في حكومة "نتنياهو" الأولى، وجه اليميني المتطرف "أرئيل شارون" - حين كان وزيراً للبنى التحتية في حكومة "نتنياهو"- الدعوة للمستوطنين لاحتلال التلال في الضفة الغربية، كي لا تعاد هذه التلال إلى الفلسطينيين، ومن ضمن عشرات البؤر الاستيطانية التي أقيمت، والتي اعتبرتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة غير قانونية، رغم أن هذه الحكومات هي التي مولت إقامتها، ومدتها بخدمات الطرق والماء والكهرباء، أقام المستوطنون عام 1999 بؤرة استيطانية أطلقوا عليها اسم "ميغرون"، تيمناً بقرية "ميغرون" في العهد القديم، والتي ذكرت مرتين في كتاب "التوراة"، وتقع هذه البؤرة على تلة في الضفة الغربية، على الطريق الالتفافي بعد بلدة مخماس الفلسطينية، وشرق بلدة برقة، وتعود الأرض التي أقيمت عليها البؤرة لمواطنين فلسطينيين من قريتي دير دبوان وبرقة، ويعيش في هذه البؤرة (50) عائلة استيطانية.
في عام 2006، تقدمت حركة السلام الآن، وحركة "يوجد قانون" الإسرائيليتان بالتماس باسم أصحاب الأرض إلى المحكمة العليا، بطلب إخلاء المكان وإعادة الأرض لأصحابها الفلسطينيين، وهدم المباني التي أقيمت عليها، ورداً على ذلك، وافقت النيابة العامة على إخلاء هذه البؤرة حتى نهاية عام 2007، معترفة بأن البؤرة أقيمت على أرض خاصة تعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين، فإسرائيل تعتبر الأراضي "الأميرية" "ملك دولة"، أي أنها لها، وتسمح بالسيطرة عليها، مع أن جميع الأراضي فلسطينية وللفلسطينيين إلا أن المستوطنين ادعوا بأن هذه ليست أرضاً خاصة، بل أراضي غائبين، وطالبوا بإعادة النظر في قرار المحكمة، غير أن رئيس مجلس المستوطنين، ربط بين المباني التي يقيمها الفلسطينيون مع مباني المستوطنين مدعياً بأن عدم فرض القانون إطلاقاً على البناء غير القانوني للفلسطينيين في مناطق "ج"، فإنه لن يكون ظلماً أكبر من هدم منازل اليهود على حد قوله، فالمستوطنون يرفضون الإذعان لقرار المحكمة، ويهددون بإسقاط "نتنياهو" عن الحكم، وهددوا بعدم التصويت لليكود في الانتخابات القادمة إذا لم يلغ قرار الإخلاء الذي تطالب المحكمة فيه بإخلاء هذه البؤرة الاستيطانية، فقد أصبح للمستوطنين قوة هائلة في مؤسسات حزب الليكود، تشكل هذه القوة أكثر من ثلث عدد أعضاء الحزب، ويستطيعون التأثير على الحكومة من الداخل، ويطالبون بإضفاء الشرعية على جميع البؤر الاستيطانية، والتدخل لتغيير قرار المحكمة.
بنظرنا .. فإن جميع المستوطنات التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، هي مستوطنات غير شرعية، بما في ذلك البؤر الاستيطانية، وسرقة الأراضي الفلسطينية تتعارض مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وجاء قرار محكمة "لاهاي" الدولية، التي نظرت بجدار الفصل العنصري، ليقر بعدم شرعيته، وعدم شرعية جميع المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية، كذلك اعتبرت المحكمة جميع الإجراءات والتغيرات في أراضي عام 1967 المحتلة غير قانونية ولاغية، وطالبت إسرائيل بدفع التعويضات للفلسطينيين الذين لحقت بهم الأضرار من هذه الإجراءات، ومن المعروف أن تنفيذ قرار محكمة "لاهاي" يحتاج إلى إقراره من قبل مجلس الأمن، ومجلس الأمن عاجز عن إقراره بسبب "الفيتو" الأميركي، غير أن الأمور لن تبقى على هذا الحال إلى الأبد.
الحكومة الإسرائيلية ما زالت تتفاوض مع نفسها بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتتفاوض مع الأحزاب المشاركة في الحكومة، ومع المستوطنين، وتتفاوض مع قوى الضغط التي تعتبر أرض فلسطين ملكاً للشعب اليهودي، ولا تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وقد وقع (130) حاخاماً طلباً رفعوه إلى المحكمة العليا لتغيير قرارها، وعدم إخلاء مستوطنة "ميغرون"، فعدم الثقة بالمحكمة العليا أخذت تتزايد بين جمهور الإسرائيليين المتطرفين، وبخاصة المؤسسات الحاخامية التي تريد تطبيق الشريعة على القوانين الإسرائيلية، وقد كلفت الحكومة الوزير "بنيامين بيغن" بالتوسط وإجراء مفاوضات مع المستوطنين، وعقد جلسات عديدة معهم ومع لوبياتهم لحل هذه القضية، واقترح عليهم نقل بؤرتهم الاستيطانية إلى بُعد كيلومترين من بؤرتهم الحالية، وبناء منازل جديدة لهم عليها، إلا أنهم اشترطوا التعهد بعدم هدم المنازل القائمة في بؤرتهم الحالية، بينما يقضي قرار المحكمة بهدمها، واشترطوا تواجداً مدنياً واسعاً في البؤرة بعد إخلائها، مثل إقامة مصانع عليها، وتواجداً عسكرياً، ومراكز سياحية، ومركز لانطلاق سيارات الإسعاف، ولاقطاً خلوياً لتحسين الالتقاط في حالات الطوارئ، ويهدف المستوطنون في الحقيقة لتحويل "ميغرون" إلى رمز لإضفاء الشرعية على ما يعرف بالبؤرة الاستيطانية غير القانونية.
في الحكومة، صادقت اللجنة الوزارية لشؤون الدستور والقانون والقضاء، على مشروع قانون جديد، يمنح امتيازات واسعة لتشجيع الاستيطان، ووفقاً للمشروع، تمنح ضريبة الدخل إعفاءات جديدة بنسبة تصل إلى 35% من المتبرعين، من أجل الإعمار والاستيطان، مما يعطي هذه الامتيازات للمنظمات والشركات الداعمة للاستيطان، بهدف تشجيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ومشروع قانون آخر قدم إلى الكنيست يمنع أصحاب الأرض من الفلسطينيين من المطالبة باسترجاع أراضيهم والمطالبة بها، إذا مر على وضع اليد عليها أربع سنوات قبل سرقة المستوطنين لها، دون مطالبة أصحابها بها، وهدف هذا المشروع لتجاوز تكرار ما يحدث لبؤرة "ميغرون"، فإسرائيل التي تدعي بأنها دولة قانون، فإن مواقف وتصريحات عدد من وزرائها تساند المستوطنين وتنتقد قرار المحكمة إخلاء هذه البؤرة، فهناك ألاعيب قضائية تجري لتجاوز قرار المحكمة، وصلت إلى تعيين رئيس المحكمة العليا من المستوطنين، وهو يقيم في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، وهو القاضي "آشر غرونس" لتصبح قراراته منسجمة مع المتطلبات الاستيطانية، فالاتفاقات التي يجريها الوزير "بيغن" مع المستوطنين تعتبر إهانة لقرار المحكمة، وما يسمى بالديمقراطية ودولة القانون المزعومة، وأن أي اتفاق يجريه يجعل من المحكمة "مضحكة"، ويمنح جائزة تقدم للمستوطنين المعتدين على الأراضي الفلسطينية، فرئيس الوزراء "نتنياهو"- وهو في طريقه للولايات المتحدة، لبحث العدوان على إيران- دعا إيران للاستجابة لقرارات المجتمع الدولي، والسؤال: هل أذعن "نتنياهو" واستجاب لقرارات المجتمع الدولي الكثيرة بالنسبة لوقف الاستيطان، والتجاوب مع هذه القرارات لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق السلام في هذه المنطقة؟ ثم لماذا لا يتحدث عن النووي الإسرائيلي واستمرار سياسة الغموض بخصوصه؟
التاريخ : 7/3/2012
المقال الأسبوعي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت