ليس كل من سمع مثل من رأى ، مثل دارج ينطبق على واقع الحال الذي تمخض عنه اعلان الدوحة اثر اجتماع ثلاثي ضم امير دولة قطر والرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة القطرية ، بعد مخاض عسير طال امده تسع سنوات من الحوارات الفصائلية المكثفة بدأت في القاهرة عام 2003 لم تسفر عن نتائج تذكر رغم دقة المرحلة التي كانت تعصف بالمنطقة آنذاك مرورا بالحوار المجدي نسبيا عام 2005 حيث انتج اتفاق فصائلي برعاية مصرية ، اعتبر بمثابة البوصلة للشراكة السياسية الجديدة ، من اهم عناصره اجراء الانتخابات المحلية والبلدية والتشريعية ، التي تم اجراؤها بعد عام من الاتفاق المذكور وفازت حركة حماس بالاغلبية البرلمانية حيث انيط بها تشكيل الحكومة الفلسطينية كما ينص عليه القانون الاساسي الفلسطيني ، غير ان رياح المجتمع الدولي هبّت بما لا تشتهي سفن حركة حماس ، اذ رفض هؤلاء الذين اشرفوا وراقبوا واشادوا بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية نتائج ما افرزته صناديق الاقتراع تحت ذريعة عدم تطابق سياسة الحكومة الجديدة مع معايير وشروط اللجنة الرباعية الدولية التي طالبت الاعتراف المسبق باسرائيل ونبذ الارهاب وكذلك احترام الاتفاقيات السابقة الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية الامر الذي تجاهلته حركة حماس حيث تم فرض الحصار على هذه الحكومة وحكومة الوحدة الوطنية التي اعقبتها مما ادى الى تأزيم الوضع الداخلي جراء ارهاصات الانقسام الكارثي لازالت آثاره ماثلة للعيان حتى يومنا هذا ، وبدلا من ان تكون الانتخابات عاملا حاسما من عوامل حل الازمة المتفاقمة اضحت عنصرا مضافا لتعميق الصراع الداخلي على السلطة اتجهت بشكل متسارع نحو الانقلاب على الديمقراطية الفلسطينية الذي كان يسميها الزعيم الراحل ياسر عرفات بديمقراطية " غابة البنادق " في اشارة الى تعايش البرامج الفصائلية بمختلف اطيافها تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ، ادت الى انفصال حقيقي بين جناحي الوطن اصاب جوهر القضية الفلسطينية بانتكاسة لاتحمد عقباها ...
لقد اجمعت القوى الفلسطينية على ضرورة الخروج من مأزق الانقسام باي شكل كان وكرست جل اهتماماتها من اجل استعادة الوحدة الوطنية باعتبارها اولوية لابد منها ، وقد ظهرت العراقيل المرة تلو الاخرى خلال المحاولات الحثيثة لرأب الصدع التي انتقلت الى اكثر من مدينة وعاصمة عربية تمثلت باتفاق مكة والحوارات في القاهرة ودمشق وصنعاء وغيرها لم يكتب لها النجاح لاسباب عديدة اهمها ، الترابط المنهجي بين حال الانقسام والاقليم العربي والدولي ، حيث سعى كل طرف من هذه الاطراف الى توظيف الحالة الفلسطينية في خدمة اجنداته الخاصة وتحسين شروطه التفاوضية مع القوى الكبرى المتنفذه في العالم ازاء قضايا لاعلاقة لها بالقضية الفلسطينية لا من قريب او بعيد .
الامر الثاني ، يتعلق بانغلاق الافق السياسي التفاوضي الذي دام عقدين من الزمن ثم وصلت الى طريق مسدود دون اي نتائج تذكر في ظل الوهن الذي اصاب المشروع الوطني الفلسطيني ، وبالتالي تحولت العملية التفاوضية الفاشلة الى غطاء يمنح حكومات الاحتلال الوقت الكافي لتنفيذ مخططاته الاستعمارية الاستيطانية وبناء جدار الفصل العنصري ، وتهويد مدينة القدس وتصعيد العدوان على شعبنا في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة حيث استطاع فرض معادلة التهدئة من طرف واحد دون الالتزام بشيء من جانبه ووضع هدفا مركزيا له يقوم على اساس وجود كيانين متصارعين ضعيفين خدمة لاغراضه التوسعية وتحكمه بمقاليد الامور من خلال تشديد خناقه وحصاره على الشعب الفلسطيني .
الامر الثالث ، غياب الرؤيا الفلسطينية الموحدة لمجريات الصراع حيث اكدت الوقائع ان القرار الفلسطيني لم يحظى بالتخطيط المسبق واستمر عرضة للاجتهاد والارباك الامر الذي فاقم من ردّات الفعل الفصائلية والشعبية على نحو غير مسبوق كما حصل اثناء العدوان على قطاع غزة " وتقرير غولدستون " الذي ساهم بشكل حاد من تسريع وتائر الاصطفاف وحالة الاستقطاب وبالتالي خلق مناخ الاحباط وفقدان المصداقية وخيبات الامل .
الامر الرابع ، انحياز الادارة الامريكية وعجز الدول الاوروبية على الزام حكومات الاحتلال الوفاء بالتزاماتها تجاه عملية التسوية ورفضها المطلق للقرارات الصادرة عن الامم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية مستندة بذلك الى الدعم الكامل للادارة الامريكية التي لم تتوانى عن استخدام حق النقض " الفيتو " ضد اي قرار اممي يدين الاستيطان والعدوان ، وبالتالي فان حكومة الاحتلال محصنه من المسائلة القانونية عن جرائمها العدوانية بحق الشعب الفلسطيني التي ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية .
إن هذا المشهد القاتم دفع الامور الى ذروة الازمة لطرفي الصراع الفلسطيني بالاضافة الى عوامل المتغيرات المتسارعة في المنطقة وهي تحيي ذكراها الاولى هذه الايام في ثلاث من الدول التي اسقطت انظمتها ولكنها لازالت غير قادرة على توفير الاستقرار بسبب التداعيات الخارجية والداخلية المتشعبه والتي يبدو انها تتجه نحو الفوضى العارمة مالم تتظافر الجهود جميعها من اجل معركة البناء واصلاح النظام السياسي والاقتصادي واعادة السلم المجتمعي المنقسم وفق ما تتطلبه الاولويات الوطنية لكل بلد من هذه البلدان ...
إذن نضجت الظروف الموضوعية الفلسطينية بأعلى مستوياتها واصبحت تشكل اداة ضاغطة على الجميع للالتقاء بمنتصف الطريق والسير معا باتجاه تطبيق ماتم الاتفاق عليه في القاهرة وقد ظهرت بعض المنغصات التي لا تشكل عقبات جوهرية لو توفرت النوايا الصادقة خاصة ما يتعلق بتشكيل الاطار الحكومي المرحلي ، ولكن الامر هنا يوضح بشكل جلي دور العامل الذاتي السلبي جزئيا محاولا معاندة ووقف ما هو موضوعي ضاغط قبل ان يتجها معا نحو ماهو ايجابي يخرج الحالة الوطنية من المراوحة الى التطبيق العملي للاليات التنفيذية ، ولاشك ان اعلان الدوحة شكل بعض المفاجأة للذين راهنوا على عدم امكانية نجاح المصالحة الفلسطينية واكتفوا بالحد الادنى منها كادارة للازمةوالانتظار لما ستؤول اليه الامور في المحيط العربي ، اذ تمكنت دولة قطر من تبديد المخاوف المتعلقة بامكانية حجب المساعدات المالية وعدم تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها حكومة الاحتلال عقابا للسلطة الوطنية ردا على المصالحة ، اي انها قدمت شبكة امان لمدة ستة اشهر قابلة للتمديد الى حين اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية كما ورد في اتفاق القاهرة ، الامر الاخر الذي لا يقل عن سابقه اهمية وهو ان قطر لا يمكن اخذها زمام المبادرة ما لم تحصل على ضوء اخضر امريكي ودولي قبل اقدامها على هذه الخطوة ، وهنا يبقى السؤال الكبير دون اجابة شافية لماذا الان ؟ وما الذي غير الاحوال من حال الى حال ؟
تبقى الاجابة مرهونة بقادم الايام المليئة بالمفاجآت التي ستعيد صياغة المنطقة على نحو غير معلوم ، ويبقى العامل الحاسم يقظة الشعوب واصرارها على الحرية والديمقراطية غير المستوردة او المغلفة بالشعارات الزائفة ، ان الشعب الفلسطيني الذي عانى بشكل مبكر من ويلات الظلم والعدوان والقهر سيبقى صمام الامان لمشروعه الوطني حريصا مصمما على انتزاع حقوقه والخلاص من نير الاحتلال واستعادة وحدته الوطنية الفلسطينية مهما كانت العقبات اثبتت تجربة السنوات العديدة بأن الانقسام شكل ناقوس خطر ينبغي تجاوزه بعد ادراك الجميع ان المستفيد الوحيد من بقاء هذه الحالة الشاذه هو الاحتلال وحده ظهر ذلك من خلال ردة فعل حكومة المستوطنين المتطرفة التي جن جنونها بشأن المصالحة الوطنية وهذا دليل قاطع على صوابية الموقف الفلسطيني ، اما هذه الاصوات الجانبية التي تختلق الذرائع يعلم الجميع حقيقة موقفها الذي استهوته شهوة السلطة والنفوذ والمصالح الذاتية على حساب الغالبية العظمى من شعبنا بالرغم من ذلك لابد من ان يعمم فكر المصالحة من خلال ارادة شعبنا وعدم سماحه العبث بمصالحه الوطنية العليا ....
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت