هل تصلح الديمقراطية ما أفسده الانقسام؟/د. عبد القادر إبراهيم حماد

 


كنت واحدا من آلاف الفلسطينيين من مختلف الأعمار الذين امتلأت بهم ساحة الجندي المجهول في مدينة غزة في الذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة الجبهة التي أحيتها بهذا المشاركة الجماهيرية تعبيرا عن رفض الشعب الفلسطيني للانقسام والمحاصصة.


 


واستمعت إلى الخطاب الذي ألقاه الصديق صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة والذي شدد فيه على أن الانقسام هو طريق الضياع والفشل، أما الوحدة في إطار م. ت. ف. فهي طريق النصر والحرية والعودة والدولة بعاصمتها القدس المحررة.


 


وكان صالح زيدان جريئاً في طرحه للقضايا المتعلقة  بشعبنا وقضاياه المختلفة حيث رفع صوته بالقول: " كفي للانتظار وتعليق الأوهام الخاطئة على تطورات الأوضاع العربية والإقليمية والدولية. فخمس سنوات من الرهانات العقيمة على ضفتي الانقسام، حولت حياة شعبنا في غزة إلى جحيم لا يطاق، وأضعفت حقوقنا. خمس سنوات عجاف كانت ضحيتها الأولى المقاومة، ولم يربح فيها سوى الاحتلال والاستيطان".


 


واستعرض صالح زيدان العديد من القضايا بكل صراحة حيث نبه الى أن الأزمات تتكرر وتتراكم في غزة ويجري عملية إدارتها بدل حلها، من البطالة والفقر إلى تردي الخدمات الصحية والمعضلات التربوية ونقص مواد البناء إلى مشكلة الكهرباء والغلاء الفاحش وارتفاع الضرائب واستمرار تقييد الحريات الديمقراطية وانتهاكها، كما أكد على حق الشعب الفلسطيني في غزة أن يتظاهر ويعتصم ويحتج ويطالب بحل أزمة الكهرباء وغيرها من الأزمات، لا أن يستخدم الاعتقال المرفوض والقمع المدان كما حصل لمسيرة النصيرات يوم الأحد الماضي  واعتقال بعض قياديي الجبهة الديمقراطية، بسبب المطالبة بحق الشعب بالكهرباء خاصة في ظل أسوأ موجة برد قارس يتعرض لها القطاع.


 


كان هذا غيض من فيض مما قاله الصديق صالح زيدان والذي لخص فيه بوضوح المواقف الثابتة للجبهة الديمقراطية، حيث رفع صوته بالنقد البناء دون مواربة أو خوف، ففي الوقت الذي منعت فيه الاعتصامات المنددة بانقطاع الكهرباء في غزة، سمح لثلة من الأفراد بالتظاهر استنكاراً لما يجري هنا أو هناك في وطننا العربي الكبير.


 


يبدو أن حالة الشرذمة والانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني في جناحي الوطن الواحد أفرزت حالة من الخوف لدى البعض والرغبة في السيطرة تحقيقا لمكاسب حزبية أو حتى شخصية، مما ساهم في استمرار هذه الحالة من الانقسام غير المسبوق في تاريخ النضال الفلسطيني. ومن هنا يأتي أهمية الخطاب الذي ألقاه صالح زيدان، والذي حطم فيه الكثير من المحاذير التي همشت شريحة كبيرة من المواطنين. فمشاركة الآلاف في مسيرة التأكيد على رفض الانقسام تعبر عن حالة اليأس والإحباط التي أصابت المواطنين خاصة في قطاع غزة.


 


وحتى لا نذهب بعيداً يبدو أنه من السهل التأكيد على أن الديمقراطية بمفردها لن تستطيع إصلاح ما أفسده الانقسام، إلا أن هذه الجماهير العريضة قادرة على الصمود في مواجهة سياسة الاحتلال، وبالتأكيد هي قادرة على المضي لإنهاء الانقسام رغم المحاذير.


 د. عبد القادر إبراهيم حماد


كاتب وأكاديمي فلسطيني


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت