العدوان على غزة وفلسطين وذكرى الشهيد القائد ابو العباس/ عباس الجمعة


العدوان على غزة تزامن مع الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الوطني والقومي الكبير الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس، ومع ذكرى عملية الشهيد كمال عدوان التي قادتها البطلة الشهيد دلال المغربي ، ومع ذكرى عملية الطيران الشراعي التي نفذها ابطال جبهة التحرير الفلسطينية عام 1981 عملية الشهيد كمال جنبلاط ونحن غرقى في بركة الانقسام ، وفي مرحلة العدوان الإسرائيلي على غزة، غزة الصمود الذي أفشلت بصمودها الكثير من أهداف العدوان قبل ثلاثة اعوام،ويبقى علينا جميعاً إفشال أهداف هذا العدوان السياسية، وفي مقدمتها تكريس الانقسام السياسي، وتمزيق وحدانية وشرعية التمثيل السياسي الواحد، وصولاً لضرب المشروع الوطني الفلسطيني ممثلاً بتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق اللاجئين في العودة لديارهم.

من هنا نقول ان الشهيد القائد ابو العباس وشهداء غزة وفلسطين الساكنين في وجداننا، الغائبون عنا الموجودين بيننا، ينادون اليوم كفاكم خلاف على الموقع القيادي الفئوي او الشخصي ،واليوم يدرك الإنسان إن مشروعنا الوطني التحرري والديمقراطي، يتعرض للتهديد، وممثلنا الشرعي والوحيد وكياننا السياسي م.ت.ف،تتعرض للتفكك، هذه القضايا الكبرى، قضايا الوطن والشعب، دفع الشهيد القائد ابو العباس وشهداء فلسطين من اجلها حياتهم وجهدهم ، ونقول للعابثين بها، الشعب وقواه الحية لن يقبلوا من أحد المتاجرة بهم أكان ذلك باسم التاريخ او الدين أو غيرهما.

وعليه ان القائد الكبير أبو العباس كانت بوصلته السياسية نحو فلسطين وعاصمتها القدس، وحق شعبها بالحرية والاستقلال، وحافظ على الوحدة الوطنية في مجابهة التناقض الأساس مع الاحتلال، كما كل الشهداء القادة بالرغم من أية خلافات أو اختلافات سياسية ، وحرص على صون م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في مختلف المراحل. وعلى التصدي السياسي لكل محاولات المساس بها أو الانتقاص من دورها، أو خلق بدائل عنها.

ان كلمة الرئيس الأمريكي، أوباما، في مؤتمر"ايباك"، شكلت مربط فرس الهدف الإسرائيلي في العدوان على غزة ، وفي استخدام القيادة الإسرائيلية ونظامها التوسعي العدواني، من خلال التلويح بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وسيلةً لتحقيق أهداف سياسية إستراتيجية وأخرى تكتيكية مترابطة، وهذا بكل تأكيد هدف إستراتيجي غير مباشر، ويتمثل في إبقاء إيران وملفها النووي الشغل الشاغل للعالم، بغرض تهميش الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وقضايا الصراع العربي الصهيوني عموما، وصرف الأنظار عما ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وأرضه من عمليات اعتداء وتهويد واستيطان ممنهجة متصاعدة ومتمادية ، ما دامت إسرائيل النظام، بدعم وغطاء أمريكيين ثابتين، ترفض أي شكل من أشكال التسوية السياسية، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس الرؤية الإسرائيلية واشتراطاتها التعجيزية، وبذلك حققت حكومة نتنياهو العنصرية ما أرادت ، بل، وأكثر مما أراد، ليس فقط من خلال عدم وضع الملف الفلسطيني على جدول أعمال أوباما، بل، أيضا من خلال عدم التطرق إليه بتاتاً، وكأنه غير موجود أصلاً، وبذلك فأن هذا الامر ينطوي عليه من عربدات أمريكية إسرائيلية جديدة متوقعة ومرجحة، هي، وإن كانت إيران في عين عاصفتها المباشرة، إلا أنها تهدد أمن واستقرار ومستقبل المنطقة برمتها.

لهذا السبب يجب ان لا نعول على موقف الولايات المتحدة الأميركية التي سارع رئيسها أوباما إلى القول بأن أميركا لن تتردد بوضع الفيتو أثناء التصويت على القرار وقف الاستيطان وكذلك حيث قاد بنفسه الحملة الدبلوماسية والضغوطات على حكومات الدول لعدم التصويت لصالح عضوية فلسطين. مما يعني أن الإدارة الأميركية أيضاً ومنذ عهد بوش الأب، والابن والحالي، الى عهد اوباما كان حديثهم عن الدولة الفلسطينية فقط للاستهلاك السياسي ولتوظيفه في خدمة المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الأميركية للأمن القومي.

أن العدوان الصهيوني المجرم المتجدد والذي توسع باستهدافه والذي ادى الى اغتيال أكثر من ثلاثة وعشرون شهيداً وجرح العشرات، يأتي استمراراً لسياسة إرهاب الدولة التي يمارسها الكيان الصهيوني وتجسيداً للتهديدات الإسرائيلية التي استهدفت تعطيل مسيرة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويأتي في هذه اللحظة بالذات ليوجه رسالة لا لُبس فيها ترد وتستبق ما يتردد عن تقديم رسالة من قيادة السلطة بمضامين ما تسميه الحل السياسي المقبول.
ان هذا العدوان المجرم يتطلب الإسراع في تطبيق اتفاقات القاهرة الأخيرة لتنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، والرد على هذا العدوان من خلال رسم استراتيجية وطنية تستند الى تعزيز مقومات الصمود والمقاومة للشعب كله.

وفي ظل كل هذه التحديات التي تنتظر القمة العربية في العراق، لم تعد تكفي بيانات الشجب والإدانة التي تصدر عن الجامعة العربية و المجتمع الدولي، مع كل عدوان جديد تجدد حكومة الاحتلال وجهها الحقيقي رمزا للعدوان.
ان من يراهن على الربيع العربي، نقول بكل وضوح أزاح القضية الفلسطينية إلى الخلف، ما نريد قوله أن العملية الثورية لا تنتهي بإسقاط رموز النظام. الأصعب هو بناء النظام الجديد على أنقاض القديم، وهذا لا يتم ، وهو ما استغرقته مرحلة إسقاط النظام. سيرورة الثورة معرضة دائماً لدخول القوى النقيضة لها على مسارها لتحرفها وفقاً لمقتضيات ومصالح المعطل والمحرف لمسارها، ونعني هنا بصريح العبارة العامل الأميركي المهيمن، والدول الاستعمارية الملتحقة بها، كالقاطرات التي يجرها قطار واحد، وذلك وفق مبدأ توزيع المغانم المكتسبة من النهب المنظم للثروات الوطنية للشعوب، وإقامة القواعد العسكرية لحماية وضمان تدفق الثروات من النفط والغاز وغيرها إلى داخل البلدان الاستعمارية، كما أن التغيير والثورة التي تنطلق باسم الديمقراطية، والحرية والعدالة الاجتماعية يصنعها الشعب، ولا تكون بالتدخل الخارجي على حساب سيادة الدول، وحرية الوطن، وكذلك فأن استبدال هيمنة طائفية أو مذهبية بهيمنة طائفة أو مذهب آخر لا يمت إلى الديمقراطية، والحرية بصلة، ولذا رأينا إن هيمنة بعض ما يسمى الاسلام السياسي ، ووضع سلوكيات وشعائر مذهبية على أساس أنها المرجع للقوانين والدساتير في النظام الجديد، أو المولود المرتقب، يعيدنا إلى المربع الأول.

وامام التحولات العربية بدأنا نسمع أحياناً تصاريح لقيادات في حماس حول التموضع الجديد وعناوين الاستراتيجية الجديدة للسلطة ومنظمة التحرير، فهل سيجري الانتقال إلى صيغة جديدة على ارضية الانتظار لما يدور في البلدان العربية، بينما تزداد محاولات اقتحام المسجد الأقصى والاستفزازات المتكررة من قبل المستوطنيين الصهاينة للقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة وتصاعد العدوان على غزة ، حيث ندرك جيداً أن مواقف القيادات العربية لا تتعدى الاستنكار وبيانات التنديد، ومن هنا يجب قراءة المعطيات الأولية على صعيد المشهد الفلسطيني ورؤية حماس بشأن اتفاق المصالحة والانتخابات الفلسطينية برأينا كممارسة ديمقراطية لن تأخذ طريقها لأنها لا تجري في ظروف عادية وطبيعية في المنطقة،وذلك لعدم توفر ظروفها وشروطها الذاتية والموضوعية نظراً للصعوبات التي ذكرناها في الداخل الفلسطيني،وقبل أن ينجلي غبار الصراع المحتدم في المشهد العربي وتتوضح مساراته وتداعياته ليس على القضية الفلسطينية فحسب بل على قضايا المنطقة برمتها.

ولم يكترث الى ما يجري من عدوان على شعبنا ، أو توسيع مستوطناتها على الأرض المحتلة، بنفس الوقت لاتزال تطرح الأسئلة حول مستقبلها مع النظم الجديدة ، نأمل ان تشكل في ردها ادانة هذا العدوان والقيام بواجبها القومي عبر إجراءات ملموسة في مواجهته وفي دعم صمود شعبنا ومطالبة كل دول العالم وشعوبها والمؤسسات الدولية عموماً بإدانة العدوان الصهيوني وملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة.

وامام كل ذلك يأتي هذا العدوان متزامنا مع ذكرى عمليات بطولية قامت ضد العدو الصهيوني قبل 34 عاما في قلب فلسطين المحتلة، حين قامت مجموعة فدائية بقيادة البطلة دلال محمد المغربي بالإنزال على شواطئ فلسطين المحتلة، وقاموا باختطاف حافلة إسرائيلية تقل جنوداً، ووسط مطاردات قوات الاحتلال بالمصفحات و بالمروحيات الحربية، كان علم فلسطين يرفرف على مقدمة الحافلة، في مشهد ملحمي مفاجئ للإسرائيليين.

ولتنتهي المعركة الأولى في داخل أراضي فلسطين المحتلة لتكتشف القوات الإسرائيلية أن قائد المجموعة، فتاة، بعد أن عراها قائد الوحدة الصهيونية حيث سطرت الشهيدة دلال المغربي بطولة نادرة هي وابطال المجموعة ولترفع راية الثورة حيث أقامت الجمهورية الفلسطينية ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة، على طريق طوله (95)كم في الخط الرئيسي في فلسطين،لكنها استطاعت دلال المغربي أن تقيم دولة فلسطين على أرض الواقع وتستشهد فيها كما تمنت.
فقد شكلت عملية الطيران الشراعي لجبهة التحرير الفلسطينية عملية الشهيد القائد كمال جنبلاط عام 1981 ضربة عنيفة للكيان الاسرائيلي وضربت أروع نماذج الصمود والجرأة في الأوقات الصعبة .

وفي ظل هذه الاوضاع لا زالت الاسيرة هناء الشلبي تتمتع بمعنويات عالية وروح صلبة في اليوم وهذا يتطلب استمرار التضامن مع هذه المناضلة الثائرة ومطالبة العالم للتدخل من اجل الحفاظ على حياة الاسيرة هناء الشلبي والإفراج الفوري عنها دون قيد او شرط.

وهنا نتساءل الى متى يبقى النظام الرسمي العربي ومعه المجتمع الدولي وهيئات حقوق الإنسان صامتين أمام هذا التمادي الإجرامي والإرهابي ضد شعب فلسطين، سواء في غزة أو القدس أو على امتداد الأرض الفلسطينية.
وعلى هذه الارضية نطالب كل القوى الحية في الأمة والعالم إلى التحرك في مساندة شعبنا الفلسطيني وللاقتصاص من المجرمين ، وكلنا ثقة أن قوافل الشهداء في فلسطين ستعبد طريق الحرية والكرامة لوطنهم ومقدساتهم.

ختاما : لم يبق امام الشعب الفلسطيني إلا خيار واحد تثوير منظمة التحرير وإعادة تفعيلها في ظل متغيرات تاريخية تحدث وأن استخلاص العبر من المرحلة السابقة ووضع مشروع استراتيجي هي المهمة الأساس أمام الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت