ماذا لو لم يكن الأسير"خضر عدنان " فلسطينياً.. ؟؟! / آمال أبو خديجة

بقلم: آمال أبو خديجة

لقد اعتدنا أن نرى هبة دولية كبرى لمناصرة حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بحياة إنسان خارج المنظومة العربية وبالتحديد الفلسطينية، فلو تعرض مواطن أجنبي من أي دولة أجنبية لأي عدوان على حقوقه من قبل من يوضع تحت منظومة الإرهاب أو أعداء السامية والغرب، فسوف يتدخل رؤساء دول العالم أجمع لأجل العمل على تحريره وتهديد واتهام من قام بالاعتداء عليه أنه مناهض لحقوق الإنسان وكرامته ولا يعرف للإنسانية أي معنى ولا ضمير، رغم أنه من المؤكد أن هذا الأجنبي سيكون إما جندياً محارباً في أرض من أراضي منطقة الشرق الأوسط العربي وليس له أي حق بالوجود عليه وإنما جاء ليؤدي دور القتل لأطفال ونساء هذا البلد أو ذاك، أو يكون جاسوساً دخل بين الصفوف العربية تحت إدعاء الصحافة والإعلام، وسنجد أن المحطات الإعلامية العالمية تتناول الخبر بصورة دائمة وموسعة وترفعه لأعلى المستويات وسيحشد التضامن الإنساني على نطاقه من أفراد ومؤسسات حقوق إنسان التي ستكون جريئة النبرة وعالية الصوت للمطالبة والحث القوي والداعم على تحرير ذلك الأجنبي خارج المنظومة العربية، ولعلها تُحشد الحشود وتفرض الحصار وتعمل المناورات العسكرية للتمهيد للاحتلال والتدمير لتلك البلاد من أجل المطالبة بحق إنسان واحد واسترداد حريته .


ولو كان ذلك الإنسان المختطف إسرائيلياً وبالذات جندياً داخل حدود الأرض الفلسطينية التي لا يجوز له حسب قوانين الأمم المتحدة والاتفاقيات الموقعة أن يدخلها ويُحرم عليه ذلك، بل دخلها ليقوم بهدم بيت أو تدمير مبنى أو قطع أشجار أو سلب أرض، أو حرق وتدنيس مسجداً أو اعتقال مواطن فلسطيني، أو اختراق حرمات البيوت والعبث بها وبث الرعب في قلوب أهلها أو قتل أطفال صغار، فلو خطف ذلك الإسرائيلي من وسط الأرض الفلسطينية الذي يُثقل ظهره بأدوات الحرب وعدتها، فمنذ اللحظة الأولى للإعلان عن  اختفائه ستقوم الدنيا ولا تقعد فوق رأس الشعب الفلسطيني، وسيتحرك إعلام العالم على مستوياته المختلفة، وستناشد منظمات حقوق الإنسان كلها وسيتدخل أعظم الرؤساء وأصغرهم لأجل تحرير ذلك الإنسان والإفراج عنه وإعادته لأحضانه أسرته، وسيظهر الإعلام مدى براءته ووحشية ذلك الفلسطيني الذي فقد الإنسانية ومعنى كرامة الإنسان ليظهر الإسرائيلي بصورة الضحية البريئة الذي يقع العدوان والقهر والسلب لحريته وكرامته  دون ظلم ولا جور أما الفلسطيني فهو الإنسان الإرهابي الذي يعشق القتل والدم والموت لهم .


 


فلو كان من يعاني الأسر والحرمان من الحرية وإحساس الكرامة والحياة الشريفة ذاك الإسرائيلي لتحركت المدفعيات والطائرات والجيوش، ولأمطرت السماء قذائف النيران لتدمر كل أخضر ويابس يملكه ذاك الفلسطيني، وستُحرق الأرض من تحت قدميه كي لا يجد ملاذا للحياة، وستُوضع أشد العقوبات من منع للغذاء والدواء وحرية الحركة، وستنغص الحياة كلها من صغيرها لكبيرها وكل ذلك ثمناً لاسترداد أسيرهم الذي كان يتربص بأطفال فلسطين  .


 


فقدر " خضر عدنان " أنه لا يحمل إلا جنسيته الفلسطينية التي يعتز بها ولا يملك سلاحاً يدافع عن كرامته وحقه بالوجود إلا أمعاءه التي ترفض الطعام لأنها لا تستطيبه ولا تستلذ بلونه ولا شكله ما دام القيد يسكن حركته ويسلب كرامته ويمنع النور للدخول إليه .لقد صرخ " خضر عدنان " بصوت الجوع وألمه لكنه الصوت القوي الممتلئ عزة وكرامة ليرفع بها قضية الأسرى جميعاً ويُسمع ضمائر العالم أنات أجسادهم وأرواحهم المتألمة لفقدانها حق الحرية والحياة الكريمة، صمد شموخاً يعلن لسجانه أنه لن يستسلم لقيده وأنه أقوى من ذلك القيد الذي ستفكه التواء أمعائه، وسيكون الموت أشد حلاوة من عيشه بمرارة القهر والذل في غرف السجن المعتمة .


 


تمر أيام الأسير " خضر عدنان " بالجوع لتصل ليومها الخامس والستين ليزداد تعب الجسد وهزاله وارتفاع أمل الروح وإيمانها، وانتظار علو صرخة التضامن لضمائر عرفت قيمة الإنسان وحريته لكن من استجاب لاستغاثته حتى الآن ضمائر ليست على مستويات عالمية ولا منظمات دولية، لقد غاب ذاك الصوت التضامني عن ساحة النضال الفلسطيني الذي كان بالأمس عالياً في مطالبه وتهديداته لأجل أصحاب الجنسيات الأجنبية و الإسرائيلية ليخرس أمام صوت الألم لفلسطيني ومعاناته التي كادت أن تصل به للموت وخسارة الحياة .


 


يخرس العالم ومنظماته الإنسانية أمام قضية فلسطين وما فيها من ألم وعدوان على حقوق الإنسان من قبل المحتل الإسرائيلي، فلا صوت يصرخ بقوة الحق إلا بعض أصوات خافته تتحدث بهمسها على خوف وحسبان للكيان المحتل أو لحرصه بعدم الوقوع في الغضب الأمريكي ، وأمام قضية فلسطين تغيب كل الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية سواء التي نادت باحترام الحقوق والحريات أو نادت بحق الشعب الفلسطيني باسترداد أرضه وإقامة دولته المستقلة عليها وإلزام الكيان الإسرائيلي للانسحاب منها .


 


فهل الفلسطيني خارج المنظومة الدولية الإنسانية التي تعطي الحق للإنسان ليستحق الحياة والاستمتاع بالحرية والكرامة والتنعم باستقلال أرضه ووطنه واستحق أن يبقى وحيدا يناضل لأجل وجوده ، فإن كان أسيرا وبدأ معركته للحرية بأمعائه الخاوية فلن تسمع منظمات وهيئات حقوق الإنسان ولا رؤساء العالم المتحضر صوت ألمه ونداء استغاثته ومطالبه المشروعة لتترك جسده يتهاوى بطيئا للموت، وإن كان مسلوباً لأرضه أو بيته أو متجره أو أي حق من حقوقه فلن تسمع ضمائر العالم صوته لتدفع عنه العدوان وترد حقه وحريته، وإن كان تحت الحصار والجوع فلن تمد يد الاستغاثة الدولية  لتقديم النجاة واسترداد الحياة لأجله ورفع حصاره، وإن كان فلاحاً يدافع عن شجرة زيتونه وحرث أرضه فلن تتراكض أقدام العالم لتثبته لتزرع له جذوره، وإن كانت مقدساته في القدس وبقاع فلسطين تُدنس بأيدي المستوطنين الغاصبين يسرقون منها معالمها التاريخية ومعانيها المقدسة لتُصبغ بالصهيونية " التلمودية " لن يحرك العالم ساكناً بل سيقف إلى جوار ذاك المحتل ليحقق له وجوده ويدعم له حركته وامتداده .


 


و يبقى الصوت الفلسطيني أينما كان يصرخ دون صدى لمنظمات دولية وإنسانية وضمائر عالمية تَرد له حقاً من حقوقه ولا تحمل هماً من همومه ولا تقدم كلمة حق تنتصر بها لضمائر الإنسانية  .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت