توقيت الأزمة...لمصلحة من

بقلم: د.كمال الشاعر

في سعيها بكل الطرق لحل الأزمة التي يمر بها أهلنا في قطاع غزة جراء انقطاع التيار الكهربائي أكدت الحكومة الفلسطينية على لسان نائب رئيس الوزراء أ.د. محمد عوض حيث قال: إن السبب الأساسي وراء أزمة الكهرباء في قطاع غزة ناجم عن طلب السلطة في رام الله من الاتحاد الأوروبي وقف تمويل السولار الصناعي اللازم لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع.

حيث تعود أزمة الوقود في قطاع غزة - بحسب الخبراء- إلى منتصف شهر ديسمبر 2011م حيث تنبه القائمون على تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع من تناقص في كميات الوقود المستوردة إلى القطاع، فأخذوا بزيادة تخزين السولار الاحتياطي بكميات كبيرة نكفي لثلاثة شهور، وفعلا حدث ما كان متوقعا أخذت الأزمة تتدحرج يوما بعد يوم ظنا من القائمين على إدارة توزيع البترول في القطاع أن الأزمة ناتجة عن ترتيب الأوضاع الجديدة في دول الجوار إلى أن وصلت إلى ذروتها في منتصف شهر شباط/ فبراير السابق.

فلو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدنا أن هناك علاقة بين زيارة دولة رئيس الوزراء د. إسماعيل هنية الخارجية وما حققته من انفراج سياسي للقضية الفلسطينية حيث استطاع أن يعيدها إلى عمقها العربي والإسلامي وجعلها قضية (عربية – إسرائيلية) بعدما جعلها الجانب "الإسرائيلي" قضية(فلسطينية – إسرائيلية) - ليحصل من وراء ذلك على المزيد من التنازلات السياسية ويصادر المزيد من آبار المياه ويلتهم المزيد من الأراضي الفلسطينية ويُحدِث تغيير في الواقع السياسي والديموغرافي للسكان الفلسطينيين- حيث استطاع دولته أن يُحدِث ثغرة كبيرة في جدار الحصار(العربي – الغربي)، وخاصةً في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك ومحاولة المستوطنين اليهود المستمرة تهويده وطرد سكان القدس الأصليين من بيوتهم ونحن على أعتاب مسيرة القدس المليونية في30 من آذار/ مارس القادم، ففي هذا السياق ذكرت صحيفة "جيروساليم بوست": "إن الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق من قيام هنية بزيارة الدول العربية والإسلامية، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ فوز الإسلاميين في العالم العربي، باعتبار أن هذه الزيارة تعزز المخاوف الإسرائيلية من النتائج السلبية للربيع العربي".

فلو قسنا اشتداد الأزمة بلغة الأرقام واستعرضنا البند الثاني من اتفاق الدوحة الذي ينص على: تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة محمود عباس، مهمتها تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء بإعمار غزة.
فعلى الفور ودون تفكير المطلوب – من قبل المتنافسين السياسيين - هو تراجع شعبية حركة حماس في قطاع غزة عن طريق تشديد الخناق على السكان وخاصة بعد الانفراج والانفتاح الاقتصادي الذي يعتبر الأعلى من نوعه في عام 2011 منذ قيام حركة حماس بعملية حسم عسكري في القطاع عام 2007، حيث وصل على سبيل المثال لا الحصر مجموع التراخيص المقدمة إلى بلدية غزة لإنشاء أبراج سكنية خلال العام المُنصرِم حوالي 1000 طلب مما يعني أن هناك المئات من المنشئات والمشاريع الصغيرة التي ستُنشأ في باقي المحافظات، وإن دل ذلك فإنما يدل على مستوى الأـمن الذي يعيشه المواطن الغزي وأنه لا وجود لأزمة أو بوادر أزمة في القطاع في حينه.

فلقد استطاع دولة رئيس الوزراء أن يحصل على مساعدات مالية من تركيا حوالي 300 مليون دولار سنويا. وما يقارب من 50 مليون دولار من الإمارات العربية المتحدة لإنشاء مدينة سكنية للأسرى المحررين. وإعادة إعمار قطاع غزة بحوالي نصف مليار دولار تقريباً مقدمة من قطر. ناهيك عن الانفتاح السياسي في العلاقات (الفلسطينية – الكويتية) بعد قطيعة وفتور دامتا ما يقارب عقدين من الزمان دون أن يُبدي أسف عن مواقف سياسية سابقة أضرت بالعلاقة بين البلدين الشقيقين، هذا الترحيب العربي والإسلامي من المحيط إلى الخليج وهذا الدعم الذي لاقاه دولته والوفد المرافق له من وزير الإسكان ومستشاره السياسي وبعض القيادات في الحكومة الفلسطينية أخاف كثيرا من المتربصين، وخشيتهم من إعادة الأعمار قبل إتمام اتفاق المصالحة وتشكيل الحكومة الجديدة التي ستأخذ على عاتقها إعادة إعمار القطاع - بعد منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد البناء إلى القطاع منذ ما يقارب من خمس سنوات- فأخذوا يحيكوا المؤامرات في الخفاء كي يطفئوا نشوة الانتصار السياسي الذي استطاعت الحكومة الفلسطينية أن تحققه في فترة قليلة من حكم دام خمس سنوات (رغم الحصار السياسي) في حين بعض الزعماء يتباهوا بتاريخ نضالي وسنوات حكم طويلة لا تجر للشعب الفلسطيني سوى الخسارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذه البراغماتية والشخصية الكاريزمية التي يتمتع بها دولة رئيس الوزراء د. إسماعيل هنية هو وأعضاء الحكومة، وخاصة وأننا مقبلون على "انتخابات رئاسية وتشريعية" بحسب اتفاق الدوحة الذي وقعه الرئيسين خالد مشعل ومحمود عباس أخاف الكثيرين من السياسيين والمراقبين وأرادوا من وراء الأزمة الحالية أن يتراجع حجم الدعم والتأييد الفلسطيني والعربي الذي لاقته الحكومة الفلسطينية.


والله من وراء القصد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت