الذل مقابل الكهرباء/محمد محي الدين الجرو


تماما وككل مرة تماما وكعادة من اعتادوا المهانة من اعتادوا أن ينسوا دموع الأم الثكلى والأرملة والأطفال اليتامى، تماما كعادة من امتهنوا التجارة.. وأي تجارة.. تجارة بدم الشعب هذا الشعب الذي تكالبت عليه قادته تكالبت عليه أبناء جلدته.
ككل مرة وكأنها مسرحية هزليه التأليف والإخراج وبكل التفاهة نخرج للقول بأنها أخذت جائزة الأوسكار، نكذب على أنفسنا وحتى إننا لا نتقن فن الكذب فأي أوسكار لأي مسرحية أي نصر لأي معركة أي رعب لأي معادلة.
منذ يوم الجمعة الماضي وحين أقدمت دولة الاحتلال على اغتيال القائد العام للجان المقاومة الشعبية زهير القيسي، معلنه بذلك انتهاء فصل جديد من فصول التهدئة المجانية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، توعدت فصائل المقاومة الفلسطينية على اختلافها بالرد على جريمة الاحتلال والثأر لهذا القائد، فأعلن النفير العام وبدأت الصواريخ الفلسطينية تمطر دولة الاحتلال بأعداد كبيرة ومناطق مختلفة فتصاعدت وتيرة التحدي ما بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية وتصاعدت وتيرة الاغتيالات لقادة الفصائل، فارتفع عدد الشهداء وتزايد مع كل يوم بل مع كل ساعة ناهيك عن الإصابات، حينها أصر الشعب والفصائل على الثأر لكل قطرة دم نزفت لكل جريح وشهيد لكل أم، فاستمر التحدي.

على الجانب الأخر هلعت القيادة السياسية "أطال الله في عمرها" إلى إجراء الاتصالات على جميع المستويات لوقف العدوان وقيل "العنف" على الشعب الفلسطيني والعمل جاهدين في إبرام هدنه مع الجانب الإسرائيلي كالعادة، فأخذوا يلهثوا وراء أي طرف بإمكانه أن يعيد الأمور إلى نصابها إلى حالة المهادنة والذل للشعب، ونسوا أو تناسوا دماء الشعب التي سالت التي روت ثرا هذا الوطن، ضاربه بعرض الحائط كل اعتبار لكل شهيد لكل جريح، ضاربه عرض الحائط كرامة هذا الشعب كرامه هذه القضية.

كل مرة وعلى مدار سنوات يكون هناك اتفاق هدنه غير معلن بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وفي كل مرة يقدم الاحتلال على خرقها حين يجد فريسة دسمه او قائد كبير من المقامة فيسارعون باغتياله دون أن يضعوا أي اعتبار لأي هدنه لأن ما يهمهم هو مصلحة بلادهم "إسرائيل" فوق أي شئ ومهما كلف الأمر، ولأنهم يوقنون أشد اليقين بأن مهما كان هناك مواجهة فستنتهي قريبا جدا دون أن تحقق أي خسائر فادحة أو أرواح، وسنتهافت نحن كطرف فلسطيني ونستجدي العالم كي تكف إسرائيل عن عدوانها على غزة.
الآن وقد أصبحت "ديتنا" معروفه لدى حكومة الاحتلال وكما يقول المثل "اللي بتعرف ديتو اقتلوا" فالاحتلال الإسرائيلي أصبح أكثر من مجرد عارف بثمن أي اغتيال أو عدوان علينا أقصد على غزة تحديداً... ألا وهي الهدنة بأي ثمن كان.
واليوم كان ككل مرة لم يكن ثمن أكثر من عشرين شهيدا إلا لهاثا وراء الهدنة واستجداء من الشقيقة مصر لوقف العدوان، والانكى من ذلك الاتفاق الجديد على أن تكون الهدنة هذه المرة مقابل الكهرباء، فبذلك ولله الحمد والشكر بيعت "كرامتنا" ودماء شهدائنا مقابل "الكهرباء".
كل ذلك ما هو إلا حلقة جديدة من سلسلة كيف تسوق وطنك ليأتي لك بأفضل الأسعار، كل ما سبق هو خزي وعار بكل المعاني، لكن العار الأكبر أن تخرج إحدى الفصائل بمسيرات حاشدة وتقول "انتصرنا".
انتصرنا بماذا !!! انتصرنا بأننا بعنا كرامتنا بأزهد الأثمان، أم انتصرنا بأننا لم نقتل ولا مستوطن واحد مقابل أكثر من عشرين شهيداً، أين هو ميزان الرعب الذي تعادل كما كانت تهتف الشعارات.
لا أريد أن أطيل لا أريد أن أتحدث فكل ما في وطني يتحدث أفضل مني أسألوا أما ثكلى أو طفل يتيم فدموع كليهما أبلغ من أي عبارة.
شعبنا لن يقبل الاستكانة لن يقبل الذل والمهانة لن يقبل أن يكن أضحوكة هذا العالم، فأنتم يا قادة وطني أثبتم وبعده مواقف وتجارب أنكم لستم قادة وطن بل تجار وطن تجار كل باسمه ولقبه ومرتبته ونسبة ربحه التي مهما كانت كبيرة هل وضيعة اتجاه تضحيات وآهات وويلات ونضالات هذا الشعب الأكرم منكم جميعاً
فيا قادة هذا الشعب سأختصر قولي بمقطع من قصيدة للشاعر "أمل دنقل" ولا أظنني تعرفوه فما يقول صعب على أمثالكم فهمه وان فهمتموه يصعب على من باع كرامته العمل به.
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ ..؟
وكيف تصير المليكَ ..
على أوجهِ البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف ؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم - الآن - صار وسامًا وشارة
لا تصالح ...ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك : سيفٌ
وسيفك : زيفٌ
إذا لم تزنْ - بذؤابته - لحظاتِ الشرف
واستطبت حياة الترف

ملاحظة// هذا السيناريو دائما قابل لإعادة التمثيل والتصوير في أي وقت وفي نفس المكان.
محمد محي الدين الجرو
كاتب فلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت