سؤال مشروع تتحمل النخبة المثقفة من مفكرين ومنظرين ومنظمين وكتّاب وإعلاميين وزر عدم وصول الإجابة عليه سواء للفلسطينيّ الذي يشكل وحدة بناء الوطنية الفلسطينية ، أو لجماهير أمتنا العربية أو لأمتنا الإسلامية وللعالم أجمع .
لا شكّ بأن السرد التاريخي لنضالات شعبنا ومدى ما حققه من إنجازات أو ما تعرض له من إخفاقات ، يحتاج للكثير الكثير من الشرح والتوضيح لما تنوء عن حمله المجلدات ، ولكن الأهم من ذلك أن نقرأ الواقع كونه نتيجة ، والأمور كما قال العقلاء بنتائجها ، وسأسوق ذلك على شكل نقاط اختصاراً للوقت وتيسيراً للفهم .
• بعد إقرار الدول صاحبة النفوذ قبل قرن ونيّف بإقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين ، فُرضت المقاومة وحقّ الجهاد على كلّ فرد فلسطينيّ دفاعاً عن الوطن أرضاً وعرضاً ، معتمداً على حقه الطبيعيّ في مقاومة مثل هذا القرار ، فاندلعت الثورات الثورة تلو الأخرى ، وخاض الشعب الفلسطيني معارك التحرير من نير الاستعمار البريطانيّ ، إضافة إلى مقاومة الاستيطان الناتج عن موجات الهجرة اليهودية لأرض فلسطين . قاوم الشعب الفلسطيني رغم ضعف الحالة وقلة الإمكانات ، ولكن الظروف المحيطة بشكلها العامّ ، واختلال ميزان القوة لصالح العدوّ، دحر الشعب الفلسطيني عن الجزء الأكبر من وطنه ، وأقيمت دولة اسرائيل على ما احتلّ من أراضٍ عام 1948م . وبالتالي شُرّد معظم الشعب الفلسطيني لخارج فلسطين ، ولجأ ما تبقى منهم للأجزاء التي لم تُحتلّ ، والمقصود هنا قطاع غزّة الذي أصبح تحت الإدارة المصرية فيما بعد ، والضفة الغربية التي ألحقت بإمارة شرق الأردن لتكوّنا المملكة الأردنية الهاشمية وبقيتا على هذا الحال إلى أن أحتل كلّ منهما بالعدوان عام 1967م .
• لم يقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي أمام تشريده وتهجيره رغم ما مورس عليه من ضغوط وقمع وتهديد ، ولكنه مارس نضاله المدنيّ من خلال انتماءاته الحزبية ، كما مارس نضاله العسكريّ المغرق في السرية ، تعبيراً عن رفضه لما آلت إليه أحواله وذلك أضعف الإيمان ، لم تستطع قوى البغي والعدوان ولا أممهم المتحدة ولا وكالات غوثهم من تكميم أفواه الشعب الفلسطيني الذي بقي على عهده مع أرضه و مدنه و مقدساته وتراب وطنه ، باذلاً الغالى والنفيس في سبيل دحر العدوّ المغتصب ومحو هذا الغبن التاريخي ، رغم رهان أعداء الشعب الفلسطيني على عامل الزمن أملاً منهم أن يكون ذلك في صالح عملية الإحلال .
• في العام 1964م أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار عربيّ جامع ، وذلك لإصرار الوطنية الفلسطينية لممارسة حقها في استعادة ما سلب منها جهاراً نهاراً . وقد أثبت الشعب الفلسطيني من خلال هذه الخطوة رفضه القاطع لكل ما جرى له ، مثبتاً للعالم بأن الحق لا يضيع بالتقادم .عندها اعتمدت الوطنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية على مرّ مراحل نضالها عدم أدلجت الصراع ، وبذلك جندت كلّ أطياف الشعب الفلسطيني لصالحها ، وكسبت تأييد كلّ أحرار العالم وفق منهج يقوم على التكاتف الوطني لتحرير الوطن ، مؤمنين بالوحدة العربية كإطار جامع وهدف ثابت ، وبالتضامن الإسلامي كعقيدة ومنهج ، وبالأهداف الانسانية كشرعة والتزام .
• بعد نشوب حرب 1967م واحتلال اسرائيل لما تبقى من أجزاء فلسطين واحتلالها لأجزاء كبيرة من أراضي الدول العربية المجاورة ، تكشّف للعالم بصورة عامة وللعرب بصورة خاصة الأهداف الحقيقية لدولة اسرائيل. ونظراً لظروف الهزيمة التي منيت بها الأمة العربية بعد تلك الحرب ، تردت الحالة المعنوية للأمة حتى وصلت الحضيض ، ساءت أوضاعها وتخلخلت أركانها ، إلى أن بعث الله لهذه الأمة ثلة من المناضلين الأبطال حملوا أرواحهم على أكفّهم ، وأخذوا على عاتقهم إعادة الروح المعنوية لهذه الأمة ، حملوا السلاح طواعية في سبيل الله والوطن ، ضمن أحلك ظرف اكتنف الأمة في تاريخها الحديث ، وواجهوا العدوّ الغارق في نشوة انتصاره ، فأعادوه لرشده بعد أن لقنوه دروساً في الصمود والمقاومة ، وعادت روح الحياة تدبّ في عروق الأمة ، نظراً لما قامت به طلائع الوطنية الفلسطينية من أعمال المقاومة التي سيبقى التاريخ شاهداً عليها . تبنت فصائل العمل الوطني المقاومة المسلحة ، وخاض الفدائيون الفلسطينيون معارك الفخر والكرامة ، فانتشت الأمة وامتشق الشعب السلاح وأصبحت المقاومة حديث الغادي والرائح في العالم العربي . ومما تجدر الإشارة له ضمن هذا السياق بأن قادة العمل الوطني والمقاومة المسلحة لم يتسلموا زمام القيادة من خلال صناديق الاقتراع ، بل من خلال سواعدهم وأفكارهم التي آمنت بها الجماهير فلحقت بهم ، إنها مراحل التحرر الوطني التي لا يستقيم حالها بديمقراطية زائفة ولا بانتخابات مزورة !
• اعترف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني ، وبذلك أثبت هذا الشعب حقّه من خلال إثبات وجوده . إن اعتراف أكثر من مئة وثلاثين دولة بكيانية الشعب الفلسطيني ، وأكثر من مئة وثمانين دولة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لدليل صارخ على ما أنجزته سواعد الأبطال من أبناء الشعب الفلسطيني .
• نتيجة الضغط الذي مارسته سواعد الأبطال من أبنائنا ، ونظراً لاعتراف العالم بحقوقنا ، أذعن الاسرائيليون واعترفوا بالشعب الفلسطيني ، وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعيّ ووحيد له ، كان ذلك ضمن اتفاقية أوسلو التي لها ما لها وعليها ما عليها . عادت الثورة بقيادتها لأرض فلسطين وبذلت من الجهود الجبارة لتحقيق بعض من أهدافها ، لثقتها بأن النصر في مثل قضيتنا لا يتأتى إلا بالعمل الجمعيّ المتراكم ، لاستحالة تحقيقه بالضربة القاضية ، ولكن مماطلة اسرائيل في تنفيذ ما اتفق عليه وقفت عقبة كأداء أمام التقدم نحو الأمام في هذا الإطار، رغم ذلك فإننا نعيش فوق أرضنا ، يعترف العالم بوجودنا ، كما يعترف بوجودنا عدوّنا ، ولكن الخلاف بيننا هو أنه يريد تقييد وجودنا وفقاً لرؤيته ، ونحن نريد أن يكون وجودنا وفق ما نريد ، وهنا نكون قد تخطينا صراع الوجود إلى صراع الإرادات ، فصاحب الإرادة الأقوى هو الأقدر على تنفيذ رؤيته مهما طال الزمن .
• هل انحصر مشروع الإحلال وانحصرت معه طموحات أصحابه؟ وهل انتصرت إرادة غلاة الصهاينة بتطهير فلسطين من أهلها وإقامة دولتهم اليهودية على أرضها ؟
والإجابة على ذلك هي ما يتمثّل على أرض الواقع ، فما يقارب من ستة ملايين فلسطيني يعيشون واقفين صامدين على أرض فلسطين ، يشكلون شوكة في حلق المحتلّ ، لم يستطع أن يطهرهم ولم يقدر على اقتلاعهم ، رغم كلّ ما مارسه من بطش وتنكيل بهم ، معتمدا على قوته المادية ناسيا بأن إرادة الشعوب لا تقهر .
• أخيراً هل حققت الوطنية الفلسطينية طموحات الشعب الفلسطيني ؟
نعم حققت ولكنها لم تحقق كلّ ما يتمناه الشعب ، ولكن أن تحقق شيئاً خير من ألا تحقق أيّ شيء ، مؤمنين بأنه لن يموت حقّ وراءه مطالب ، فمهما كثرت المستوطنات ومهما علا جدار الفصل العنصريّ ، ومهما كان الإيغال في الظلم والاعتقال والهدم والمصادرة فإن الشعب الفلسطيني موجود رغم أنف المحتلّ ، وإرادتنا هي الأقوى .
إن القيادة تنقاد لأصحابها من خلال الممارسة الفاعلة على جبهات النضال التي لا تهدأ إلا بتحقيق الأهداف ، لأن الوطنية الحقّة هي إيمان وممارسة وانتماء .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت