حماس وجدلية الحزب السياسي والمقاومة/عماد عبدالحميد الفالوجي

منذ سنوات ونحن نطرح أن للعمل السياسي منهجه ولغته وآلياته وكذلك عنوانه الرسمي وهياكله ورموزه ، وهذا ليس بدعة أو اختراع ولكن التجارب التي عايشتها كافة حركات التحرر في العالم والتطورات التي تعرضت لها جعلتها تدرك أن المقاومة هي في حقيقتها عمل سياسي ولتحقيق هدف سياسي بامتياز ، وليس شرطا أن يقطف المقاوم نتيجة عمله بشكل مباشر بل لابد من جهاز يمارس المقاومة على الأرض وجهاز آخر يتابع النتائج ويعمل على قطف ثمار فعل المقاومة دون تطرف أو تهميش لأهمية دور كل منها ، ولكن هناك من على الدوام يعتقد عكس ذلك ويضع كلا الأمرين في مربعين متناقضين لا مجال للجمع بينهما أو ممارسة كل منهما في ذات الوقت ، وكأنه يريد القول أن لا خيار سوى انتهاج مبدأ المقاومة والسياسة بذات الأشخاص وذات المؤسسات وفي هذا تناقض كبير لا يمكن تحقيقه أبدا كما أكدت التجارب .

إن طرح تشكيل الحزب السياسي العام – كجناح سياسي متخصص في هذا الجانب - لا يتناقض بالمطلق مع الجناح الآخر للحركة – الجناح العسكري أو الأمني – بل كلاهما جناحان يكمل بعضهما بعضا في خطة ورؤية متكاملة لا يطغى أحدهما على الآخر وفق منظومة فكرية محددة وهدف واضح المعالم ، لأن حركات التحرر أثناء عملها أمام مواجهة طرفين أحدهما الوعاء الذي يحتويه وهو الشعب الذي يمثله ويسعى لتحقيق كرامته وضمان صموده وتوفير كافة مستلزمات حياته من كافة الجوانب الثقافية والإنسانية والمعيشية وهذا لا يتوفر إلا من خلال بناء جسم سياسي ملتصق تماما بهموم شعبه وعنوانا آمنا وملاذا لهم ويجدونه بينهم في كل المناسبات ولا يسبب وجوده أي حرج أو خوف وهذه المواصفات لا يمكن إلا أن تكون للحزب السياسي العام المنفتح والمعلن أمام الشعب ، وأما الطرف الآخر المواجه لحركات التحرر فهو العدو الغاصب لأرضه المحتل والمتحكم في أملاك ومقدرات الشعب فهذا العدو يجب أن يدرك أن هناك جناحا عسكريا قويا موجودا بصورة من الصور وعلى أهبة الاستعداد الدائم لمواجهة أي اعتداء وقادر على الرد في حالة ارتكابه أي حماقة ضد شعبه ، هذان الطرفان الموجودان أمام حركات التحرر – الشعب والعدو – يجب أن ينالا كل طنهما الاهتمام حسب ما تقتضيه الضرورة دون تعدي أو تجاهل احتياجات حالة كل طرف منهما ، لأن الشعب في مرحلة ما من المراحل لا يريد عسكرة المجتمع ولا يريد أن تكون حياته كلها في حالة أمنية وعسكرية دائمة ومن حق الشعب أن يشعر بالراحة والاطمئنان والأمن والأمان المدني في بعض مراحله .

قبل اندلاع الانتفاضة المباركة الكبرى في ديسمبر 1987 لم يكن هناك حاجة لقرار لتشكيل جسم مقاوم باسم – حركة المقاومة الإسلامية حماس – مع وجود الجسم الأم وهي جماعة الإخوان المسلمين ، ولكن بعد اندلاع أحداث الانتفاضة وتصاعدها فرض الواقع ضرورة تشكيل جسم يتناسب وفعل الانتفاضة فكان القرار بالمشاركة في فعاليات الانتفاضة بشكل رسمي سببا مباشرا لتشكيل الجسم التنظيمي المناسب لهذا القرار لأنه لم يكن من الحكمة خوض غمار الانتفاضة تحت عنوان – جماعة الإخوان المسلمين – لعدم تناسب فكرة الجماعة واسمها مع تصاعد الاحداث ، فكان القرار بتشكيل حركة المقاومة الإسلامية ، واليوم عندما يكون القرار بخوض غمار العمل السياسي العام فهو يوازي في حجمه ومدلوله قرار الجماعة خوض غمار الانتفاضة المباركة ولذلك كان لابد من تشكيل الجسم المناسب للحدث المناسب وهو الحزب السياسي المكافيء للقرار السياسي ، والإبقاء على حركة حماس كجناح يمثل الجانب الأمني وذراعه العسكري كتائب القسام .

وهكذا يكتمل الهيكل التنظيمي للحركة بجناحيه المتكاملين دون تناقض أو تصادم بينهما ولعل أحد أهم أسباب الخلل القائم في الفعل السياسي على الأرض هو التداخل الواقع بين الفعل المقاوم والفعل السياسي ومحاولة سيطرة طرف على آخر في داخل الحركة الواحدة ، وهنا أجد أن حزب الله اللبناني استطاع بنجاح كبير أن يزاوج بين الجناحين بشكل يمكن الاستفادة منه حيث الجناح السياسي يمارس فعله على الأرض اللبنانية سواء في البرلمان اللبناني أو الحكومة وكذلك في كافة المجالات الحياتية في خدمة فكرة الحزب وتثبيت وتعزيز قوة حضوره الشعبي من خلال تواجده بين كافة فئات الشعب بينما جناحه العسكري المقاوم المتواجد في ساحات القتال المتقدمة تقوم بواجبها في صورة تكاملية ناجحة بامتياز ، وهذا ما دفع خصوم حزب الله أن يتعاملوا معه وفق برنامجه وهيكليته فلم يصنف حزب الله بكامل هيكليته كمنظمة إرهابية ولكن تم تصنيف جناحه العسكري فقط بالجناح الإرهابي دون الجناح السياسي .

وعندما نسمع أن هناك مشاورات جدية داخلية لحركة حماس حول ضرورة تشكيل الحزب السياسي فإن هذا خطوة في الاتجاه الصحيح للاستفادة من كل المتغيرات الداخلية والخارجية وتفعيلا حقيقيا لدور الحركة القادم في المجال السياسي الواسع خاصة وأن الأطراف الدولية ترحب بهذا الدور والمصلحة تقتضي استغلال هذه الظروف المواتية والداعمة لهذه الخطوة ، ولا يخشى منها من يعتقد أن هذه الخطوة قد تؤثر بشكل سلبي على أشكال المقاومة الأخرى بل ستكون تعزيزا لها ورفع العبء السياسي عنها ، ولكن هذا الفعل السياسي يجب أن يترافق بلوائح وأنظمة وقوانين تناسب الفعل السياسي المطلوب دون تعقيدات أو حسابات ولابد من الاستفادة من كل التجارب الإسلامية المحيطة وهي كثيرة بعضها نجح في إثبات ذاته وبعضها فشل ، ويجب دراسة كل التجارب لنتجنب أسباب الفشل والتمسك بأسباب النجاح بشكل علمي وموضوعي وعقلاني .
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت