مصر ... مصر تحيا مصر!/سعيد المسحال

الحديث عن مصر ذو شجون فمصر نحبها لأسباب كثيرة منها أن معظمنا نحن المثقفين العرب قد تعلمنا جامعيا ً على أرضها وتكونت لنا صداقات على أرضها، ومنها أن الأمل يتمحور حولها دائما ً لرفعه العرب, ومنها أن 99% ممن يعيشون على أرضها هم من أهلها عكس باقي الدول العربية التي بعضها ما لا يزيد عن 20% من ساكنيها هم من أهلها!!


ومنها أنها أكبر الدول العربية وموقعها هو أهم المواقع، ومنها أن منها القامات الطويلة الثقافية والعلمية العربية، ومنها أن من مركز الحكم فيها قامت قيادات بتحرير المنطقة العربية من أعداءها، سواءً أيام صلاح الدين والمماليك ضد الصليبين والمغول، أو محمد على باشا وإبراهيم باشا لتحرير المنطقة من الاضطهاد التركي ولقيام الدولة العربية الكبرى، ومنها الدعوة القومية الأهم في عصرنا الحديث ممثلة بثورة 1952 وبجمال عبدالناصر، ومنها... ومنها... والآن فإننا دائما ً ننظر نحو توجهات الحكام في مصر لنعرف هل نحن في حقل الأمل أم في حقل اليأس أم في حقل ثالث هو حقل الحيرة والخوف والتربص؟! وأقول بصراحة أننا الآن نحن ومصر في حقل التربص!


ومن تحت أشجار ذلك الحقل ترنو أنظارنا إلى ما يحدث على أرض مصر من صراع ٍ وتخبُّط ويحضرني قول حافظ إبراهيم (شاعر النيل) في قصيدته المشهورة "مصر تتحدث عن نفسها"















 



       أنا إن قدر الإله مماتي



لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي!



 




ثورة مصر أشبهها "بالدُمَّل الصيني"! ورم حميد ولكن ليس له رأس... لها أسباب وجيهة وموضوعية جداً حيث أن الحكم الذي ثارت عليه كان فاسدا ً بامتياز وغير وطني ومن ثم فإن اندثاره كان حتميا ًلأن وجوده كان ضد إرادة الشعب وضد مسيرة التاريخ, ولكن تلك الثورة لم يكن لها رأس ولا مبادئ واضحة ولا أهداف ثابتة ولم تكن موحدة على الإطلاق فماذا حدث منذ 25/1/2011, وحتى الآن ؟!


1.  تبين أن المندسين في الثورة أصبح يفوق أعداد الثوار!


2.  انتهزت الحركات الإسلامية هذا الوضع الهلامي فكرست مكتسباتها على مستوى الشارع وفي البرلمان (مجلس الشعب)؟!. 


3.  باقي الثوار ظلوا في الشارع فاغري أفواههم تكاد الدهشة مما حدث تخنقهم فبدأوا (وهم الآن يقومون) بأعمال لا تمت إلى القيم الثورية الحرة بصلة!! كالدعوة للعصيان وقطع الطرق والإخلال بالأمن وبالاقتصاد. 


وفي المقابل نجد أن المجلس العسكري وحكوماته يتحركون كمن يرقص البالية خطوات للأمام... خطوات للخلف... خطوات نحو اليمين وخطوات نحو الشمال... تقدمات وتراجعات وترنحات أوغرت صدور الوطنيين وأغرت صدور العملاء والمنافقين وتركت فجوات لمن سموهم "الفلول" أو للعملاء نزلاء ليمان طرة! وهكذا أختلط الحابل بالنابل والتبست الأمور!. 


والبرلمان بدا وكأنه "حَضْره"! والعسكريون بدوا وكأنهم بلا "قدره"! وظهر الجنزوري ووزرائه وكأنهم فاقدي "الخبرة" تتقاسمهم الخشية والحيرة!


وكذلك نرى ارتباك شباب الثورة وزيادة تفسخهم وانبهار الإخوان والجماعات السلفية بما أنجزوا حتى الآن كالثعلب الذي اصطاد ثورا ً ضخما ً يدور حوله ولا يدري من أين يبدأ بالأكل والنهش متوجسا ً هل الثور فعلا ً فارق الحياة أم أنه إذا بدأ في نهشه سيثور ويرفسه رفسة ً تودي به.


 والمندسون وهواة "الريموت كونترول" من أمريكا والخليج ومن إسرائيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا يتحسسون طريقهم ويتجسسون بعملائهم ويحاولون إعادة الأمور بالنسبة لأغراضهم إلى ما كانت عليه عبر التوليفة الجديدة وخلطة الكوكتيل الحالية! ونجاحهم يبدوا واقعيا ً إذا ما تآلفوا مع الأكثرية البرلمانية، ومع المرشحين المحتملين للرئاسة!!


ومن زاوية أخرى نرى الإعلاميين في مجملهم والرياضيين والمجتمع الكروي الذي أصبحنا نسميهم "الألتراس" ولمن لا يعرف معنى هذه الكلمة نقول لهم أن "ألترا Ultra" تعني فوق المعقول أو فوق المسموح به يعني أن "الألتراس" هم المتهورون اللامعقولين واللاعقلانيين! ومن ثم دعونا نسأل المسئولين عن الكرة واللاعبين هل تروق لكم هذه التسمية؟!! وهل أنتم فعلا ً لا معقولين؟!


المهم أن هذا المجتمع الكروي تحول إلى إحدى نقاط الضعف التي سمحت بتسلل المندسين لإشعال الفتن وتفتيت الشعب وإشغاله بقضايا جانبية وإضعاف لحمته الوطنية والاجتماعية.


وهكذا فالرياضيون بدوا وكأنهم مجتمع أناني قائم بذاته وغير مهتم بما يحدث على ساحة الوطن أو بما قد يحدث، وفاجعة بور سعيد أظهرت ذلك بوضوح ولاحظنا "مجتمع النادي الأهلي" مضافا ً إليهم "مجتمع نادي الزمالك" يقفان ضد "مجتمع بور سعيد" هل هناك جهل فوق هذا الجهل؟! يا عيب الشوم !!.


 ورأينا الإعلاميين أو أكثريتهم يتاجرون بالثورة وبرجال الثورة وبالوطن في سبيل رفع أجورهم وزيادة المشاهدين لبرامجهم التحريضية التهييجية وخدمة مصالح فضائياتهم المشبوهة هي والقائمين عليها ومموليها ومقدمي برامجها. 


سنة كاملة وأكثر مضت وأنا أراقب صباح مساء, معظم الفضائيات المصرية و خرجت بالاستنتاجات التالية:


1.  إذا كان ضيوف تلك الفضائيات هم خلاصة المثقفين والسياسيين والوطنيين والاقتصاديين فبئست تلك الخلاصة. 


2.  إن كل من سموا أنفسهم المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية قد أثبتوا أنهم غير محتملين مطلقاً وليسوا أهلا ًلأن يدخلوا منطقة الاحتمال!! ولا يمكن أن نحتمل هذا القدر من الجهل والاسترخاء للمستعمر والتذاكي على الشعب فننصبه مرشحا ً لرئاسة "مصر" أو حتى لرئاسة أي شيء. 


3.  أصحاب البرامج الدينية أفادونا جدا ًجدا ً فقد أصبحنا والشكر لبرامجهم نعرف كيف نتوضأ وكيف نمسح على "الخفيَّن" في القرن الواحد والعشرين!!. 


كل ما تقدم هو من جملة الأدلة التي نسوقها على جرائم عصر مبارك الذي أودى بالسياسة وبالإعلام وبالاقتصاد وبالتعليم وبالثقافة وبكل شيء قد يسهم في الحفاظ على الوطن وعلى الشعب وعلى كرامة الوطن وكرامة الشعب. 


ومع ذلك... ولما كان العفو عند المقدرة من أخلاق العروبة والإسلام فإن مقترحات وتوجهات العزل والإقصاء قد تؤدي إلى كوارث لانعرف مداها، وبعكس ذلك فإن سياسة الاحتواء وإعادة التأهيل الفكري والوطني والأخلاقي هي السياسة المطلوبة والمحمودة العواقب. 


ونحن نسأل المنادين بالعزل والتطهير... إذا نحن طردنا من مؤسسات الدولة كل أفراد الطبقة التي تسمونها فلول مبارك فإن ذلك سيعني حرمان مئات الآلاف من العائلات المصرية من مصدر عيشها وإخراج مئات الآلاف ليشكلوا طبقة جديدة معادية وخطيرة ومعرضة بالتأكيد لأن تصبح في منطقة النفوذ الخارجي وعملاءه. 


إن الأخلاق والإسلام والمصلحة العليا للشعب والوطن والأمة تحتمان ضرورة احتواء هؤلاء وإعادة تأهيلهم على أساس أنهم ضحايا مفاهيم وتربيات عصر بائد، المروءة والكرامة والدين والأخلاق القويمة ستحتم ذلك















       وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت



 



 



فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا




إن الوضع الحالي بكل نواحيه ومناحيه لا يليق بمصر ولا بحضارة مصر ولا بمستقبل مصر... مصر التي يجب على شعبها أن ينهض بها سياسيا ً واجتماعياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً, وينهض بقوتها العسكرية وبمكانتها كقائدة للعرب كل العرب، وللأفارقة معظم الأفارقة، ولتكن واحة للتسامح الديني وللالتقاء الفكري بين المسيحية المنفتحة الحديثة، وبين الإسلام المنفتح الحديث البعيد عن الابتزاز والتعصب الأعمى والاستغلال السياسي البغيض، هذه هي الثورة وهذه يجب أن تكون أهدافها ومبادئها وبُعدها عن الرضوخ أو التحالف مع المعسكر الغربي/ الأمريكي/ الصهيوني /الخليجي! كما نراه الآن بادياً من التحاقه بما يرسمون من سياسات وبما يقومون به من أعمال التفتيت والإضعاف للأمة العربية بكاملها، وهذا لا يليق إطلاقاً بمصر وغير مقبول نهائياً وتحت كل الظروف.


إن مصر يجب أن تكون الأم والأب لكل الأمة العربية الحرة، وهي ولية أمر تصحيح المسار نحو الوحدة وتصحيح المسار بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي قضية العرب كل العرب شاءوا أو لم يشاءوا، عين مصر يجب أن لا تغفوا ولا تنظر في الاتجاه الخاطئ أبداً.   


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت