الحضارة: لست مع الثورة والتغيير على الطريقة الغربية؟! (الحلقة الرابعة)/مصطفى إنشاصي

ونحن نبدأ عصر عربي جديد الله أعلم بمستقبلنا معه إن لم ندرك ما نريد؛ عصر بعد ما يسمى (ثورات الربيع العربي) مازالت خيارات المتغربون من أبناء الأمة صدى لخيارات الغرب لنا دون التأمل في ما إذا كانت خيراً لنا أو شر؟! فقبل تفكك الاتحاد السوفيتي سابقاً كان مطلبهم إقامة دولة علمانية ديمقراطية مطلباً غربياً وليس وطنياً أو قومياً أو إسلامياً! ومطلبهم اليوم إقامة دولة مدنية ديمقراطية هو أيضاً مطلباً غربياً وليس وطنياً أو قومياً أو إسلامياً! والمصيبة أن المطالبين بذلك يتحدثون عنه بزهو وسعادة غامرة ولو سألتهم: ماذا تعني الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؟ أو ماذا تعرف عن حقيقة أبعادها وأهداف الغرب من وراء مطالبته لنا بها؟ أو ما هو موضعها بالضبط في مخططات الغرب لما يسمى (الشرق الأوسط الجديد)، ومَنْ يريد الفهم ليرجع إلى كتاب اليهودي الخبيث شيمون بيريز "الشرق الأوسط الجديد) ليقرأه بوعي وتأمل وفهم لما بين السطور وما وراء الكلمات؟ وغيرها من الأسئلة ذات العلاقة بهذا الجانب فلن تجدهم إلا طبول حرب غربية بلسان عربي مبين في ميدان صراع لم ولن ينتهي إلا بقضاء أحد طرفي الصراع على الآخر، تردد صدى الطرقات الغربية دون وعي أو فهم أو إدراك!.

فهم لو كانوا مدركين لمخططات الغرب الجديدة ضد الأمة والوطن لأدركوا أنهم بمطلبهم ذاك يضعون تلك المخططات الغربية لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت والمفتت موضع التنفيذ! خاصة وأن كل قطر من أقطار سايكس-بيكو أصبح شكل خارطته الجغرافية والسياسية وكياناته المسخ التي سيُفتت لها في زمن (الربيع العربي) واضحة المعالم مع النعرات الشاذة التي نسمعها من هذا أو ذاك! ولكم في العراق الجديد، عراق الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان التي بشرت به أمريكا المغفلين لا الحالمين بوطن يشعر فيه الجميع أنهم متساوون في حق المواطنة خير مثال! ولماذا نذهب بعيداً لنتأمل وليكن لنا عبرة في ما يحدث في بعض أقطار (الربيع العربي) من تكريس لسياسات جديدة وممارسات على الأرض وتقاسم للمناصب والمهام بين المنتصرين وغيرها مما يبشرنا بالمستقبل المظلم لتلك الأقطار ما لم ندرك مخاطر ذلك ونتدارك الأمر ونكف عن تنفيذ المخططات المعلنة –لم يعد هناك سر- للغرب والعدو الصهيوني ضد الأمة والوطن! ولا يغيب عنك أيها اللبيب ولا أعتقد أن مَنْ لغى عقله وفقد وعيه وتنكر لانتمائه أنه لبيب ولديه القدرة على الإحساس واستشعار مخاطر ما يدور حوله من فضائح لعلاقات بعض قيادات الصف الأول في ذلك الربيع ليس بالغرب فقط الذي ينفذون مخططاته بلا حياء بل وبالعدو الصهيوني، وتزامن تلك الفضائح وتصريحاتهم ورسائلهم التي تؤكد على الوصل بليلى والمودة والمحبة للعدو مع تصريحاتهم ورسائلهم بالقطيعة من ماضي وحاضر الأمة لبناء دولة المستقبل (الدولة المدنية الديمقراطية) التي لا مكان للدين فيها من قريب أو بعيد؟!.

فنحن منذ قرنين بدأنا عملية الاستيراد من الغرب لكل شيء، بدأنا باستيراد الأفكار وانتهينا في زمن (الربيع العربي) باستيراد الأفكار أيضاً! لقد أصبحنا عالة على الغرب ولكن عالة خفيفة على قلبه، فهو يسعد جداً أن تبقَ عقولنا ملغية وعيوننا معمية وقلوبنا غُلف وألسنتنا تردد صدى ألحان مخططاته الغربية بلغة عربية عصرية حديثة! إن مصيبتنا في مَنْ يزعمون الوعي والثقافة والفكر والحداثة أنهم منذ قرنين وهم يستوردون الأفكار والمصطلحات جاهلين بمعانيها وأبعادها ودورها في مخططات الغرب ضد الأمة والوطن، كما أنهم جاهلون بأن لكل مصطلح بيئته الحضارية التي نشأ فيها والتي تختلف عن بيئتنا التي نقحمه فيها قسراً دون وعي بمعناه ودلالته ورمزيته التي قد تتعارض 180 درجة مع مصلحتنا! حتى أنهم لا يكلفون خاطرهم عند ترجمة أي مصطلح غربي إلى لغتنا العربية الجميلة التي شوهوا جمالها بمصطلحات غربية وترجمات خاطئة بسبب عجزهم عن فهم لغتنا أن يترجموها ترجمة عربية صحيحة! والله أعلم كم من عشرات السنين التي سيقضيها أبناء الأمة في صراع جديد حول معنى وصلاحية (الدولة المدنية الديمقراطية) من عدمه ونحن لم نتفق قبلها على معنى أو صلاحية (الدولة العلمانية الديمقراطية) وغيرها من المصطلحات التي هي جزء من عقيدة الغرب ومخططاته ضدنا؟! كما أننا لا نعلم ما الذي أساء متغربي وطني من (الدولة العلمانية الديمقراطية) التي بقيت مطلبهم طوال عشرات العقود من السنين؟! ولا أعلم إن كانوا يدركون الفارق بين معنى الدولتين أو أنهما متطابقتين ولكن الفارق في تغير المرحلة؟! أستبعد أن يدركوا ذلك لأنهم متلقون وليسوا مفكرون والمتلقي يبقى صدى فقط لما يتلقاه!.

يبدو أنه مهما حاول الإنسان الملتزم بهَمْ الأمة أن ينأى بنفسه بعيداً عن الكتابة عن واقعها المشبوه وأزمتها المُختلقة لأن الصوت المسموع الآن هو صوت الغوغاء السائرين على درب الفوضى الخلاقة التي أطلقتها كونداليزا رايس لخلق ظروف جديدة في وطننا تساعد الغرب على تدمير الأمة وإعادة تشكيل ورسم خارطة وحدود أقطار سايكس-بيكو لأنها فشلت في أداء مهمتها في حفظ أمن العدو الصهيوني. وذلك ليس قولي ولكنه أيضاً قول كونداليزا رايس سلف هيلاري كلينتون التي هي مَنْ أطلقت على الفوضى التي تحدث في وطننا مصطلح (الربيع العربي)، الم أقل لكم نحن بدأنا منذ قرنين نستورد كل شيء بدأ بالأفكار وانتهاء بالأفكار؟!.

ولا يظن أحد من اللاغين عقولهم أني ضد التغيير وضد الثورة على تلك الأنظمة التي هي سبب نكبة وجمود الأمة، ثورة تقتلعها من جذورها ولا تبقِ لها أثراً، لا! أنا مع الثورة والتغيير ولكن الثورة والتغيير الحقيقي والجذري، الثورة بإرادة ذاتية، التي تأتي استجابة لمطلب وطني وتلبية لحاجة الجماهير والشعوب وتعبر عن طموحات الأمة الحقيقية في التحرر من التبعية للغرب فكراً وسياسة، ثورة تحقق الاستقلال الوطني الحقيقي باحترامها لدينها ولتاريخها وخصوصيتها الحضارية لا مسلوبة الروح والعقل! مع ثورة كتلك الثورات التي انطلقت في الأمة مبتدئة بتونس قبل أن ينقض عليها عملاء الغرب وصنيعته والانتهازيين والفاشلين من الأحزاب العلمانية والإسلامية على حد سواء التي هي الوجه الآخر للأنظمة، لذلك لست مع ثورة تحررني من استبداد الأنظمة الحالية وتبعيتها للغرب والعدو الصهيوني بالبندقية والدبابة والصاروخ الغربي والمال العربي المشبوه، وتلقي بي في حضن الغرب وهيمنته وسطوته أسوأ مما كانت عليه تلك الأنظمة المستبدة الظالمة التي أطمح للتحرر في ربقة ظلمها، وتفتح أبواب الوطن على مصارعه للغرب والعدو الصهيوني وتصادر حتى تلك القشرة الباهتة من الاستقلال الوطني الذي كانت عليه تلك الأنظمة، وتؤسس لنظم جديدة تفتت الكيان السياسي الحالي إلى مزيد من الكيانات المتعادية بينها والمتصارعة على خدمة الغرب والعدو الصهيوني!.

كما أننا لسنا مع ثورة تأتي بتأييد وبقرار سياسي غربي سواء أتخذ في عاصمة عربية أو غربية ولا حتى في مقر الأمم المتحدة أداة الغرب الاستكباري في اختراق وتدمير الأمة، التي ارتكبت أبشع جريمة في حق الإنسانية عندما قسمت فلسطيننا قلب الأمة وأعطت جزء منها ليكون وطناً لأخس وأشد الناس عداوة للإنسانية، ومازالت توفر لكيان العدو الصهيوني ومجرميه الذين يرتكبون أبشع المجازر في حق شعبي ووطني الأمان والدعم والحماية من الملاحقة والمحاسبة، لأن كل تلك الثورات التي يقودها الغرب وعلى رأسه فرنسا طليعة الغرب طوال التاريخ في كل معاركه ضد الأمة والوطن لم تأتِ لمصلحة الوطن ولكن لتحقيق مطلب الغرب الجديد في زمن (الربيع العربي) بإقامة (الدولة المدنية الديمقراطية)، ولكني مع الثورة الوطنية التي تريد إقامة الدولة الوطنية بغض النظر عن تسميتها، الدولة التي تملك إرادة وطنية في خيارتها وسياساتها ولا ترفض أن تكون الحكمة ضالتها أياً كان مصدرها، الحكمة وليس التبعية والتلقي والاستجابة للغرب ومطالبه بدون تحدي!.

إننا مع ثورة ضد كل العقول المتغربة التي باعت نفسها قبل أمتها للغرب ورهنت مصالح الأمة وثرواتها لخدمة أطماعه ومخططاته ضد الأمة والوطن، إننا في حاجة لثورة فكرية تقتلع كل تلك الثقافة المتغربة الغربية عن أمتنا وديننا وتراثنا وتاريخنا ومصالحنا، التي شكلت عقلها وصاغت منهجها في العلم والتفكير أفكار وأقلام المستشرقين الذين أكثرهم عملاء لأجهزة المخابرات الغربية لاختراق العقل العربي المسلم، إننا بحاجة إلى ثورة تقتلع عبيد الغرب وأذنابه القدامى والجدد والمغفلين والسذج والفاشلين والعاجزين عن اكتشاف خُبث الأفكار والمخططات الغربية المغلفة بزيف العصرنة والحداثة ومدى خطورتها على مستقبل الأمة والوطن، إننا بحاجة لثورة تعيد لخصوصية الأمة الحضارية اعتبارها وتنطلق من حيث مصلحتها لا مصلحة أعدائها ... إننا بحاجة إلى ثورة شاملة على مخلفات تلامذة الغرب وأذنابه التي زرعوها في عقول أجيال الأمة طوال نحو قرنين من الزمان حتى بتنا نجد فينا مَنْ لا يستحي من العمالة والارتباط بالغرب علناً كما هم عملائه الذين يجاهرون بذلك، أو ضمناً كما هم أنصاف المثقفين أو إن صح التعبير المتعلمين لأن الثقافة أرفع مما عليه حالهم، الذين مازالوا لا يريدون الوقوف مع أنفسهم وإعادة تقويم منهجهم، منهج التلقي عن الغرب لا منهج التفكير والإبداع النابع من مصلحة الوطن وحاجة الأمة...!.

أعذروني فنحن لسنا صدى قرع طبول الغرب الجوفاء وإنما صوت واعي ومنتمي لهذا الوطن وأمته ...! يبدو أن المقدمة التي لم أشأها هنا ولكن الهم هو الهم أثقلني ولا بد من التصريح في زمن انحطاط الانحطاط وتهافت التهافت على كل ما هو غربي دون أخذ عبرة أو درس من تجارب الماضي أخرجني عن صمتي، لذلك أؤجل حلقة اليوم لتكون مستقلة بعض الشيء عن هذه المقالة ...!
التاريخ: 4/3/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت