حال الناس في قطاع غزة يتحدث عن ذاته، وطغت أزمة تفاقم انقطاع التيار الكهربائي والنقص في إمدادات الوقود على كل القضايا بما فيها اتفاق المصالحة في الدوحة، وخلافات حركة حماس الداخلية حوله، وغياب التضامن الحقيقي مع الأسير خضر عدنان في إضرابه الأسطوري.
فقد تعرض قطاع غزة منذ بداية الشهر الجاري إلى سلسلة غارات جوية إسرائيلية استهدفت عدد من منازل المواطنين، ومواقع لفصائل المقاومة واستشهد مسن فلسطيني وأصيب عدد من المواطنين بجراح، ومر كل ذلك مرور الكرام، ولم يلتفت له الناس، ولا إلى استشهاد 114 مواطناً فلسطينياً في القطاع، وتدمير مئات المنازل والمحلات والمنشئات الصناعية جراء العدوان الإسرائيلي المستمر خلال العام الماضي.
الناس انشغلوا بهمومهم الداخلية من فرض الرسوم الضريبية الجديدة الباهظة التي فرضتها حكومة حماس على عدد من البضائع التي تعتبرها كماليات ودعما للمنتج الوطني كما تدعي، إلى تفاقم أزمة الوقود وغيرها من القضايا الداخلية الأخرى، ولم يعيروا أي اهتمام لأي قضية وطنية، والحكومة أشغلت نفسها وشاغلت الناس العام الماضي بفرض ضرائب ورسوم “باهظة” فوصفوها بأنها “سلطة جباية” أكثر منها حكومة تعمل على تقديم خدمات للمواطنين وتحفظ أمنهم.
الحكومة فوجئت بتفاقم أزمة نقص الوقود وتوقف محطة توليد الكهرباء عن العمل، بعد ان اعتقدت أن أزمة الوقود المهرب سوف يحل الأزمة بعد أن أوقفت شراء السولار الصناعي من إسرائيل، واعتمدت على السولار المصري المهرب وتطمينات سلطة الطاقة التابعة لها أن الأزمة إنتهت، ولم تعلم أن هناك أزمة تتفاقم منذ 25 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وأن هناك صعوبات في دخول السولار عبر مصر، وأن مخزون سلطة الطاقة ينفذ.
ولم تقوم الأخيرة بالتحرك ووضع الناس في حقيقة الأزمة بشفافية، ولم تخاطب المؤسسات الدولية قبل حدوثها، ولم تعمل على حلها، وهي بذلك تكون ربما بقصد أو بدون قصد قد أعفت دولة الاحتلال والمجتمع الدولي من مسؤولياتهما جراء الحصار المفروض على القطاع، وهذا ما أكده نواب حركة حماس في المجلس التشريعي خلال مساءلتهم لرئيس سلطة الطاقة.
وفي الوقت الذي يشكو “الغزيون” من تراجع مستوى الدخل وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والارتفاع الفاحش في الأسعار، فضلاً عن المشاكل الأخرى المتمثلة برداءة خدمات الكهرباء، والمياه، وسوء خدمات الاتصالات الخليوية والإنترنت.
فهي تشرع القوانين وتصدر القرارات وتفرض وتجبي الضرائب والرسوم من الناس، الذين يقومون بدفع جميع التزاماتهم من رسوم ويؤدون واجباتهم من دون الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم في العيش بحرية وكرامة.
الغزيون تخلوا عن أحلامهم حتى البسيطة، واستسلموا لواقعهم وغير مستعدين لتغيير واقعهم السيئ، وأصبحت احتجاجاتهم صامتة، وتكيفوا مع واقعهم الصعب منذ فرض الحصار قبل خمس سنوات، وتنازلوا عن كثير من حقوقهم.
إلا ان ذلك لن يستمر طويلاً، فهم أصبحوا مثل طنجرة ضغط على وشك الانفجار في كل لحظة كما وصف الوضع فيها الصديق فتحي صباح في تقرير له بتاريخ 15/2/2012، لصحيفة الحياة، فأزمة الكهرباء ليست الوحيدة من بين الأزمات التي يعاني منها الناس، بل هناك مئات الأزمات بحاجة إلى حل، لكن الحكومة لا يعنيها.
الحصار مفروض على كل الناس، والحكومة في غزة هي من يحكم في القطاع وعليها تحمل مسؤوليتها، وليس مطالبتهم بالصبر والصمود والثبات وتحمل ضريبة العزة والكرامة من دون الاهتمام بحل مشكلاتهم، ودعم صمودهم ووقف ما يتعرضون لهم من معاناة وعذابات يومية، وليس بفرض مزيد الرسوم والضرائب، وإتباع سياسات تعمق أزمات الناس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت