أن تقبل بأن يكون مصيرك بيد عدوك فهذا قمة الغباء والانحدار والاستسلام وقمة الخنوع والقبول بأحط أصناف الذل ، وأن تتعايش مع هذا الواقع وتقبل به بل وتعلن عنه فهذا آخر مطاف الانهيار وتجاوز للقاع ، وأن تربط مستقبل شعبك وقضيتك بمدى قبول وقناعة عدوك فهذا يعني لا مستقبل لقضيتك أو لشعبك ، وأن تراهن في نضالك على إنسانية عدوك وتفهمه لظروفك فهذا قمة البله والجنون ، لذلك يصاب الكثيرين بالصدمة النفسية الصعبة عندما يركز في تصريحات بعض القادة والمسئولين السياسيين عندما يتحدثون عن كيفية تجاوز مربع الانقسام الأسود الذي يضرب بجذوره بين أبناء الشعب الفلسطيني ويسبب لهم المزيد من الكوارث والمشاكل اليومية المتعددة ، والمصيبة أن يصل قناعة البعض ويطالب بضمانات غير عربية لضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ، وهذا يعني أننا استبدلنا ثقتنا بأنفسنا بالثقة مع غيرنا ، وكأن غيرنا – الغير عربي – أحرص على قضيتنا وعلى مستقبل شعبنا من بعضنا البعض ، بالرغم أن سبب عدم ثقتنا في بعضنا البعض هو الاتهامات المتبادلة فيما بيننا بإجراء كل طرف اتصالات وعلاقات مع هذا الغير ، هل هناك هزيمة ذاتية أكبر من هذه الهزيمة التي نمر بها ويقودنا إليها قادتنا بكل تعمد وإصرار ؟
أن نقوم بربط مصالحنا بمصالح عدونا هذا في الحقيقة انتحار سياسي كبير ، وأن نتوقع تحقيق أهدافنا بمجرد إثبات حسن نوايانا لأعدائنا فهذا هراء ، وأن نعمل على قناعة عدونا بأن مصالحه ستتحقق إذا حققنا مصالحنا فهذا سخف وسوء تقدير ، ولكن لابد أن نعمل على أن يعرف عدونا ويقتنع أن مصالحه لن تتحقق على أرض الواقع بدون توقفه طويلا أمام مصالحنا وأن عدونا لن يتمكن من تجاوز حقوقنا حتى وإن أراد ذلك ، وهذا يتحقق من منطلق أن الحقوق تنتزع ولا تعطى ، فلا يوجد على وجه الأرض عدو جيد وعدو سيء لأن العدو مهما تجمل سيبقى عدوا ولن يكون صديقا أبدا ، ومن هنا لابد أن نحدد خطواتنا بوضوح ولا يجب أن يكون أي رابط بين آليات تنفيذ خطواتنا مع قناعة ورضى خصمنا .
وعند الحديث عن خطوات تحقيق المصالحة الداخلية التي تم التوافق حولها في القاهرة والدوحة كان يجب المضي قدما دوت الالتفات الى الوراء والبدء الفوري في تنفيذ ما تم التوافق حوله ، وفرض حقائق على الأرض وليس التوقف لأخذ استشارة عدونا أو الانتظار حتى يتفهم مواقفنا أو الخشية من ردة فعله ، كل ذلك يجب تجاوزه بشكل طبيعي لأن هذا هو المنطق الطبيعي للأمور ، ولكن العجب العجاب أن نتفق على ضرورة تشكيل حكومة من الكفاءات الفلسطينية بأهداف محددة ثم نمضي الشهور ونحن نتفاوض على شخص رئيس الوزراء وعندما اتفقنا عليه نربط تحقيق ذلك بالاتفاق على موعد إجراء الانتخابات وحتى ننجح في تحقيق ذلك يربطها البعض بالحصول على ضمانات لإجرائها في وقتها ، وهذه القضية يتحكم فيها عدونا بحكم احتلاله لأرضنا وتحكمه في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا ، والنتيجة المؤلمة بعد كل تلك الجهود المضنية والخيبات المتتالية نصل بكل جرأة لنضع نتيجة مستقبلنا ومستقبل قضيتنا أمام قرار عدونا ، فهل هذا من المنطق في سيء ؟ أليس الأصل أن نلتف حول كل قضية نتوافق حولها ونصنع منها قضية نناضل جميعا من أجل تحقيقها وأن نعترف أن مواجهتنا مع هذا الاحتلال هي عملية تسجيل نقاط عليه في كل محفل من المحافل السياسية ، بالضبط كما حققنا نقطة الذهاب الى الأمم المتحدة وكما حققنا نصرا في الحصول على عضوية اليونسكو ، يجب أن نخوض معاركنا بشكل متواصل دون ربط قضية بأخرى ، لأن الإنجاز الأهم في توافقاتنا الداخلية هو الاتفاق الجماعي على خوض المقاومة الشعبية وهذه المقاومة لا حدود لها ولا زمان يحدها ولكنها تحتاج الى الإبداع المتواصل والتقدم دون تردد ، لنسجل ونراكم نقاط النصر حتى تحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافنا ، ولكن المصيبة أن ننتظر موافقة عدونا أو نستأذنه في خوض معاركنا السلمية الشعبية .
هل يمكن أن نعتقد أن حكومة الكيان الإسرائيلي قد تساعدنا على إنهاء حالة الانقسام وتشجعنا لاستعادة وحدتنا الوطنية ؟ هي إن فعلت ذلك سيكون هناك خللا ما يجب اكتشافه أو البحث فيما وراء كل موقف لعدونا لأنه باختصار لا يريد الخير لشعبنا أبدا ، ولكن عدونا يعمل للاستفادة من كل متغير يعصف بنا وبمنطقتنا ، فإذا وجد أننا ماضون في تحقيق المصالحة ومستعدون للدفاع عنها بكل السبل قد يدفعه ذلك لتغيير سياسته من منطلق القبول بالضرر الأخف خوفا من الضرر الأكبر ، وهكذا يجب أن نضع خططنا دائما وأبدا ، وليس الاكتفاء بسياسة الانتظار السلبية لأنها قد تؤدي الى المزيد من الدمار وتغول عدونا علينا ونكون مادة مسلية لبعض القوى الإقليمية تتلاعب بنا كيف تشاء ، فهل نستدرك ما فاتنا قبل فوات الأوان ؟
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت