وتطمئن قلوب المؤمنين كذلك بالصلاة ، فهاهو رجلٌ من خزاعة من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " صليت فاسترحت " رضي الله عنه .
فقد أخرج أبو داود في سننه وصححه الألباني رحمه الله ، ورواه كذلك الطبراني في المعجم الكبير وأبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار قال أبو داود :حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ - قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ - : ( لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ ) فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا " .
أيها الناس ، يا عباد الله :
* الصلاة مقياسٌ صحيح لقرب العبد من الله أو بعده عنه ، ولهذا أوصى الله عزوجل نبيه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في معرض الدعاء إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به فقال في سورة العلق الآية التاسعة عشرة : { كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } .
قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : ( .. وقوله: { كَلا لا تُطِعْهُ } يعني: يا محمد، لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها، وصلِّ حيث شئت ولا تُبالِه ؛ فإن الله حافظك وناصرك، وهو يعصمك من الناس، { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } كما ثبت في الصحيح -عند مسلم-من طريق عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غزية، عن سُمَيّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" ) اهـ .
* الصلاة عدةٌ المؤمنين في كل الأحوال : قال جل وعلا في سورة البقرة : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) }.
قال الإمام السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ( أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور { وَإِنَّهَا } أي: الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها، منشرحا صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.
والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته، وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه، ذلا وافتقارا، وإيمانا به وبلقائه. ولهذا قال: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون { أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه. ) اهـ .
إخوة الإسلام والإيمان : قال الإمام ابن القيم في كتابه في ( الصلاة وحكم تاركها وسياق صلاة النبي من حين كان يكبر إلى أن يفرغ منها ) : ( وليس من كانت الصلاة ربيعا لقلبه وحياة له وراحة وقرة لعينه وجلاء لحزنه وذهابا لهمه وغمه ومفزعا له إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه وقيد لجوارحه وتكليف له وثقل عليه فهي كبيرة على هذا وقرة عين وراحة لذلك قال تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) 2 سورة البقرة / الآيتان 45 و 46 فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه فإن حضور العبد في الصلاة وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله قال الإمام احمد في رواية مهنا بن يحيى : ( إنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة ) فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر أن تلقى الله عز و جل ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك طبقات الحنابلة 1 / 354 وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضان السوء قد امتلأت ارجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان وكشف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الاسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الاعظم وتفرد الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله فاجتمع همه على الله وقرت عينه به واحسن بقربه من الله قربا لا نظير له ففرغ قلبه له واقبل عليه بكليته وهذا الاقبال منه بين اقبالين من ربه فإنه سبحانه اقبل عليه اولا فانجذب قلبه إليه بإقباله فلما اقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر اتم من الأول ) اهـ .
الصلاة الصلاة هي عنوان الإسلام ، وقاعدة الإيمان ، وهي البرهان على الصلة الوثيقة بالله تعالى ، ولا يحافظ عليها إلا مؤمن ولا يضيعها إلا منافق .
أخرج البيهقي في سننه الكبرى قال : اخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنبأ محمد بن احمد أبو بكر بن خنب البغدادي ثنا يحيى بن ابي طالب انبأ زيد بن الحباب ثنا الحسين بن واقد ثنا عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر * وفي حديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقي سواء وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة * وعن علي رضي الله عنه من لم يصل فهو كافر * وعن عبد الله بن مسعود من لم يصل فلا دين له ) اهـ .
فيا عباد الله ، يا أهل الإسلام :الدنيا مهما طال أمدها ،وزاد مددها ، وصفا ماؤها ، وبرد هواؤها، وأينعت زهرتها ، إنما هي دار الارتحال والفناء ، والبصير اللبيب فيها من أخذ بحاجته من حلالها ولو مازجته مرارةٌ ، ولم يلتفت إلى الحرام فحلاوته كاذبةٌ غَرَّارَة ، يا إخوتاه : فلنتأهب للرحيل قبل حلوله ، ولنستعد للموت قبل نزوله ، ، ولنشمر عن ساق الاجتهاد والعمل ، قبل أن يُنَادى بنا ونساقَ للركوب فلا مَهَل ، فإن رواحل الموت قد أنيخت بالأبواب ، وإن الآخرة قد جهزت بجهازها من الثواب والعقاب ، فلا يجدينا اعتذارٌ ولا ينفَعُنَا عتاب ، ولن ينصرنا من دون الله الأهلون ولا الأصحاب ، بهذا جاءت السُّنَّة ونطق الكتاب .
إخوة الإسلام ، يا أهل فلسطين : ما أحرانا أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،فهؤلاء لهم البشرى ، وأما أنتم يا من ألهته آماله ، وأغرته أعماله ، وأعجبه مقاله ، فعمي هو عنه حالُه ، كيف بكم وقد زال ملككم وسُلِبْتُم أملاككم ؟! ..كيف بكم وقد نزل مما بكم ما ينزل ببابكم ؟!..وما يُسْتَقْبَلُ إنه والله لهو الأدهى والأمر مما بكم ، يوم تقوم الساعة ، إذ تنشر صحائف الأعمال ، وتحشر حفاةً عراةً غرلاً النساء والرجال ، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ...البدار البدار ، والتوبة التوبة ، قبل فوات الأعمال ، وانقطاع الآمال ، وانقضاء الآجال ، أيها القوم : أحلوا ما أحل الله لا ما أحللتم ، وحرموا ما حرم الله لا ما حرمتم ، صلوا الأرحام المقطوعة ، وأجروا الأرزاق الممنوعة ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ، لا تتشبعوا بما لم تُعْطَوا فالمتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور أوفوا بما نقضتم من العقود ، وأحسنوا بما أسأتم من العهود ، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " وإن حسن العهد من الإيمان " ، وقروا الكبير ، وارحموا الصغير ، وأغنوا الفقير ، واجبروا الكسير ، وفكوا الأسير ، والله الله نسأله أن يهدينا ويهديكم.
يا عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال : {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وآله الطاهرين المطهرين ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي –،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت