تقولوا الأقصى وين راحت شبابو هيهم بالساحة حراس على أبوابه
نعم كان شباب فلسطين حراس المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضية في الرابع والعشرين من فبراير 2012 الجاري، في مواجهة محاولات العصابات الصهيونية اقتحامه، فسقط شهيد الأقصى الشاب طلعت رامية (25 عاما) من قرية الرام قضاء القدس أول شهداء مواجهات نصرة الأقصى الأخيرة بعد اصابته برصاص مباشر أطلقه جنود الاحتلال الصهيوني.
فقد نجح المقدسيون وأبناء الداخل الفلسطيني المحتل في ردع المحاولات الصهيونية الأخيرة لاقتحام المسجد الأقصى في المدينة المقدسة. كما نجح الفلسطينيون في كسر تلك الدعوات التي أطلقتها منظمات وجهات «اسرائيلية» صهيونية رسمية وغير رسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الاعلام للقيام بحركة واسعة في استهداف المواطنين الفلسطينيين من أبناء المدينة، أبناء الوطن الأصليين.
معركة لتغيير الواقع الديمغرافي
وبالطبع، فإن المعركة التي تديرها سلطات الاحتلال وحكومة نتانياهو ومجموعات المستوطنين ومنظماتهم المتطرفة، لها علاقة مباشرة بما يجري داخل المدينة وعلى أسوارها وفي محيطها القريب، حيث تسعى سلطات الاحتلال للاطباق الكامل على المدينة وتقليص عدد سكانها من مواطنيها الفلسطينيين العرب من مسيحيين ومسلمين لصالح عملية تهويدها بشكل كامل، وفرضالأمر الواقع على الأرض، واستباق أي جهد تفاوضي مع الطرف الفلسطيني بتغيير الواقع الديمغرافي للمدينة المقدسة بحدودها الادارية التي باتت تساوي مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية بعد أن قامت سلطات الاحتلال بتوسيع حدودها الادارية، وتقطيع بعض المناطق المحيطة بها عبر جدار الفصل العنصري ليصبح حداً دائماً بين الدولة العبرية الصهيونية وأي كيان فلسطيني قد ينشأ نتيجة المفاوضات فوق أراضٍ من الضفة الغربية (لاحظ فوق أراضٍ) اضافة لقطاع غزة. في هذه الأثناء، ومع نجاح الفلسطينيين في صد محاولات اقتحام المسجد الأقصى الأخيرة، وهي محاولات متكررة منذ زمن، الا أن الفلسطينيين مازالوا الى الآن يفتقرون الى أسانيد الدعم المطلوبة والمرجوة من أشقائهم العرب ومن عموم البلدان الإسلامية كما يجب، في ظل سطوة وقوة الاحتلال، وفي ظل نشوء المشاريع التهويد الصهيونية حتى داخل الأحياء العربية في المدينة، وتدفق (مزراب) المال والدولارات من الخارج باتجاه تمويل أعمال الاستيطان، كالأموال المتدفقة من قبل المستثمر اليهودي الأميركي (أرفين موسكوفيتش) الذي يدير لوحده امبراطورية من مشاريع العقارات التي
يجري بناءها فوق عموم الأرض المحتلة عام 1967 بما في ذلك في القدس وعلى محيطها. وللمفارقة فإن (أرفين موسكوفيتش) متمول يهودي صهيوني كبير، جنى أمواله من صالونات وكازينوهات القمار التي يديرها في نيويورك وغيرها من مدن شرق وغرب الولايات المتحدة، ليحّول معظمها بعد ذلك لصالح أعمال استيطان وتهويد الأرض الفلسطينية خاصة في منطقة القدس.
وفي التدقيق المباشر، بعيداً عن الكلام العام، فقد ارتفعت وتيرة الحفريات وتوسعها من خلال مصادرة أراضي الوقف الإسلامي ومصادرة الأراضي الخاصة بالمواطنين المقدسيين والسطو على ممتلكاتهم.
ومؤخراً، بدأت سلطات الاحتلال بحفر أنفاق تحت الأرض في جوف المغارة المسماة بمغارة الكتان، الواقعة بين بابي العامود والساهرة على حدود السور الشمالي للبلدة القديمة من القدس. والتي تسميها سلطات الاحتلال بمغارة الملك سليمان أو مغارة (تصدقياهو)، وأحد هذه الأنفاق يمتد جنوباً ليصل أسفل المسجد الأقصى في منطقة المدرسة العمرية في جهة الجدار الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، والآخر يمتدّ شرق شمال ليصلّ المنطقة القريبة من باب الساهرة، أحد أبواب البلدة القديمة، حيث تسعى سلطات الاحتلال لربط هذه الأنفاق مع شبكة الأنفاق الممتدة من بلدة سلوان وأسفل المسجد الأقصى ومحيطه الملاصق، ليشكل بذلك حيزاً من الأنفاق الأرضية، تبدأ من وسط سلوان وتخترق البلدة القديمة والمسجد الأقصى جنوباً وشمالاً وتصل أقصى شمال البلدة القديمة، في مجموعة من الأنفاق ليصل طولها الاجمالي نحو1600 متر.
في هذا السياق، تم عملياً هدم حي حارة المغاربة وتم اقامة الحي اليهودي مكانه (علماً أن منطقة باب المغاربة هي جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف) وانشاء الأحياء اليهودية على الجبال المحيطة بالقدس مثل جبال خان الأحمر، وتم اقامة مستوطنة (معاليه أدوميم) هناك، وجبال النبي صموئيل، والتي لا تبعد عن المسجد الأقصى كثيراً. فمشاريع التهويد الجارية داخل وعلى محيط المدينة المقدسة، شارفت تقريباً على الانتهاء أو هي في المراحل قبل الأخيرة، بعد أن استطاعت سلطات الاحتلال طوال سنوات الاحتلال المديدة من غرس وبناء نحو (37) مستعمرة بعد أن صادرت ما مجموعه (750) ألف دونم من الأراضي المحيطة بالمدينة ومن داخلها (داخل الأسوار) بحيث لم يتبق للمقدسيين في المدينة سوى (10%) من مساحة أراضيهم الاجمالية، بعدما سلبت سلطات الاحتلال حوالي (22) مليون دونم (22 ألف كيلو متر مربع) من مساحة فلسطين التاريخية، ولم يتبق للفلسطينيين منها سوى نحو (4الى5) ملايين دونم.
رغم كل شيء: أغلبية فلسطينية
وبناء على ذلك فقد باتت تلك المستعمرات اليهودية تطوق المدينة من كل جوانبها، وبعضها يتواصل حتى مناطق غور الأردن كمستعمرة بسغات زئيف (ملاحظة: ان كل المشاريع المقدمة من الطرف الاسرائيلي على طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني تؤكد على الاحتفاظ بغور الأردن).
لقد نجحت سلطات الاحتلال في ايجاد غالبية يهودية في عموم المدينة المقدسة (القدس الشرقية والغربية) وبحدود (700) ألف يهودي، الا أنها لم تنجح بالرغم من كل مشاريعها وبالرغم من كل المصادرات والمضايقات التي جرت بحق الأرض والبيوت، وبالرغم من مزراب الأموال المتدفقة من تحقيق أغلبية يهودية داخل حدود القسم الشرقي المحتل من المدينة. فقد بقيت القدس الشرقية وبحدود معين ذات أغلبية عربية فلسطينية مسيحية وإسلامية. وبالرغم من عمليات التطفيش «الاسرائيلية» والمضايقات المتواصلة لدفع السكان العرب على مغادرة المدينة المقدسة، وبالرغم من كل العمليات الاستيطانية التوسعية التهويدية الصهيونية
الجائرة في المدينة، الا أن النمو السكاني العرب مازال هو الأعلى في المدينة وعلى حدودها الادارية.
وبحسب توقعات مؤسسة القدس للدراسات «الاسرائيلية» في حال استمر الميل الحالي للتزايد السكاني مقارنة بين العرب واليهود، فسيشكل اليهود بحلول عام (2020) مانسبته (60%) من سكان القدس مقابل (66%) حاليًا، في حين أن نسبة العرب ستتراوح بين (34% و40%).
وفي تلخيص للواقع على الأرض، يبلغ عدد سكان القدس (الشرقية والغربية) حالياً نحو (700) ألف نسمة. ويشمل المستعمرين اليهود في الأحياء التي بنتها الدولة العبرية في القسم الشرقي من المدينة المحتل عام (1967). ومنذ أربعة عقود، زاد عدد السكان العرب بنسبة (257%)، وانتقل عددهم من (68) ألفًا الى (245) ألفًا حاليًا، في حين أن السكان اليهود عرفوا نموًا بلغ (140%) وانتقل عددهم من (200) ألف الى (475)ألفًا. وفي حال تواصل هذا الميل سيشكل العرب نسبة (50%) عام(2035)مع نضوب وتراجع نسب الهجرة الاستيطانية الاستعمارية اليهودية من الخارج نحو فلسطين المحتلة.
ثقافة الاستيطان
لم يعد الاستيطان مجرد بناء كتل أسمنتية وتهجير الفلسطينيين فقط، بل أمسى ثقافة ومشروع خصصت له الدولة العبرية الصهيونية كل السبل والاحتياجات. فعمليات التهويد لم تتوقف فقط على مصادرة الأرض وبناء المستعمرات بل وصلت نحو الغاء التاريخ والثقافة والحضارة الإسلامية من خلال استهداف الأوابد التاريخية العربية والإسلامية، ومن خلال القيام بمشروع (عبرنة) الأماكن وتغيير أسمائها لتصبح القدس )يروشلايم) وباللغة الانجليزية (جيروزاليم) وهو ماحدى بالنواب العرب وبالمواطنين المقدسيين لرفض مشروع (عبرنة) الأسماء، فالقدس ستبقى القدس، ويافا ستبقى يافا، وحيفا ستبقى حيفا وهكذا.
ويذكر انه تم ادراج البلدة القديمة في القدس وأسوارها على لائحة التراث العالمي (اليونسكو) عام 1981 وعلى لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 1982 وذلك رداً على قرار الكنيست «الاسرائيلي» بضم القدس الشرقية التي احتلت في عام 1967 الى الجزء الغربي المحتل في عام 1948، واعلان المدينة «عاصمة أبدية موحدة لاسرائيل».
وبالنتيجة، على ضوء الواقع الحالي في القدس، وتواصل عمليات القضم المتتالي لأراضيها لمصلحة التوسع الاستيطاني التهويدي الجائر، فإن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك من أجل انقاذ المدينة المقدسة. وعليه يقع علة عاتق المؤسسات الحقوقية والمنظمات الفاعلة والصليب الأحمر ضرورة التدخل الفوري لوضع حد للمأساة التي تحل بمدينة القدس جراء تواصل الهجمة الاسرائيلية الشرسة مع تواصل عمليات الحفريات والهدم.
كما في ضرورة تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية والإسلامية بكل قوة لوقف هذا الجنون الاسرائيلي بحق الأقصى والمقدسات الإسلامية. فالأقصى والقدس الآن في خطر حقيقي لان هناك نية مبيتة للنيل منه من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة. فضلاً ضرورة تكثيف حملات توعية فلسطينية للمواطنين المقادسة للحيلولة دون انتشار ذلك حيث سيكون له اثر خطير جداً على مستقبل مدينة القدس.
أخيراً، ان المدينة المقدسة بحاجة للدور العربي والإسلامي الجدي على كل المستويات، وليست بحاجة لبيانات الادانة والاستنكار فقط.
بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن القطرية
الأربعاء 29/2/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت