هل تريد إسرائيل تدمير نفسها والمنطقة؟/غازي السعدي

بقلم: غازي السعدي

            في الوقت الذي يحذر فيه الرئيس الأميركي "باراك اوباما" بأن أي عملية عسكرية في الخليج ستكون لها تداعيات على أسعار النفط العالمية، موضحاً أنه لا يريد قيام إسرائيل بمهاجمة إيران، وأن إسرائيل لم تقرر بعد مهاجمة إيران لأنه يخشى مما ستسفر عنه أية ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، في ذات الوقت يقول بأن إسرائيل محقة في مخاوفها من البرنامج النووي الإيراني، وأن جميع الخيارات مطروحة، هذه الغمغمة في أقوال الرئيس الأميركي، وعدم تحديده موقفاً قاطعاً، ترجع إلى أنه في سنة انتخابات الرئاسة الأميركية، ولا يعرف ما يجب عمله من أجل عيون إسرائيل، وكيف ستكون ردود فعل الشعب الأميركي، إذا أدت هذه الحرب إلى ارتفاعات قياسية في أسعار النفط، وتأثير ذلك على الأميركيين انتخابياً، وفي الوقت الذي يحدد وزير دفاعه "ليون بانيتا" بأن إسرائيل ستقوم بمهاجمة إيران في نيسان أو أيار أو حزيران من هذا العام، والسؤال: هل توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى اتفاق أو تفاهمات حول متى ستشن إسرائيل حربها على إيران؟ علماً أن الجانب الأميركي يقول بأن هذا الهجوم إسرائيلي فقط، وإذا كانت أقوالهم صادقة، فلماذا هذا الحشد الأميركي العسكري الكبير في الخليج؟ ولماذا يزودون إسرائيل بأكثر الأسلحة تطوراً، وبالقنابل الخارقة للتحصينات.


 


            هناك ثلاث مسائل رئيسية تحتاج للبحث والتمحيص وهي:


-         أن الأسباب التي ستؤدي إلى اندلاع الحرب مع إيران ليس برنامجها النووي، بل تأثير هذا البرنامج على دول الخليج، وسوق السلاح الأميركي.


-         إيران ترى وتتابع جميع الاستعدادات الإسرائيلية لشن الحرب عليها، فهل ستقف مكتوفة الأيدي حتى تتعرض للهجوم؟ أم أنها ستبادر إلى هجوم استباقي على إسرائيل، مثلما ألمح آية الله خامنئي؟


-         هل أن إسرائيل مستعدة لحماية جبهتها الداخلية من الرد الإيراني المتمثل بإطلاق مئات الصواريخ طويلة المدى؟ وكيف ستحمي إسرائيل جبهتها الداخلية، من خلال تقديراتها بأن حزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي، في غزة، سيقومان بإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وعلى المواقع الإستراتيجية.


 


الحكومة الإسرائيلية متخوفة من ضرب إيران، وما زالت تدرس استعدادات الجبهة الداخلية، فالوزير "متان فلنائي" -المسؤول عن حماية الداخل- قال بأن الجاهزية تحسنت من الحالة المتدنية إلى الحالة المتوسطة، ويطالب الحكومة بزيادة الإنفاق على تحصين المناطق السكانية والبنى القومية، فالجبهة الداخلية ستجد صعوبة أمام زلزال عميق، أو حريق كبير، وإصابة مستودعات الاحتياجات الأساسية، كالوقود والغاز والسولار والمواد الغذائية وما شابه، إضافة إلى شلل اقتصادي، وحسب التقديرات العسكرية الإسرائيلية فإن هناك دقة لدى إيران وحزب الله- وقد تنضم سوريا- في إصابة الأهداف، ناهيك عن الخشية الإسرائيلية من إصابة محطات الطاقة، ومصافي النفط، ومحطات الكهرباء، التي تشكل أهدافاً مؤكدة لإيران في حالة نشوب الحرب.


 


صحيفة نيويورك تايمز، وفقاً لجريدة "يديعوت احرونوت 5-2-2012"، حذرت إسرائيل من الأبعاد الشديدة، لأي هجوم تشنه على إيران، ودعت زعماء إسرائيل، لدراسة التداعيات الصعبة قبل اتخاذها قرار الحرب، لأن نتيجة الهجوم كارثية، والانعكاسات ستكون خطيرة، وبالطبع لن يُقضى تماماً على البرنامج النووي الإيراني، لكنه- حسب الجريدة- سيوحد الإيرانيين حول حكومتهم، ويؤدي إلى انهيار الائتلاف الدولي المؤيد للعقوبات على إيران، ويُعطي العذر لإيران للتنصل من معاهدة حظر الانتشار النووي وبالتالي استكمال برنامجها النووي مما سيسهم في غضب المجتمع الدولي على إسرائيل.


 


من الملاحظ أن هناك تناقضات في تصريحات ومواقف الزعامة والمسؤولين الإسرائيليين، بشأن شن الحرب على إيران، فرئيس المكتب السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية اللواء احتياط "عاموس يادلين"، قال بتاريخ 26-1-2012، أن إيران عبرت نقطة اللاعودة في تطويرها للسلاح النووي، وأن العقوبات المفروضة عليها لن تدفعها حتى هذه الساعة إلى  إيقاف أو تأجيل برنامجها، لكن اللواء "يائير كوخافي"- رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية- رسم صورة مقلقة جداً لإسرائيل من تهديد الصواريخ التي ستنهال على إسرائيل، موضحاً أنه لا يوجد نقطة في إسرائيل إلا ومهددة بصواريخ "العدو"، والجيش الإسرائيلي يتوقع - في أي حرب مستقبلية- سقوط عشرة آلاف صاروخ على إسرائيل، وهناك مائتي ألف صاروخ موجهة إلى إسرائيل، ومثل هذا الحجم من الصواريخ لا يتوفر لدى 90% من دول العالم.


 


 من جانبه قدم قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال "عيدو نحوشتان" عرضاً تشاؤمياً-حسب مجلة "دفاع إسرائيل"- أوضح فيه أن سلاح الجو الإسرائيلي سيواجه منظومات دفاع جوية متطورة لدى "العدو"، تمثل تحدياً حرجاً، كما أن قائد سلاح الجو الجديد اللواء "امير ايشل" -الذي سيخلف "نحوشتان" قريباً- هو من معارضي الهجوم على إيران، فالقلق يساور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عموماً، وسلاح الجو الإسرائيلي تحديداً من موضوع الحرب.


 


رئيس الموساد السابق "مائير دغان"، ما زال مستمراً في تحذيره من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، مشدداً أن الجبهة الداخلية الإسرائيلي، ليست مستعدة لمواجهة هجوم صاروخي عليها، ورئيس هيئة الأركان السابق الجنرال "أمنون شاحك"، متحفظ إلى جانب "داغان"، ورئيس هيئة الأركان السابق "غابي اشكنازي" وغيرهم، الذين يحذرون من آثار ونتائج الحرب، وطبيعة رد إيران وحلفائها، ومع أن بعض أقطاب الحكم الذين كانوا يعارضون الضربة، أخذوا يتقبلونها، لكن هناك معارضة داخل الحكومة لتوجيه الضربة العسكرية، غير أن "نتنياهو" و"ايهود باراك" هما اللذان يقودان توجيه الضربة، فالأول يعتبر أن المهمة الأساسية لإسرائيل هي زيادة قوتها العسكرية التي تعتبر الضمانة الوحيدة لأمن إسرائيل، بينما يعتبر "باراك" أن هناك تفهماً عالمياً لشن عملية عسكرية على إيران، مؤكداً أنه لم يعد من الممكن الانتظار طويلاً، فالوقت المتأخر قد يصبح متأخراً جداً، وهكذا تقود إسرائيل نفسها إلى الانتحار، والمنطقة إلى الدمار، ولو كانت إسرائيل تبحث عن مستقبل شعبها ومستقبل شعوب المنطقة، لقبلت بشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، بما فيها ترسانتها النووية، إضافة إلى البرنامج النووي الإيراني، وهذه أقصر الطرق وأفضلها.


التاريخ : 15/2/2012


المقال الأسبوعي


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت