الفتاوى تدخل عالم المناكفات السياسية الفتاوى تدخل عالم المناكفات السياسية

م. عماد عبد الحميد الفالوجي

رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

www.imadfalouji.ps

نحن اليوم في عصر الفتاوى ولم نعد ملكا لأصحاب القرار السياسي ، اليوم
يتحكم في تفاصيل حياتنا الشيوخ والفقهاء وليس رجال الدنيا وهذا فيه خير كثير ، على
اعتبار أن  الشيوخ والفقهاء هم الأكثر صدقا
والأكثر طهرا وهم المناط بهم سعادة الدنيا والآخرة ، وهم المرشدون الى حيث يرضى
الله ومخالفتهم قد تؤدي الى معصية قد تؤدي بصاحبها الى الدمار والانحلال ، وفي هذه
المرحلة يذهب رجال السياسة الى مجالس هؤلاء العلماء طالبين منهم الرأي والمشورة
على عكس ما كان الأمر قبل شهور قليلة فقط ، الفتوى اليوم ورأي الشيخ لهما تأثير
واحترام لدى الشارع بل وتخشاه الأنظمة ، لرجل الدين اليوم حظوة ومكانة عند الحكام
ولم يعد الحكم رجسا من عمل الشيطان ، ولم يعد الأمراء وحاشية السلطان سفهاء الأمة
بل أصبحوا مكان احترام وتقدير طالما أنهم يسعون لسؤال العلماء وينتظرون صدور
الفتوى منهم ، في سابق الأيام كانت الفتوى محصورة في الشئون المدنية والاجتماعية
من زواج وطلاق وميراث وأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها من السلوكيات اليومية
للإنسان ولكن اليوم أصبح المطلوب من العلماء والفقهاء الفتوى في كل شيء في أمور
السياسة والدين ، وكذلك في كيفية إخراج الموقف المناسب في المكان المناسب وما هي
الظروف التي يمكن بها تجاوز الحلال خشية الوقوع في الحرام ومتى يمكن احتمال الذنب
الصغير حتى لا نقع في الذنب الكبير ، ومتى تكون المواجهة مع هذا النظام شرعية ولا
تخالف شرع الله ومتى نسكت أو نقبل بذاك النظام على كل مساوئه تحت بند نقديم
المنفعة مقدم على دفع المفسدة أو العكس ، وكيف يمكن تخريج اضطرار تغيير موقف من
مرحلة الى أخرى وإيجاد ما يسند ذلك في الكتاب والسنة عبر إسقاط قصص قام بها نبينا
محمد – عليه الصلاة والسلام – على أحداث نعتقد أنها تشبهها ، وهكذا تدور فتاوى
العصر اليوم .

نريد فتوى تجيز الانقسام تحت بند أنه لا التقاء بين الحق والباطل ولا
بين الخير والشر ، ليس مهما تحديد من هو طرف الخير وطرف الشر ، لا يمكن الجمع بين
الحلال والحرام في آن واحد ، وبالتالي قد يكون الانقسام واجبا شرعيا أمر به الشارع
– سبحانه وتعالى - ، وليس من الضرورة تسمية هذا الانقسام بهذا الاسم بل يمكن
اعتباره " اعتزال أهل الخير عن أهل الشر " كما اعتزل الانبياء قومهم
عندما رفضوا الاستجابة لدعوة الله ، ونريد فتوى لتحديد علاقتنا مع العدو ، ولابد
من تعريف مفهوم العدو ، وهل العدو الخارجي أولى بالمواجهة من العدو الداخلي أم العكس
؟ ، وهل يمكن الاعتراف بشرعية التعامل مع العدو كما فعل الرسول – عليه الصلاة
والسلام – في صلح الحديبية ؟  ونريد فتوى
هل صلح الحديبية ينطبق على العدو الخارجي – الكيان الإسرائيلي – أم على العدو
الداخلي – الفلسطيني المخالف لدينه - ؟ ، ونريد فتوى جواز حبس المخالف دون تهمة أو
تركه وهل يجوز السكوت على ظلم الظالم أم نضرب على يده وما هي حدود ذلك ؟ ، ونريد
فتوى عن جدوى المصالحة وهل يجوز مصالحة المخالفين والتعايش معهم ؟ ، ما أصعب وضع
الفقهاء المتحزبين الذين يجهدون أنفسهم في تبرير ما تريده أحزابهم ، وما أصعب دور
الفقهاء المستقلين أيضا لأنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة الفقهاء الآخرين .

كم هو صعب وضع العلماء والفقهاء في هذا الزمان ، وكيف يمكن أن يصدروا
أحكامهم بكل تجرد دونما ميل هنا أو هناك ؟ وعندما يقصد البعض بسؤال العلماء هل
فعلا يريد رأي الدين أم يريد التستر برداء الدين وهنا قد ينزلق العلماء ؟ ، وهل من
المستحب أن يعتبر فتوى العالم حكما شرعيا لا يجوز الخروج عليه أم هو مجرد اجتهاد
قد يخطيء وقد يصيب ، ولا جرم في مخالفته كونه يفتي في شأن من شئون الدنيا قد تتغير
فتواه بتغير الظروف ، ومنها على سبيل المثال سؤال البعض عن موقف الشرع من زيارة
القدس والمسجد الأقصى وهي تحت الاحتلال واعتبار الفتوى في هذا الجانب قضية ملزمة
وحكما شرعيا يأثم كل من يخالفه ، أليس في هذا تضييق في أمر وسعه الله – سبحانه
وتعالى - ؟ ، لا يجوز أن نسمح لأنفسنا بان ننحدر بديننا أو بهيبة علمائنا الى هذا
الحد ، زيارة القدس والمقدسات فيها مطلوب كواقع سياسي متغير وتقاس الأمور بحجمها ،
من يتمكن من زيارة القدس للصلاة في المسجد الأقصى ومؤازرة أهلنا هناك والسكن معهم
وملامسة همومهم والتخفيف عنهم هو أمر مستحب بلا أدنى شك في ظل الصراع القائم على
أرض القدس ، فالمسلم أولى بزيارتها والإقامة فيها من ذلك المستوطن اليهودي الذي
يأتيها بنية الإقامة فيها ويعمل على تغيير معالمها وطرد أهلها وفرض أمر واقع فيها
، ولكن في ذات الوقت لا يمكن إغفال أن زيارتها وهي تحت الاحتلال ستكون بإذن من
المحتل وبإصدار تصريح خاص منه ويعتبره البعض اعتراف بهذا المحتل في احتلاله للقدس
أو اعتباره تطبيعا معه ، وهذه حجة ضعيفة لأن الأحكام الشرعية والوضعية في مثل هذه
القضايا الحياتية قائمة على النوايا وعلى المقصود منها وعلى نتائجها ، ولذلك لا
يجوز ولا يمكن أن نجعل من ديننا الذي يوحدنا هو ذاته جزء من فرقتنا ، ويستدل كل
طرف بما يجده مناسبا لفتواه ، فمن أفتى بالجواز فله أدلته ومن أفتى بغير ذلك فله
رؤيته ، ولا يمكن التوقف عند هذا الحكم أو ذاك ولا يجوز أن نتهم بعضنا البعض .

كنا في زمان سابق نتمنى أن يحكمنا الدين وأن نحتكم الى الشريعة
الإسلامية الغراء ، وعندما اقتربنا من هذا الهدف وجدنا العجب العجاب ، ووصل
الكثيرون الى قناعات مختلفة وهي استحالة التوحد حول كيفية تطبيق شرع الله ، ومدى
الفقر الشديد في كيفية تطبيق الأحكام ومدى الاختلاف والتباين في الاجتهادات ،
وأصبح التعامل مع الأحكام ذات القالب الواحد التي قرأناها في الكتب أغلبها تفتقر الى
الصحة والموضوعية ، ووجدنا أنفسنا أمام معضلات كبيرة لا يمكن الركون فيها للفقهاء
وعلماء الشريعة فقط ولكن نحتاج الى إعمال عقولنا ومعرفة مصالحنا والبحث عن فتاوى
سياسية من علماء السياسة وفتاوى اقتصادية من علماء الاقتصاد وهكذا وخاصة في
القضايا التي لا نص قطعي فيها تحت شعار " أنتم أعلم بأمور دنياكم " .أ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت