الاعلامي الجديد - الاعلامي/ بسام حمد

 


عرفت الساحة الإعلامية منذ انطلاق الخدمات الإعلامية الكثير من التطورات الهائلة حين بدأ الإعلام في شق طريقه ليصبح بالقوة التي نشهدها اليوم . كانت البدايات بانطلاق الجرائد والصحف بصورها البدائية المكونة من ورقة واحدة لتتابع طريقها في التطور منذ بداية ظهور الصحف عام 1470م على شكل نشرات إخبارية مطبوعة تصدر مرة واحدة في العام ثم تطورت لتصدر كل ستة شهور ثم كل شهر ثم أسبوعية ثم إلي يومية . لتتطور بعدها الصحف والمجلات لتصدر بأشكال مختلفة وفي مجالات مختلفة فقد انتقلت من العمومية إلي صحف متخصصة في شتى المجالات التي نشهدها اليوم . بيد إن ظهور الإذاعات بصورتها المحلية في البداية لم يترك المجال الإعلامي مقتصرا على الصحف والمجلات فبقيام الإذاعات المحلية التي تغطي مناطق محددة لاقت رواجا كبيرا لما تؤديه الإذاعات المحلية من دور هام في المجتمعات لتناولها قضايا المجتمع المتواجدة فيه بصورة شاملة وتفصيلية وما يواجه المجتمع من مشاكل داخلية واتساع رقعة جمهورها لما للإذاعة من خصائص تجعل من السهولة التعامل معه لعدم حاجته للتعليم والتكلفة المادية المرتبطة بالصحف والمجلات , الأمر الذي جعل انتشار الإذاعة أسرع من انتشار الصحف حيث كانت أول إذاعة في أمريكا سنة 1920 تعرف بإذاعة K.D.K.A)  ) وأول إذاعة عربية في الوطن العربي إذاعة محطة القاهرة عام 1934م . تطور الإعلام الإذاعي إلي مستويات مختلفة فأصبح هناك إعلام إذاعي محلي وإقليمي ودولي وظهور الاتحاد بين الإذاعات في شبكات إذاعية تغطي العالم وتخصص الإعلام الإذاعي في المواد التي يقدمها . ومع انطلاق التلفزيون وظهور أول محطة تلفزيونية في برلين عام 1935 كانت بمثابة ثورة إعلامية حقيقية في التطور الإعلامي على مستوى العالم لما للتلفزيون من خصائص تميزه عن الوسائل الإعلامية الأخرى في ظل وجود الصورة والصوت والحركة كما انه يعتبر من وسائل الاتصال الشخصي مع أن التلفزيون من وسائل الاتصال الجماهيري لما يقدمه من تخصص في الموضوع المتناول ونقل للمشاهد إلى مكان الحدث واعتبار ما يقدمه لكل من يشاهده من الجمهور ينقل له وحده ,ومع ما شهده التلفزيون من تطور في مجال النقل المباشر والتصوير والمونتاج والبث عبر الأقمار الصناعية ومتابعة الأحداث على مستوى العالم وتقديمه للأخبار الهامة على مدار الأربع وعشرون ساعة جعله الوسيلة الأكثر انتشارا في وسائل الإعلام والأكثر تأثيرا على الجمهور في الفترة السابقة , كما أن التخصص في برامج التلفزيون في بدايته كان يغطي احتياجات الجمهور في شتى المجالات لينتقل بعد ذلك إلي إعلام متخصص في المضمون بظهور الإعلام المتخصص المعروف بالإعلام الجاد بما تقدمه القنوات الإخبارية والإعلام  الترفيهي .


 


أما على المستوى العربي كان ظهور التلفزيون عام 1960 في سوريا ومصر له دور هام في النقلة النوعية التي حدثت على مستوى الوطن العربي . كما صاحب ظهور التلفزيون إنشاء الشبكات العالمية التي تقدم العديد من الخدمات الإعلامية حيث تتضمن الإذاعة والتلفزيون والخدمات المتخصصة التي منها شبكة الأخبار العالمية ( CNN ) وفي الوطن العربي شبكة مركز تلفزيون الشرق الأوسط . ومع التطور الهائل في التكنولوجيا ظهر الإعلام الالكتروني على شبكة الانترنت والإعلام الرقمي الذي يقدم خدمة إعلامية لم تكن متوفرة من قبل في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بما يعرف بالإعلام التفاعلي , حيث أن الجمهور الذي يتعامل مع الإعلام الالكتروني أصبح متلقي ومرسل للأحداث في آن واحد ليصبح الجمهور نفسه الإعلامي الجديد الذي يتناول الأحداث والقضايا التي تمس المجتمع المقيم فيه , والانفتاح على العالم ومعرفة كل ما يحدث حوله والمشاركة في نقله للآخرين . من هنا أصبح الإعلام في العصر الحديث غير مقتصر على العاملين في المجال الإعلامي ( الصحافة و الإذاعة و التلفزيون ) بل إن الإعلامي الجديد هو الجمهور نفسه , ففي المجتمع العربي نجد المشاركة في الإعلام الالكتروني له دور كبير لما حدث في المنطقة العربية من ثورات شعبية من خلال استخدام الجمهور لمواقع التواصل الاجتماعي مثل ( فيسبوك وتوتير وماي سبيس ) . فاليوم تبدلت اتجاهات الإعلام و شهدت تغيرات كثيرة فقد تمكن الانترنت والإعلام الرقمي والجوال من تجاوز وسائل الإعلام التقليدية المعروفة ( صحافة , إذاعة , تلفزيون ) من حيث المتابعة وسحب جمهور الوسائل التقليدية لصالح الوسائل الحديثة . فقد أظهرت الدراسات أن 44% من الجمهور يحصلون على الأخبار من الانترنت الأمر الذي فرض على وسائل الإعلام التقليدية إيجاد مكانا لها  من خلال إنشاء المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت . إلا أن الفرق بين وسائل الإعلام الحديثة ( الإعلام الالكتروني والرقمي والجوال ) ووسائل الإعلام التقليدي الذي لا يتيح للجمهور المشاركة كما في وسائل الإعلام الحديثة الذي يكون الجمهور هو نفسه القائم بالاتصال والمتلقي في آن واحد . كما تشير الإحصاءات أن حصة الانترنت اليوم من سكان الأرض نحو مليار ونصف المليار أي بما يوازي 23% من مجموع سكان الأرض . كما أن الأمر تعدي شبكة الانترنت الآن حيث أن هناك 3.3 مليار مستخدم للجوال أي ما يعادل نصف سكان الكرة الأرضية . وطبقا لمؤسسة ( انفورما ) البريطانية للأبحاث أن إيرادات الإعلانات على الهواتف النقالة حققت 12.1 مليار دولار على مستوى العالم حتى عام 2011 . كما أن هناك نظرة تشاؤم حول الصحف الورقية حملتها مقولة الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت في عام2000 م" أن الصحف الورقية ستموت وتنتهي بحلول عام2018 م" حيث يظهر الأمر جليا في الصحف الأمريكية باتجاه المعلنين في الاعتماد على الكمبيوتر والانترنت للوصول إلي اكبر شريحة من الجمهور . فقد تراجع التوزيع والإعلان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 إلي 3% وفي أوروبا تراجع معدل التوزيع 1.9% وفي السنوات الخمسة الماضية تراجع توزيع الصحف في أمريكا حوالي 8% , كما أن إيرادات وسائل الإعلام الرقمية والجوال في ارتفاع فمن المتوقع أن تقفز إلي حوالي 154 مليار دولار حتى العام 2012 طبقا لمؤسسة ( برايس ووترهاوس كوبرز ) . في حين أن إيرادات الصحافة تواصل النمو لتبلغ حوالي 133 مليار دولار خلال الفترة ذاتها .


 


من هنا أصبح العصر الذي نعيش الجمهور المتلقي للأخبار سابقا من الوسائل التقليدية (الصحف والإذاعة والتلفزيون ) هو الجمهور نفسه الذي يقدم الأخبار والأحداث عبر الانترنت والإعلام الرقمي والجوال وعليه أصبحت مهنة الإعلام بحاجة إلي أسس ومفاهيم جديدة لما توفره الوسائل الحديثة من مشاركة للإعلامي الجديد ( الجمهور المستهدف سابقا من قبل وسائل الإعلام التقليدية ) في متابعة ونقل الأخبار والأحداث وتلقيها في آن واحد . والدليل الواضح على دور الإعلامي الجديد إطلاق المحطات خدمات يشارك فيها الجمهور بما لديه من أخبار مثل خدمة مشاركة الجمهور في نقل الأحداث وتزويدها بالمعلومات فقد أضافت محطة ( ( CNN عام 2006 خدمة تسمح للأفراد تحميل الصور وعروض الفيديو إلي موقع خاص ثم يقوم المنتجين بتقديم ما هو مناسب على المحطة والمواقع التابعة لها , وجاءت هذه الخدمة بعد حدثين مهمين وهما فيضانات تسونامي عام2004 موتفجيرات لندن عام 2005 وأطلقت إل CNN)  ) على الخدمة اسم (I Report ) . وفي العالم العربي إطلاق العديد من القنوات خدمة مشاركة الجمهور في نقل الأحداث عبر مواقعها الالكترونية على شبكة الانترنت مثل قناة الجزيرة والعربية . إن المتتبع لتطور وسائل الإعلام يجد أن رغم وجود الوسائل الجديدة إلا أن الوسائل التقليدية لم تندثر رغم التراجع في شعبيتها وأن وجود الوسائل الحديثة لا يلغي الوسائل القديمة إلا انه لا بد من إعادة هيكلة الوسائل التقليدية بطريقة تضمن لها الاستمرار . كما يجب عدم تجاهل الإعلامي الجديد الذي يقدم الخدمة الإعلامية التي لم تتوفر من قبل بإعادة النظر في أسس ونظريات الإعلام التي كانت تقتصر على الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام التقليدية .


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت