أبو علاء: مطلوب الانتقال من حالة الدفاع إلى طور الهجوم السياسي الحذر

القدس المحتلة – وكالة قدس نت للأنباء
دعا أحمد قريع (أبوعلاء) عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون القدس الى ضرورة تثبيت الوجود الفلسطيني في إطار حوار تقوم به فعاليات سياسية و فكرية وأكاديمية من أجل وضع خلاصة رؤاها لإثراء الحوار الوطني القائم حول أنجع السبل وأيسر الدروب المتاحة على طريق النهوض من وضعية قلت فيها المبادرات والخيارات والإمكانيات وتكاثرت فيها الشكوك والارتيابات والإخفاقات.

جاءت اقوال قريع في ندوة سياسية متخصصة عقدتها دائرة شؤون القدس لدى منظمة التحرير بالتعاون مع مركز الديمقراطية وتنمية المجتمع ومنتدى "رسالة" للفكر والحوار حول" آليات تثبيت الوجود الوطني الفلسطيني في وجه السياسة الاسرائيلية الهادفة إلى إفشال حل الدولتين وحسم موضوع القدس عاصمة الدولة الفلسطينية" في حرم جامعة القدس ابو ديس بحضور نخبة من السياسيين والمثقفين والاكادميين وأساتذة وطلبة جامعة القدس.

وأوضح بأن هذه الندوة جاءت لدراسة وتشخيص المصاعب والتحديات واستكشاف الخيارات والآليات ووضع الإستراتيجيات الملائمة لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، وذلك في حوار مفتوح على شكل عصف فكري، نجريه في هذا الخضم المتلاطم من التطورات والمصاعب والوقائع التي تشد الأبصار وتحبس الأنفاس، مؤكدا على "أن أحد أهم الأسس التي قام عليها المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي غزى البلاد قبل نحو قرن من الزمان كان ماثلاً في سياسة اقتلاع الفلسطيني وتهجيره من أرضه، سواء أكان ذلك عبر الإجلاء القسري والاقتلاع بالعنف المادي المجرد أوكان ذلك بالاحتلال والإحلال السكاني الاستيطاني الاستعماري والقضم التدريجي، والكثير مما تغص به الذاكرة الفلسطينية من مآسٍ ووقائع لا تزال شواهدها قائمة ملء الأبصار والأسماع حتى يومنا هذا."

وقال"بالتالي فإن إيلاء كامل الاهتمام لتثبيت الوجود الوطني الفلسطيني ودعم الصمود في وطن الآباء والأجداد، وتأمين متطلبات هذا الصمود، ورفع درجة كفاءته، في إطار المواجهة التاريخية المتواصلة على ملكية وهوية ومستقبل هذه الأرض، وخاصة في مدينة القدس التي تتعرض لأشرس حملة لتهويدها وأسرلتها، وأن الاهتمام بهذه المسألة الجوهرية، حول ضرورات تعزيز الوجود الوطني الفلسطيني وتعظيم فاعليته، كحقيقة وجودية، ورافعة كبيرة من روافع الدفاع الوطني عن الأرض والحق والهوية والمقدسات، اهتمام ينبع من ضرورة موضوعية ملحة.

واشار رئيس دائرة شؤون القدس لدى منظمة التحريرالى ضرورة ايلاء الاهتمام، واستجلاء كافة البدائل والممكنات في إطار النقاش حول متطلبات تثبيت الوجود الفلسطيني، وتحديد مقومات وآليات ذلك، باعتبار هذا الوجود في حد ذاته أحد أهم الأسلحة الإستراتيجية المتاحة، لا سيما ونحن نخوض اليوم وغداً، ذات المعركة التي خاضها الشعب الفلسطيني بالأمس، دفاعاً عن وجوده هذا، وتمسكاً بحقوقه الوطنية المشروعة ذاتها، وذوداً عن أرضه وهويته ومقدساته، ومشروعية عيشه بحرية واستقلال وكرامة.في وقت كان فيه الفلسطينيون مجرد كمية سكانية مهمشة، أو كفائض سكاني لا تتسع له جغرافيا بلده، بلد أجداده اما اليوم فنحن شعب نال أوسع درجة اعتراف به وبتطلعاته المشروعة، وانتزع بالكفاح المرير والتضحيات الجليلة مكانته، وكرس هويته الوطنية، وعزز حضوره السياسي كرقم لا يمكن شطبه من المعادلة، وتمكن منذ نحو عقدين من بناء أول كيان سياسي له على جزء من أرضه، وذلك على طريق إقامة الدولة الوطنية المستقلة."

وقال أبو علاء في معرض حديثه " إذا كان من الصحيح أن مشروعنا الاستقلالي قد تعثر، كما أن مشروع حل الدولتين قد فشل، وأن كثيراً من الرهانات الأولية لم تتحقق، وأن الطريق الذي كان صعباً وطويلاً لا يزال على ذات الدرجة من الصعوبة، فإن من الصحيح أيضاً أننا اليوم مدعوون أكثر من أي وقت مضى لتأكيد إرادتنا وتثبيت وجودنا وتعزيز صمودنا على هذه الأرض، واستخدام ما بين أيدينا اليوم من وسائل كفاح وصمود متنوعة."

وقال "فنحن نقيم على أرضنا نبني هياكل الدولة، نطور مؤسساتها ونعزز أجهزتها، ونراكم مكونات السلطة التي تعد منجزاً نوعياً من منجزات نضالنا الوطني، كما طورنا علاقاتنا مع العالم ومع القوى العظمى والفاعلة فيه، علاوة على أننا نمتلك خيارات المقاومة، والمقاومة الشعبية السلمية."

ونوه عضو اللجنة التنفيذية أبو علاء الى أن مجموع النضالات الفردية المتفرقة في إطار وطني جامع، يمكن لها أن تتراكم في المدى المنظور لتشكل في حد ذاتها قاعدة صلبة يمكن البناء عليها، إن لم نقل رافعة وطنية كبرى لكفاح شعبي منظم يغذي نفسه بنفسه من مآثر الصمود والاستبسال الفردية، وملاحم الثبات الشخصية أمام سطوة الاحتلال وجبروت آلته القمعية، ولعل صمود الأسير خضر عدنان والأسيرة هناء الشلبي على الجوع في وجه السجان مؤخراً، مثالاً عظيماً، ونموذجاً ملهماً، ودرساً عملياً فائق الأهمية في كيفية التسامي على الآلام، وقهر السجان، وضرب المثل العياني الملموس على نجاعة الصبر والصمود والثبات بأبسط الأشكال."

واستدرك قائلاً "وليس معنى هذا أن نقلل من شأن الكفاح المنهجي المنظم، ولا أن نغفل من أهمية الدور المؤسسي والإطارات والمرجعيات والهياكل التنظيمية، أو غير ذلك من الآليات والروافع المعتمدة لإدامة الاشتباك مع الاحتلال، جنباً إلى جنب مع تطوير القدرات وتحسين مستوى الخدمات، وتوفير مقومات الثبات التي تبدأ من عند الفرد والأسرة، لتمتد وتتواصل على مستوى الحي والمدينة، إلى النطاق الشعبي الأشمل، ونعني به المجموع الفلسطيني كله".

وتابع" إنني على ثقة أن الحوار المقدر له أن يجري على مدار الفترة القادمة، بداية من اقتراح الإستراتجية الخاصة بتثبيت الوجود الفلسطيني، يقتضي منا بداية الأمر فهم طبيعة هذه المرحلة الحرجة، بكل ما تنطوي عليه من أخطار كبيرة وفرص ضئيلة، ووعي المتغيرات الجارفة في البيئة السياسية المحيطة، وإدراك التبدلات الجارية على الصعيد الدولي، فضلاً عن الإحاطة الشاملة بالمستجدات القائمة والمتواصلة في المشهد الإسرائيلي."

وجدد ابو علاء قريع دعوته إلى إعادة الموضع في سياق كفاحي أوسع من لعبة المفاوضات والمفاوضات "التقريبية" و"الاستكشافية" و"غير المباشرة"، التي أهدرنا فيها وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة.و إلى تحرير الوعي السياسي الفلسطيني العام من أساليب التفكير النمطية، والخروج من إسار دائرة ردود الفعل الجزئية، والاستجابات الموضعية المؤقتة، والافتراضات المسبقة والتحسبات المفرطة، وذلك على نحو ما بدا عليه المشهد الفلسطيني منذ اندلاع الربيع العربي على أقل تقدير.

واعرب رئيس دائرة شؤون القدس عن اسفه حول الاختلاف على أي الدروب أنجع، وأي الخيارات أفضل، وأي أشكال الكفاح أنسب رغم الاتفاق على الأهداف الوطنية العليا، ومجمعون على جملة طويلة من الثوابت المستقرة عميقاً في الوعي الفلسطيني العام، الأمر الذي ينبغي معه التوافق على برنامج الحد الأدنى المشترك، ومن ثم التوافق على الرؤية الموحدة، والآليات المناسبة، والنأي بالنفس عن المراوحة في ذات المكان، وعقد الرهانات على ما ليس في متناول اليد.

واكد أبوعلاء " أننا نمر اليوم في مرحلة سياسية انتقالية لزجة لا قوام لها، لاسيما في المحيط الإقليمي المجاور، وهي مرحلة تكاد تقطع مع الماضي بالكامل، وتشتبك مع الحاضر الذي لا يزال في طور مخاض طويل من التفاعل، وتستشرف مستقبلاً في طور التشكل التدريجي البطيء، فيه من الأخطار الكامنة بقدر ما فيه من نوافذ الفرص المتاحة، ينطوي على مصاعب توازي ما يلوح في آفاقه من ممكنات، الأمر الذي يطالبنا بالانتقال من حالة الدفاع إلى طور الهجوم السياسي الحذر، والاستثمار في هذه اللحظة التاريخية النادرة والبناء عليها بحذر وهدوء ودون انفعال، باعتبار أن كفاحنا الوطني هو جزء لا يتجزأ من الربيع العربي، المقدر له أن يمدنا بعد حين بزخم افتقدناه طويلاً."

واقترح أبو علاء مجموعة من المبادئ يمكن الاسترشاد بها متمثلة بالتالي:

أولاً: تضافر كل الجهود والإمكانيات، لإتمام المصالحة الوطنية، واستخدام كل الوسائل والأساليب، لمنع حدوث أي انتكاسة محتملة، وذلك باعتماد مبدأ المشاركة الحقيقية في عملية صنع القرار ومسؤولية إنجاحه، والعمل على إغناء الحياة السياسية وتفعيلها، على أسس الديمقراطية واحترام القانون والحريات العامة.

ثانياً: توفير الموارد المالية للبرامج والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والإسكانية والصحية والتعليمية، وذلك لتخفيف الأعباء على أبناء شعبنا، ودعم صمودهم والحفاظ على مؤسساتهم، وخاصة في المناطق المستهدفة بالضم والتهويد مثل القدس على وجه الخصوص.

ثالثاً: تفعيل جميع الشرعيات الفلسطينية القائمة، والحفاظ عليها تحت كل الظروف، وفي المقدمة منها منظمة التحرير والسلطة الوطنية والاتحادات والنقابات المهنية والشعبية، والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية، وعبور النقطة الحرجة الفاصلة بين شعار تفعيل المنظمة الذي طال الحديث عنه، وبين الشروع المادي الملموس في عملية التفعيل هذه.

رابعاً: التمسك بمطالبة الجانب الأمريكي واللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، والجانب الإسرائيلي بتنفيذ كافة الاستحقاقات التي تضمنتها الاتفاقات الانتقالية الموقعة والتي لم تنفذ بعد، مثل الاتفاق الانتقالي، واتفاق واي ريفر وخريطة الطريق والتي من ضمنها: النبضة الثالثة من إعادة الانتشار، وتحويل المنطقة B إلى A، والجزء الأكبر من منطقة C إلى منطقة A، وإعادة فتح مؤسسات القدس المغلقة، وإطلاق سراح الأسرى، تشغيل المعبر البري بين الضفة وغزة، وحق السلطة الفلسطينية في البناء والاستثمار في منطقة C، وغيرها من الالتزامات والاستحقاقات التي تضمنتها الاتفاقيات الموقعة.

خامساً: التمسك بالثوابت الوطنية وعدم تقديم أية تنازلات وخاصة في قضايا الحدود، القدس، اللاجئين، والأمن، والمستوطنات، وإعلاء قضية القدس كأولوية أولى، وفضح الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل لتهويد المدينة المقدسة وأسرلتها، والعمل على تأمين أكبر قدر من الدعم المالي والاقتصادي والسياسي لها، ووضعها على أجندتنا بشكل دائم بعنوان "القدس أولاً".

سادساً: مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي بكل السبل المتاحة، وتوسيع إطارات الحوار المباشر مع نخبه السياسية والفكرية والإعلامية المعتدلة، والتوجه نحو المزيد من التفاعل مع قوى السلام، وذلك للتخفيف من درجة انجراف المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من التطرف اليميني والفظاظة العدوانية.

وفي ختام الندوة تم تشكيل لجنة لصياغة ورقة إستراتيجية تحمل أهم الآليات لحماية الوجود الفلسطيني على أن تتبع هذه الندوة سلسلة من الندوات المتخصصة .