تبقى فلسطين هي الحاضرة / عباس الجمعة

عندما كان الشعب الفلسطيني يتظاهر ويطلق المسيرات مطالباً بالمصالحة وإنهاء الانقسام ، لما تركه هذا الانقسام من تداعيات مدمرة على مجمل العمل الوطني الفلسطيني وتشرذم قواه في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب الذي يعمل على تعميق الشرخ بين القوى الفلسطينية من جهة، والمضي في تحقيق سياسته الاستيطانية والقتل اليومي عبر القصف المتواصل ،واضطهاد الاسرى على حد سواء من جهة أخرى.

امام هذه الاوضاع نرى تصاعد السياسة العنصرية التي تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني في القدس، هي واحدة من أوضح أشكال حروب الإبادة ، فمن غير المعقول أن يقف العالم المتمدن متفرجاً على محاولات محو الهوية التي يتعرض لها شعبنا في القدس.

ان القدس جرح إنساني مفتوح، يمثل اختبار القيم والمثل التي يتذرع العالم المتقدم بتبنيها، ولكنه في الوقت ذاته يبدي لامبالاة غريبة حيال أنصع قضية في العالم المعاصر، يجري فيها شطب حقوق الشعب الفلسطيني أمام سمع وأنظار العالم.

أن الشعب الفلسطيني قد خبر الكثير من الاتفاقات التي تمت في عواصم عربية عدة لم تترجم على أرض الواقع وانتهت قبل أن يجف حبرها وقبل عودة الموقعين عليها إلى أماكن إقامتهم. وآخرها اتفاقية الدوحة ،
اذا اردنا تجاوز الانقسام والتأسيس لمرحلة جديدة حضارية في العلاقة الداخلية بين القوى السياسية فان ذلك يمر عبر القفز عن الشخصانية، واحترام ما جاء في اتفاق الدوحة نحو الذهاب الى المؤسساتية الدستورية والقانونية...الخ، ودون ذلك سيظل الشعب غارقاً في شؤونه الداخلية دون أُفق واضح كما عكس ذلك الجدل الذي افرزه اتفاق الدوحة ليس داخل "حماس" فقط وإنما في المجتمع الفلسطيني.

امام كل ذلك نرى ضرورة الفصل بين السلطة كمؤسسة إدارية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وبين فصائل العمل الوطني والاسلامي الفلسطيني اي الفصل بين السلطة وبين منظمة التحرير كإطارين منفصلين ومحددي الصلاحيات، الاولى علاقتها إدارية بحتة والثانية اطار فصائلي لقوى المقاومة وبكافة الاشكال، وهو ليس فصلا ًميكانيكياً لأن ذلك غير ممكن، ولكنه الفصل الذي يحقق استقلالية تنهي التداخل بين الإطارين الذي كانت نتائجه مأساوية بالصراع الفصائلي على السلطة وترك الاحتلال.

ان هناك حاجة تبقى فلسطين هي الحاضرة من خلال تطوير وتعزيز جبهة وطنية متحدة ما زالت في مرحلة تحرر وطني ما دام الاحتلال هو سيد الموقف، وهناك حاجة لشرعية دستورية فرضتها المتغيرات على الأرض.
الفلسطينيون قلقون من القادم، قادم الاستيطان الذي يهدم قاعدة الدولة المفترضة في ارض العام 67، وقادم الخيارات المتاحة ، وهي خيارات مرتبكة وقلقة لا يمكن لقوة سياسية ان تقرر فيها وحدها، لهذا فإن المصالحة اصبحت مطلب للشعب الفلسطيني .

وعليه ، فإن الخروج من دائرة رد الفعل لا يتم إلا من خلال تقديم أفعال وممارسات على أرض الواقع ، وإذا سلمنا جدلا أن هناك من هو مختلف ومنقسم ، فلماذا لا يتحد من هو متفق ومنسجم ، إن العبث والتلهي الذي يعيشه طرفي الإنقسام يفتح نافذة تاريخية قد لا تتكرر أمام جميع الرافضين له ، ولكن ليس عبر تصريحات الإتهام والإدانة ، فالإقدام على خطوة عملية واحدة قد تساوي في الميزان ألف تصريح خطابي وأكثر .

إن على جميع القوى والفصائل الوطنية الرافضة لهذا الإنقسام أن تتحد في جبهة وطنية واحدة ، وإن عليها تقديم برنامج وطني بديل تسبق أفعاله أقواله ، إن في تقديم هذا البرنامج والبدء في تنفيذه على أرض الواقع لا بد بذلك من استنهاض الطاقات التي همها الاساسي مواجهة المحتل ومقارعته وبشتى الوسائل والسبل .

كفانا تهربا من مطالب الشعب الفلسطيني ولنخرج من الحالة ، ولنعتمد على شعبنا وإمكانياته وطاقاته التي لا حدود لها ، حتى ندق اجراس الحرية ، ولنترك صراع الفضائيات والمواقع الإلكترونية ، ولنرتدي لباس الوخدة الوطنية ، باعتبار ان الوحدة بكافة الفصائل تشكل مطلب لكافة المناضلين طلاب الشهادة.

اليوم، نجد دعواتٍ عربية ومناشدات للتدخل الخارجي في الأزمات العربية الداخلية، بينما هناك تمسّك عربي بنهج أسلوب التفاوض مع إسرائيل وبإسقاط خيار الحرب أو المقاومة المسلحة ضدها ، ولم نرى وللاسف قطع العلاقات مع حكومة الاحتلال رغم استمرار احتلاله وتهويده المتصاعد للقدس والأراضي المحتلة.

بينما تسجل المناضلة هناء الشلبي معركة الحرية وتعيق مخططات الاحتلال في مواجهة سياسة العزل لتؤكد ان معركة الشعب الفلسطيني متواصلة بارادة ابنائها واسراها واسيراتها الماجدات ، فيما البعض مشغول بطلب النجاة من الشعوب، وبالرضى الأمريكي، ، وبالتآمر على ثورات العربية وحرفها عن أهدافها، وتحويلها إلى ثورات مضادة في خدمة أمريكا.

قد يسير بعض بلدان هذه الأمّة نحو الأسوأ والأعظم من الصراعات، وقد تتهدد وحدة أوطان وكيانات، وقد تستفيد القوى الأجنبية الدولية والإقليمية من تصدع العرب شعبياً، وتداعيات أوضاعهم سياسياً وأمنياً، وانعدام تضامن شعوبهم وحكوماتهم، لكن ذلك سيؤكد من جديد مخاطر النهج الذي تسير عليه هذه الأمة، على مستوى معظم حكوماتها وشعوبها وحركاتها السياسية.

ان المطلوب لمواجهة العدوان الإسرائيلي وحدة وطنية فلسطينية، فالدماء الغالية التي قدمت من اجل فلسطين تستدعي اعادة بناء الوحدة الوطنية وخاصة امام تصاعد العدوان والاستيطان ، والتعالي عن الجراح ، والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مكسباً كفاحياً نضالياً حققه الشعب الفلسطيني بدماء شهدائه، وخاصة بعد ان نالت اعتراف عربي ودولي، وبالتالي المنظمة هي الكيان المعنوي الذي يحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، ويجب أن نتمسك بمنظمة التحرير ولا نقبل أية بدائل لها. لان من مصلحة العدو تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، وحتى نرد على هذا المخطط يجب أن نحافظ على منظمة التحرير وأن نحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني.

ومن هنا كان موقفنا واضح من الذهاب الى الامم المتحدة والعمل من اجل نيل عضوية الدولة والعضوية في الأمم المتحدة، وحتى يعلم العالم إن منظمة التحرير هي الممثل للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وقضية فلسطين ليست قضية دولة فقط، ، انما هي قضية حق تقرير مصير، وحق العودة واستعادة الأرض، وبالتالي هناك أبعاد متكاملة ومترابطة للقضية .

ان وحدة الشعب الفلسطيني تمثّل عامل نهوض للشعب في كل مواقعه، في الـ48 وفي الضفة والقطاع والشتات، حيث شكل الانقسام الفلسطيني ثمن باهظ، دفعناه وما زلنا ندفعه، وبالتالي علينا ترجمة الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس واضح وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ستؤدي إلى حالة نهوض كبرى في أوضاعنا كشعب فلسطيني ومواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهها القضية الفلسطينية، وعلى هذه الارضية وامام ذكرى القائد الكبير الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس نؤكد اننا على ثقة بأنّ الوحدة الوطنية الفلسطينية تعني لنا عملية نهوض شاملة للشعب الفلسطيني في كل مكان لمواجهة المخططات الصهيونية الخطيرة والمدعومة من أمريكا، والتي تستهدف تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
رئيس تحرير صحيفة الوفاء الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت