القيّم على أملاك الغائبين

بقلم: غازي السعدي


الأرض .. الأرض .. وثم الأرض، هذا هو الهاجس الإسرائيلي الأول الذي يعمل به الاحتلال الإسرائيلي للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، فمنذ إقامة إسرائيل عام 1948، وبالتحديد عام 1950، كان قانون أملاك الغائبين باكورة تشريعات الكنيست،هذا القانون الذي اعتبر كل من بقي من الفلسطينيين في البلاد بعد النكبة، ولم يكن في بيته أثناء إحصائيات السكان من قبل الاحتلال، بأنه غائب، رغم تواجده في البلاد ولم يغادرها، والهدف واضح، وهو الاستيلاء على أراضي وعقارات الفلسطينيين، هذا القانون الذي عُرف بين الفلسطينيين بقانون الحاضر الغائب، للاستيلاء على معظم أملاك الفلسطينيين، لكن هذا الاستيلاء لم يتوقف على الغائبين الذين طردهم الاحتلال من البلاد، إذ أن الكنيست شرّع قانوناً آخر عام 1951، هو قانون استملاك الأراضي للصالح العام، وطالت المصادرة وضع اليد أيضاً على أراضي الفلسطينيين إضافة إلى أملاك الأوقاف الإسلامية، والمساجد وحتى المقابر، وكلها يطبق عليها الاحتلال قانون الغائبين، ولكي يضع الاحتلال اليد على الأراضي – إضافة إلى القانونيين المذكورين- تفرض إسرائيل نظام الحكم العسكري ونظام التصاريح، للتنقل بين المدن والقرى، للحيلولة دون وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم وقراهم، يضاف إلى ذلك قيام الاحتلال بهدم مئات القرى، للقضاء على معالمها، وعلى الحلم الفلسطيني جيلاً بعد جيل، ونقلت الأراضي المصادرة إلى المستوطنات والكيبوتسات لتحقيق المقولة الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وهذه كذبة كبرى.

إن إقامة المستوطنات هو مشروع عقائدي أيديولوجي لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، مع أن القانون الدولي يقضي بالمحافظة على أراضي الغائبين، من قبل القيم، وعدم تسليمها لآخرين، وكانت فتوى المستشار القضائي الإسرائيلي للإدارة المدنية عام 1997، بأن القيم وصي على الملك، ومحظور عليه إجراء أية صفقة تتعارض وواجب الحماية على الأملاك، لتعاد إلى أصحابها في وقت لاحق، إلا أن القيّم عمل على تسريب الأملاك الفلسطينية من أراضٍ وعقارات، وبيعها إلى الصندوق القومي لشراء الأراضي "الكيرن كييمت".

قانون أملاك الغائبين الذي طُبق في أراضي 1948، بدأت حكومة إسرائيل-وبالتحديد حكومة "نتنياهو" منذ عام 2009- بتطبيقه في القدس الشرقية، لتغيير معالم المدينة وتهويدها، والعمل على تهجير أكبر عدد ممكن من المقدسيين، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي، ومع احتجاجات الفلسطينيين، وتدخلات دولية، اضطرت إسرائيل إلى تجميد تنفيذه على المقدسيين مؤقتاً، إلا أنها عادت منذ عام 2010 لتطبيقه في أعقاب فتوى "قانونية" من قبل المستشار الجديد للحكومة الإسرائيلية، بأنه لا يمانع في تطبيق هذا القانون على القدس الشرقية، وسبق أن سيطرت إسرائيل - بذرائع مختلفة - على 8% من عقارات وأراضي المقدسيين، إضافة إلى (40) ألف دونم من أراضي الضفة الغربية التي اعتبرتها أراضي دولة "أميرية".

بعد اتفاق "أوسلو" الذي يقضي بتصنيف أراضي الضفة، إلى (أ) و(ب) و(ج)- هذا الاتفاق لم يلغ من قبل أي من الجانبين- فالأراضي المصنفة بمناطق (أ)، تقضي بأن تكون واقعة تحت السيادة الفلسطينية، والمصنفة "ب" تحت السيادة الفلسطينية مع بقاء الأمن بيد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن المستوطنين أقاموا الكثير من البؤر الاستيطانية عليها، مما يتعارض مع اتفاق "أوسلو"، كما يخالف ضمانة الولايات المتحدة على هذا الاتفاق منذ عام 1955، وهناك منطقة "ج" التي تبلغ مساحتها 21% من مساحة الضفة الغربية، وحسب المعلومات فإن المستوطنين يسيطرون على (22) ألف دونم منها كما أن سيطرة المستوطنين الإجمالية بلغت 59% على أراضي الضفة، كما التهم الجدار العنصري حوالي (50) ألف دونم، وعزل (725) ألف دونم غربي الجدار، ومنع الفلسطينيين من استخدام حوالي (250) ألف دونم و(87) ألف دونم لشق الطرق الالتفافية، وهذا ليس كل شيء بل هناك المزيد من نهب الأراضي وما زال، وهذا يعتبر جريمة من جرائم الاحتلال، يتعارض مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، واتفاق "اوسلو" وخارطة الطريق، حتى أن الاحتلال صادر (1500) دونم من أراضي شمال غور الأردن، وضمها إلى كيبوتس "ميراف" داخل الخط الأخضر.

إن سياسة الحكومة الإسرائيلية وأنظمتها أدت إلى سحب نحو (15) ألف بطاقة هوية من المقدسيين بعد حرب 1967، لوضع الاحتلال يده على أراضيهم وعقاراتهم وفقاً لقانون الغائبين، التي اعتبرتهم إسرائيل بعد تجريدهم من مواطنة القدس بالغائبين، إضافة إلى مصادرة عقارات لأردنيين وسعوديين وكويتيين والذين كانوا يملكونها هناك، ووفقاً لمصادر فلسطينية فإن 80% من أملاك الفلسطينيين في القدس مهددة بالمصادرة، وأن (35) ألف مقدسي مهددين بالطرد خارج المدينة.

وحسب المصادر فإن إسرائيل استولت على 43% من أراضي القدس الشرقية لصالح بناء المستوطنات، و41% اعتبرتها مناطق خضراء، فالسياسة التي تتبعها إسرائيل رسمياً، وتغلفها بمزاعم مختلفة، تندرج ضمن التطهير العرقي، ليس فقط لتغيير الطابع الديمغرافي للمدينة، بل لتخفيض نسبة المواطنين العرب في القدس إلى 12% مقابل 88% من اليهود، وأن ثلاثة آلاف منزل في القدس لمواطنين عرب استولى عليها الاحتلال.
إن ما يجري في القدس، هو تطبيق مخططات لتوسيع مسطح بلدية القدس، وما يطلقون عليه بمشروع القدس الكبرى، بعد إقرار الكنيست بتاريخ 30-7-1980 لقانون أساسي لتوحيد القدس، والذي نص على اعتبار المدينة بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل، ومقراً لرئاسة الدولة والحكومة والكنيست والمحكمة العليا، إلا أن أخطر خطوة تهويدية في القدس هي تسجيل الممتلكات في السجلات الإسرائيلية على أنها ممتلكات يهودية، مع أنها ممتلكات عربية، ومعظمها وقف إسلامي.

وخلاصة القول، فإن التحذيرات تدعو وتناشد الأمتين العربية والإسلامية، للتصدي للمشروع الإسرائيلي، بتهويد المدينة، وتهويد مقدساتها، لم تلق استجابة تذكر من قبل العرب والمسلمين إذ أن القدس ليست فقط للفلسطينيين، بل لجميع العرب والمسلمين، وأن مليونيراً يهودياً أميركياً واحداً، دعم مشروع تهويد القدس، بإضعاف ما قدم العرب جميعهم لدعم القدس، وعلى الرغم من التنبيهات المستمرة، والاجتماعات والندوات التي عقدت وتعقد، وكأن العرب والمسلمين استسلموا لتهويد القدس، فأين لجنة القدس التي يترأسها ملك المغرب،وأين لجان القدس العديدة التي أقيمت لنصرة القدس ، والذي كان آخرها مؤتمر القدس الذي عقد في الدوحة في الشهر الماضي، فالوضع في منتهى الخطورة، ومستقبل غامض يحيط بالقدس، واحد لا يعرف أين المصير.

القيّم على أملاك الغائبين
بقلـــم: غازي السعدي
التاريخ : 28/3/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت