المال في حركة "فتح"/د. صبري صيدم

شكل المال في حياة حركة "فتح" تاريخيا شريان حياة رئيس بالنسبة لها وفرصة مستمرة لمنظمة التحرير الفلسطينية برمتها للعمل والصمود والبقاء، وبقي الحصول عليه بالنسبة للقيادة الفلسطينية أمرا غاية في الأهمية وذلك لتمكين المؤسسة الوطنية من العيش والقدرة على تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني دونما ابتذال للذات حيثما أمكن وحتما دونما تجيير أو تدجين للقرار السياسي الوطني الحر، فإن تمكنت الحركة من توفير المال قبل قيام السلطة الفلسطينية فإن الكل الفلسطيني الحليف كان يتمكن من استمرار عمله وتأدية واجباته من خلال العديد من الفصائل التي بقيت قادرة على الحضور والعمل.


ومع تغير الوضع السياسي، فقد تغير، وفي مرحلة ما، الحديث عن المال من وسيلة للبقاء إلى وسيلة تشويهية طالت حركة "فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث تولد الشعور في الشارع الفلسطيني والعالمي بأن الفساد والمال باتا لصيقا "فتح" وبعض فصائل العمل الوطني.


ورغم وجود قدر كبير من التجني والاختلاق، إلا أن محاولات ترتيب إدارة المال لم تلق كثيرا من التقدير والتسويق كما لقيت قصص الفساد خاصة من باب الترويج الذي قاده بعض المانحون في اجتماعاتهم العامة والخاصة لأغراض سياسية دونما أن ننكر وجود بعض الملاحظات هنا وهناك.


وعندما ذهبت حركة "فتح" نحو مؤتمرها السادس فقد حملت معها كثيرا من الهموم التي ربطت بينها وبين المال التجاري وقصص الثراء والمال الموظف سياسيا وغيرها، لكن الحركة ومع أنها تجنبت في كثير من الأحيان الحديث عن المال وحاولت حلحلة أمورها بل علاجها بشكل صامت ومسؤول متى استطاعت إلا أن عيون الرقباء والمتابعين بقيت تتلمس كل الخطى وتتحس مواطن التغيير.


ورغم إنشاء المفوضية المالية للحركة بصورة أكثر فاعلية وإعادة تشكيل لجنة الرقابة المالية وفقا لنظام الحركة واتخاذ الخطوات الكفيلة لضبط المال واستئناف تسديد اشتراكات أبناء الحركة والسعي لحصر الأملاك المتناثرة في أصقاع العالم، إلا أن الحركة لم تغادرها أنظار جماهير المتتبعين لعملها وأدائها المالي مع أن مال الحركة بات شحيحا ينتظر الدعم والمساندة من مصادر مختلفة.


فهي إذا كانت وستبقى وستستمر في بقائها تحت مجاهر الرقباء لأنها مكون رئيس من مكونات العمل التحرري كما ستبقى فصائل أخرى أيضا، وخاصة بعد نتائج الانقسام اللئيم تحت مجهر المتابعين فصائليا وداخليا وخارجيا من حيث المال والإنفاق.


 فالمال والسياسة أمران متلازمان ومتواصلان ويحتاجان للاهتمام والمتابعة بشكل كبير ودقيق وإن تطلب الأمر أحيانا تطويرا مهما لآليات غير تقليدية في تحقيق سبل المكاشفة الداخلية، وسبل الصرف، وتقديم التقارير، وحتى تطوير النظم المالية للأطر حسب اختصاصها.


فالحديث في تطوير التعامل مع المال ليس أمرا معيبا أو مخيفا، وهو ليس كفرا، وليس تشكيكا، بل هو مساحة متطورة للنهوض بسبل تناول المال ضمن مسيرة الضبط والتغيير والتطوير وضمن توفير البيئة الخصبة لقناعة الكادر بسداد اشتراكاته والتزاماته.


لقد شكل المال والسياسة في فلسطين وتلازمهما محورا لاهتمام الجميع، خاصة في ظل التقلبات والتطورات والتغيرات التي صاحبت ورافقت مسيرة الثورة الفلسطينية، فبات الموقف السياسي لصيق القدرة المالية بل منصة هائلة لتجبر المانحين أحيانا ومحاولة تحكمهم في الإدارة، أو التأثير على الشأن والقرار الوطني أحيانا أخرى.


لذا فإن تحقيق الاستدامة الفصائلية أيضا أمر مهم .. فالمال كما يقال يعادل الروح، فروح المسيرة الوطنية لا يكمن في أداء سلطتها الوطنية فحسب، بل أيضا في نجاعة الأداء المالي لفصائلها بما فيهم حركة "فتح".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت