وقد خسر اليهود يومها معركة فلسطين وانقلبوا على اعقابهم خاسرين، ثم دخلوها بعد اربعين عاماً من التيه مع يوشع بن نون، وأقاموا دويلتين (يهودا والسامرة) دويلة بالقدس ودويلة بنابلس، ولم يستمر وجودهم بها لأكثر من ثمانين عاماً، وخرجوا منها خاسرين مشتتين مسبيين لأنهم عقروها ولم يقدروا قيمتها الحقيقية. وما احوجنا اليوم لنحول ما كتبنا عن يوم الأرض من معانٍ وأسماء وشعارات الى ورشٍ عملية على أرض الواقع، ونهب هبة رجل واحد، وننتفض بكل فعالياتنا الشعبية والمهنية والطلابية والعمالية والنسوية انتصاراً لتلك الأرض وتلبية لنداء الغوث المخنوق والمنبعث منها ومن قلبها النابض القدس الشريف. ما احوجنا الى تذكير العالم والكون وبشكل مستمر بحقنا في هذه الأرض بالوسائل التي تحفظ بقاءنا عليها، والتي لا يتمناها العدو الذي يريد جرنا لمعركة هو الأقوى فيها. ما احوجنا الى انتفاضة سلمية شعبية حضارية من اجل الأرض. وما احوجنا الى تقديم المزيد من الشهداء في سبيل الله.
ولا بد لنا أن نستذكر ونتدبر معاني الآية الكريمة، "قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها" كان الصهاينة جبناء كعادتهم وما زالوا جبناء، وكما ترسخ الجبن في جيناتهم الوراثية، لا يحبون المواجهة الا من خلف جدر، لذلك لا بد لنا أن نستنتج ونستقريء من الآية المعاني والعبر، ففي ظل هذه الأجواء من الصمت الدولي المطبق، والعجز العربي المحبط، والوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه المؤلم، وما يحدث من تسارع محموم في سرقة وتهويد الأراضي وخاصة في القدس الشريف، يكشف لنا هذا الفعل عودة الصهاينة الى اجترار أطماعهم واحلامهم القديمة المتجددة في أرض فلسطين كلها من البحر الى النهر. ولن يتحقق لهم ذلك الا اذا اخرجونا منها ليستدعوا ما تبقى من شتاتهم من الصهاينة الجبناء والمنتشرين في جميع انحاء العالم والذين ينتظرون خروجنا منها ليعودوا الى أرض الميعاد كواجب ديني مقدس على كل يهودي في عرفهم المتصهين.
وإن السياسات اليومية في مصادرة الأراضي وقطع الأرزاق من قلع للمزروعات وتخريب ونهب ومصادرة بلا وجه حق للأرض وما يمارس على شعبنا من حصار اقتصادي، تلك السياسات التي يمارسها العدو على شعبنا في فلسطين التاريخية، كلها تصب في هدف واحد هو تفريغ الأرض من ساكنيها وتهجيرهم طلباً للقمة العيش لكي يحققوا حلمهم. ومن هنا لا بد وأن نرسخ في أذهانهم أننا قوم جبارون، وما زلنا الجبارين في الأرض المقدسة، وما دام هذا الفهم يعشعش في عقولهم فلن يصلوا الى ما يهدفون اليه ولن يستدرجوا ويستقطبوا اليها المزيد من المهاجرين. ولن يتحقق ذلك الا بتمسكنا بالأرض والدفاع عنها بكل ما اوتينا من سبل، ولن يضيع حق وراءه مطالب، لذلك لا بد لنا من إعلان رفضنا للعالم أجمع لهذه السياسات العنصرية. وخير قدوة لنا ومنارة هادية هي هبة وانتفاضة أهلنا وأحبائنا من فلسطيني الثمانية والأربعين الذين واجهوا بصدورهم تلك السياسات الرامية الى تفريغ الأرض من الفلسطينيين ليخلوا لهم الجو. وكان أهلنا عند حسن الظن بهم ، وكانوا الجبارين، وهبوا ودافعوا وقدموا الشهداء الأبرار وصمدوا من أجل الأرض، وأحبطوا طموحات الصهاينة. وحفظوا للأرض هويتها العربية الفلسطينية. وما زالت الكوفية الفلسطينية ترفرف بالجليل وحيفا ويافا وعكا واللد والرملة وصفد والناصرة. لذلك يجب علينا كشعب فلسطين واينما تواجدنا على ثرى فلسطين أن نستمر في إشعارهم بعدم الراحة والإطمئنان على تلك الأرض. وأن نظل في حالة رباط مستمرة. نرابط عليها مستخدمين كل الوسائل المتاحة لنا في التعبير عن حقنا المشروع حتى يتحقق الحلم.
حيفا ويافا ثم عكا والشَّفا والكرمل العالي تجلّى شامخا
لدٌّ ورملةُ ثم صفدٌ مثلما قدسٌ أريحا والخليل من الأُلى
وفي عهد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ثبت الله هوية فلسطين للمسلمين والمؤمنين برسالاته السماوية، وصبغ هويتها بالإسلام، والإسلام هنا يعني ويشمل كل من آمن بالرسالات السماوية الحقة بدون تحريف أو تأويل حسب الأهواء البشرية وغرائزها، على اختلافها في التسميات الوضعية من (يهودية الى مسيحية الى اسلامية) وبغض النظر عما فرَّعه العباد من تسميات لطوائف وفئات لتلك الديانات التوحيدية، حيث قال تعالى "إن الدين عند الله الإسلام".
وعاود الله ذكر فلسطين وما حولها (بلاد الشام) في كتابه العزيز عندما قال "سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله". فأعطى فلسطين لمن استحقها وحافظ عليها ولم يخرج منها طوعاً او كرها. وباركها وأسدى عليها صفة الإيمان والبركة، ووهبها من الجمال والسحر ومن الموارد والمكنونات الغنية ما لم يخص به غيرها من الأرض. فهي كنز من الخيرات والبركات والإيمانيات لن تجد له على وجه الأرض مثيلاً. وتستحق منا يوماً ويوماً ويوماً ويوماً ويوماً .......الى نهاية الزمان والمكان، وقيام القيامة، وتستحق منا الوفاء والتضحية بالغالي والنفيس.
قد بارك الرحمن في قرآنه هذا التراب وما حباهُ من النوى
فالتين والزيتون من ثمراته وعرائش الأعناب تعلوها السّما
………………………………………………………………………………………..
وطنٌ تناغم سطحهُ ومناخهُ فيه اعتدالٌ قد تحدَّرَ واستوى
فيه الطبيعة قد تكامل وصفها بحرٌ فبرٌّ والصحاري والفلا
فيه الجبالُ تكلّلت بعباءةٍ خضراءَ أينع لونها كالمنتهى
فيه السّهولُ تمدّدت وتباعدت أطرافها تبدو على طول المدى
تقترب منا ذكرى يوم الأرض ونحن أحوج ما يكون الى إحياء هذا اليوم المشرق في تاريخنا الفلسطيني، سيما وأن الأرض تسرق منا في ضوء النهار وفي ظلال ظلام الليل، يسرقها الغاصبون منا في وضح النهار تحت جنح ظلام المجتمع الدولي ونفاقة والعجز العربي ومرضه العضال، الأرض تسرق منا ونحن ننتظر الحليب من الثور، والثور يستنفذ منا مقدراتنا ومياهنا وغذاءنا وانتظارنا اليائس، ولم يعطنا قطرة من الحليب نبل بها ريقنا المتعطش لبناء وطننا وهويتنا. فبعد عشرين عاماً من المفاوضات الماراثونية والتي تتراوح ما بين مد وجزر، وعصاً غليظة وجزرة متعفنة، وطلوع واهم بالأحلام وهبوط مؤكد باليقظة، نتأرجح بين خيط رفيع واهن من الرجاء والأمل كشراء السمك بالبحر، وحبل غليظ وشديد من اليأس والقنوط يلف حول رقابنا لكي يخرجنا من الأرض.
يا شعبنا في كل فلسطين، وخاصة شعبنا بالضفة الغربية وقطاع غزة والذي يعاني من مصادرة وسرقة الأراضي، ومن الحصار ومن القمع والإذلال، وفوق ذلك من الإنقسام، انتفضوا من أجل الأرض، من أجل القدس، من اجل المسجد الأقصى، من أجل الحرم الإبراهيمي، من أجل الحق المغتصب، انتفضوا بكل الفعاليات الشعبية السلمية الحضارية، العمالية والنقابية والطلابية والنسوية والحزبية والفئوية، لا تعطوا للعدو فرصة ليجركم لمعركة عسكرية هو الأقوى فيها، حافظوا على سلمية احتجاجاتكم، أرض فلسطين تستحق منا التضحية بكل غالٍ ونفيس، انتفضوا على المنشقين والمنقسمين على انفسهم وعلى اخوانهم، دوسوا على الإنقسام بأقدامكم من أجل الأرض، نحن لا نريد سلطة منقوصة، أو امارة اسلاموية منبوذة، نحن نريد الأرض المباركة المقدسة، اجعلوا من يوم الأرض اياماً متتالية للأرض التي عليها ما يستحق الحياة. لا نريد حكومة محكومة لكي نختلف على حصصها، ولا نريد سلطة منقوصة لكي نختلف على مناصبها. همنا اكبر من ذلك، همنا الأرض التي تتعرض للسرقة، والهوية التي يهددها الطمس. همنا القدس التي تنادينا بصوت مخنوق، انبذوا كل متمسك بمصالحه الشخصية والفئوية، ولا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة. اصرخوا في وجوههم بأن الإنقسام عارٌ عليهم ومذلة لهم، اعتصموا بحبل الله جميعاً حول هدف انهاء الإنقسام وتحرير الأرض والإنسان. لا ينقصنا الإيمان بالله ولسنا بحاجة الى من يعلمنا ديننا وهو من الدين براء لا يحمل الا شعارات مفرغة من محتواها التطبيقي والعملي، نحن بحاجة الى سواعد من يحررنا من مستعمرينا ويحرر أرضنا من المحتلين. كفانا ملهاة سياسية ومناورات هزلية لإنهاء الإنقسام وانتظاراً للحليب من الثور، حان وقت العمل وولّى وقت الإنتظار اليائس. ولن يحك جلدك غير ظفرك، لقد اندثر ملف قضيتنا في ارشيف الأمم المتحدة وصار بالياً قديماً ويعلوه ملفات كثيرة، ولن يعيده الى واجهة الأحداث الا فعلنا على الأرض، نحن وليس غيرنا.
الرهان عليكم يا شعب الجبارين، وليس الرهان على فئة متقوقعة بغزة اختطفتها رهينة وتعيش متنعمة ترقص على عذابات اهلها وحرمانهم من أدنى متطلبات الحياة، وليس على فئة بالضفة الغربية تعيش على أمل استجلاب حليب من الثور لتنقط به في حلوق الناس، فيا أهلنا في غزة (شرارة الإنتفاضة الآولى) واهلنا في نابلس (جبل النار) وأهلنا في الخليل (مهد الحرم الإبراهيمي) ورواد ثورة البراق، وأهلنا في جنين الصمود والتصدي وأهلنا في طولكرم الإباء والتحدي، وأهلنا في رام الله الشموخ وفي بيت لحم مهد المسيح وأهلنا في الجليل والناصرة وصفد (رائدة من رواد ثورة البراق) ويافا وحيفا وعكا واللد والرملة يا قوم الجبارين أما آن لقطار الربيع الفلسطيني أن ينطلق ضد المحتلين والمنقسمين على أنفسهم وعلى اخوانهم بعد هذا الخريف العاصف بالأماني والتمنيات، وهذا الشتاء المتدفق بالعطاء والغيث من السماء، والذي جعل من فلسطين لوحة فنية ملونة بالنوار والأزهار والورود، ويعيد لنا سيرتنا التاريخية النضالية المشرفة كلوحة فلسطين الطبيعية في هذه الأيام والتي يشوهها الإنقسام كنقطة سوداء في غير موضعها.
فتحية إكبار واعتزاز لأهلنا في فلسطين المحتلة عام 48 ، أبطال يوم الأرض وجباريه، وتحية اكبار واعتزاز لشهداء يوم الأرض الأبرار، وتحية الى كل فلسطيني وطني حر اينما وجد لا يشغل باله الا الأرض المباركة المقدسة وحرية الإنسان. وتحية اكبار واعتزاز الى المرأة الفلسطينية الصابرة المرابطة والقابضة على جمر. والى طلبة فلسطين ومعلميها وعمالها ونقابييها وفلاحيها عشاق الأرض المرابطون الصامدون رغم كل إجراءات البطش الفاشية التي تتحطم على صخرة صمودهم وارتباطهم بالأرض المباركة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت