًا وان طال.. وسيصبح خريفًا تتساقط فيه سياساتك العنصرية النازية,وستبقى فلسطين للفلسطينيين دولة والقدس بأقصاها عاصمة يحج إليها أبناء الإسلام والعروبة من كل مكان, فلا تجعل الأمل فيك يعيش طويلًا, فقريبًا سيبدل ويذهب أدراج الرياح كأنه ما كان؛ لأن فلسطين والقدس والأقصى تاريخًا محفورًا بالذاكرة قبل أن يكن حجرا ومعالم وآثار, سيبقى التاريخ يعيش ففلسطين تلفظ كل غريب وتاريخها دائمًا يقول أنها دومًا كانت وستبقى "للغزاة مقبرة" .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت