تستحق دولة قطر الشقيقة كل الشكر والعرفان، على اختيار هذا التوقيت الحاسم، لعقد هذا المؤتمر الدولي الكبير – ثلاثمئة شخصية من سبعين دولة – لدعم القدس، القدس التي هي لؤلؤة عصورنا، وقبلتنا الأولى، وأبرز عناوين عقيدتنا، وحقنا العادل الساطع في عدالته، وتحدينا الأول، أن نكون أمة عربية وأمة إسلامية أو لا نكون.
القدس الآن، القدس في هذه اللحظات، لا تجدي معها اللعبة الخشبية القديمة المخادعة، ولا تجدي معها وسائل وآليات العمل العربي والإسلامي القديمة، القائمة على أكذوبة كبرى اسمها مقاومة التطبيع مع إسرائيل، وكان جوهرها الفعلي ترك القدس فريسة كاملة بين مخالب الإسرائيليين، ولكن تحت عناوين صارمة من المقاومة والممانعة ورفض التطبيع وبقية المسلسل التافه.
القدس الآن، القدس في هذه اللحظات، تعاني بشكل خارق من سباق محموم مع الزمن تخوضه حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، لافتراسها بالكامل، على مستوى التهويد، والاستيطان، والخلاص من المقدسيين بكل الوسائل، ومن أبرز هذه الوسائل جعل حياة المقدسيين مستحيلة موضوعيا على صعيد الاسكان، والتعليم، والصحة، وفرص العمل، والحياة الثقافية، والخدمات الاجتماعية، وكان في الامكان تقوية صمود المقدسيين من خلال دعمهم في هذه الموضوعات، ولكن هذا لم يحدث، وانسحب العرب والمسلمون من المعركة، وتركوا القدس وحيدة، ليلتهمها ميسكوفتش وأمثاله من رموز اليهود المتشبثين بالخرافة ومحاولة إحيائها، تحت عنوان مقاومة التطبيع، ولو تابعنا عدد الأحزاب والمثقفين في العالم العربي والإسلامي الذين تعيشوا لعقود طويلة على أكذوبة مقاومة التطبيع، فسوف نجد أنهم بمئات الآلاف.
أعتقد أن مؤتمر الدوحة الدولي لدعم القدس، حقق مجموعة من الأهداف دفعة واحدة.
أولا : إعادة قضية القدس المختطفة من أهلها الحقيقيين، أي العرب والمسلمين، وإنهاء المتاجرة بقضية القدس ولحمها ودمها، دون أن يقدموا لها أي شيء، بل اشعار المقدسي بالذنب لأنه صامد في القدس رغم قسوة القوانين والممارسات الصهيونية.
ثانيا : تحويل القدس من أفق المستحيل إلى واقع الممكن، المحسوس، الذي نستطيعه فعلا إذا توفرت الإرادة الصادقة، لأن القدس تحت عنوان "رفض التطبيع" تحولت عند القومجيين العرب وعن الإسلامويين إلى لغز، إلى طلسم، إلى قفل مغلق، واليوم في الدوحة، يمكن مناقشة القدس بالتفاصيل، بالوقائع، وبقوائم المعلومات، كم بيتا تحتاج، كم مستشفى، كم مدرسة، كم مستوصف، كم حضانة أطفال، كم مكتبة ومركز أبحاث ودائرة خرائط وأراض، كم مكتبا قانونيا، وكم مشروعا انتاجيا يستوعب أعدادا من شباب القدس، وأن مرحلة حصر القدس تحت عنوان مؤمن وكافر، مطبع وغير مطبع، فقد كان ذلك زمن خيانة القدس.
ثالثا : أن العرب والمسلمين في ربيعهم، في حضورهم الحالي في العالم، في تأكيد مصالحهم وملامحهم وفي حوارهم مع العالم في تجلياته الجديدة، يملكون الكثير، قرارات الشرعية الدولية لصالح القدس، فقرار الضم الإسرائيلي غير شرعي، وبقاء الاحتلال غير شرعي، والتهويد والاستيطان غير شرعي، وفرض الخرافات على الحقائق غير شرعي، وكل ذلك يشاركنا فيه العالم في الشرق والغرب، حتى أقرب أصدقاء إسرائيل لا يوافقونها على ما تفعله في القدس، وبالتالي فإن الجهد العربي والإسلامي تجاه القدس له قاعدة عريضة وواسعة وقوية، والمهم هو العمل، وليس الهروب تحت يافطة رفض التطبيع.
في خطابه المهم أما المؤتمر الدولي لدعم القدس في الدوحة، قدم الرئيس أبو مازن مداخلة عالية المستوى على الصعد التاريخية والسياسية والقانونية والفقه الإسلامي، مداخلة تقول بكل وضوح ان سياسة ترك القدس وراء الظهر بدعوى أن نصرة السجين خاطئة وخطيئة لم يستفد منها سوى الاحتلال الإسرائيلي.
فهل نبشر القدس بزمن جديد، وأفق جديد، بعرب ومسلمين جدد يستحقون أن يكونوا بالفعل عربا ومسلمين؟؟؟
هذه التحية من الأعماق لدولة قطر الشقيقة، وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي يفتح بابا واسعا تجاه القدس، فاستبشري يا قدس، لعل المدد الحقيقي أصبح في الميدان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت