احترمك فاشلاً، يا قائد فلسطين/د. فايز أبو شمالة

بعد أن وقع أبو علاء قريع على اتفاقية باريس الاقتصادية مع شمعون بيرس، وقف الرجلان على الشباك يتبادلان الابتسامات والتهنئة بانجاز الاتفاقية التي حكمت العلاقة الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حتى يومنا هذا، قال شمعون بيرس: يصادف اليوم عيد ميلادي السبعين، فقال له القائد أبو علاء قريع: كل عام وأنت بخير، واعتبر اتفاقية باريس الاقتصادية هديتي الشخصية إليك بمناسبة عيد ميلادك!.

لا داعي للتذكير بمجهود أبو علاء قريع في بناء الجدار اليهودي العازل في الضفة الغربية، وكيف استورد الاسمنت المصري رخيص الثمن، بحجة إعادة بناء ما دمره الاحتلال، ليصل إلى بناة الجدار، وفق تقرير المجلس التشريعي في حينه. إن مقالي هذا لا يهدف إلى مهاجمة القائد أبو علاء قريع، وتسليط الضوء على الفرد دون الانتباه لكل القيادة الفلسطينية التي مثل أبو علاء قريع رأس حربتها لأربعين سنة ونيف، لقد تصرف القائد وفق منظومة قيادية، عبر عن فشل رؤيتها مقال أبو علاء قريع المنشور في صحيفة القدس العربي، حيث أزاح الستار عن فشل مسيرة سياسية استمرت عشرين عاماً.

فمن الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذا المستوى من الفشل والخذلان والغدر؟ من الذي يتحمل مسئولية القرار الذي أوصل قضية شعب إلى هذا المستوى من التسول لكسرة خبز في آخر الشهر؟ ألم يكن يدري أبو علاء قريع أن الاتفاق الاقتصادي الذي وقعه مع صديقه شمعون بيرس سيلحق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، لينتظر رحمته وهو يستدين الرواتب من البنوك بفوائد بنكية خيالية، مع تداول فكرة تخفيض رواتب الموظفين؟.

ألم يدرك قادة فلسطين أنه كانوا يكذبون على الشعب الفلسطيني من لحظة توقيعهم على اتفاقية "أوسلو" التي نصت رسمياً على قيام سلطة فلسطينية فقط، فإذا بالقيادة تكذب على الشعب وتقول: سلطة وطنية فلسطينية؟!
ألم تكن تدري القيادة وهي تتسلم سلاحها المختوم من المخابرات الإسرائيلية أن قوات الأمن الفلسطينية ستأتمر بأمر المخابرات الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن المال الذي تنفقه أمريكا وإسرائيل على الأجهزة الأمنية يهدف على سحق المقاومين؟

ألم تكن تعلم القيادة وهي توافق على تقسم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مناطق ألف وباء وجيم، أنها تتخلى عن 60% من أراضي الضفة الغربية؟
ألم تكن تدرك القيادة أن تواصل الاستيطان لخمسة عشر عاماً مع تواصل المفاوضات يعتبر تغطية شرعية فلسطينية لاغتصاب فلسطين، ومضاعفة عدد المستوطنين عدة مرات؟
ألم تكن تدرك القيادة أن التخلي عن الأسرى في السجون الإسرائيلية حتى يومنا هذا يمثل خيانة عظمى للشعب الفلسطيني؟.

ألم تدرك القيادة أن هؤلاء الذين صاروا يمتلكون ملايين الدولارات هم رجالها، وما صاروا أغنياء إلا بموافقة المخابرات الإسرائيلية وتوجيهاتها؟.

فكيف تستغرب القيادة بعد كل ما سبق أن تصل إلى النتائج التي وصلت إليها؟ إن كل إنسان فلسطيني بسيط توقع النتيجة، وتوقع أن يخرج الأكثر تأففاً من القيادة، ويعلن عن فشل السلطة، بل ويسعى لأن يجد ظهر عريضاً يحمله مسئولية الفشل.

احترمك يا أبا علاء قريع كثيراً، لأنك تجرأت وقلت الحقيقة التي يحاول زملاؤك القادة إخفاءها حتى الآن، احترمك لأن منظر القدس المحاصرة هز شيخوختك، ونفض غبار المال الهزيل، والملل الحزين عن جسدك، ولكن لا يكفي أن يقول السيد قريع: إننا فشلنا، أو تعمدت إسرائيل إفشالنا، يجب أن يقول: نحن الذين أفشلنا قضية شعبنا، لقد دمرنا قضية أمتنا، وخربنا بيت الفلسطينيين، يجب أن يقدم أبو علاء قريع نفسه، وزملائه في القيادة إلى محكمة الشعب، لتتم محاسبتهم جميعاً على ما اقترفوه من خطيئة بحق الشعب الفلسطيني.

يجب ألا تحاسب القيادة الفلسطينية بتهمة الفشل، وسوء التقدير، والارتجال في القرارات المصيرية، وسوء التخطيط والتنفيذ، يجب أن تحاسب القيادة الفلسطينية بالتآمر على الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، وتدمير قدرته القتالية، وتمزيق نسيجه الوطني، يجب محاكمة القيادة الفلسطينية بتهمة إغماض العين عن الاستيطان اليهودي، والتغطية على حصار القدس، والصمت على تهويد المسجد الأقصى، وإهدار الموارد، وتدمير مصير الأجيال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت