إن تعدد المرات التي تنعقد فيها اللقاءات والاجتماعات والإعلان عن بدء خطوة جديدة نحو المصالحة ثم العودة للانتكاس من جديد لا يدل إلا على الشرخ العظيم الذي حدث داخل نفوس القيادات السياسية وصعوبة التواصل في العلاقات وكسب الثقة من جديد ومدى الحرص على تقديم المصلحة الذاتية للحزب أو الشخص على مصلحة العامة لأفراد الشعب.
فهل بات من الصعب أن نتحدث عن تعديل بناء النفوس والعلاقات ليعتدل المسار لأنها بُرمجت في اللاوعي الجمعي على عدم الثقة بالآخر والخوف وسوء الظن به فبدا من الصعب الوعي الجمعي لإدراكها وفهمها كحقيقة.
وحتى نعود لإدراك وعينا بذاتنا السليمة وحياتنا الصحيحة من جديد يجب علينا أن نتخذ خطواتنا الجدية والحالية نحو الإصلاح لما أصاب النفوس من أمراض قد أفقدت العقول عن الإدراك والآذان عن الأسماع.
فالإصلاح يكون بتشخيص الداء ومعرفة الأمراض والبحث عن الدواء المناسب لكل داء، وحتى يُشخص الداء لا بد من وجود أطباء ماهرين قادرين على الحكم السليم والمعرفة الدقيقة للمرض دون تدخل لنوازع الهوى والشيطان، بل التحدث بصراحة مطلقة عما أصاب الجسد من المرض حتى يُدرك داءه ويؤخذ الدواء السليم.
فعملية الإصلاح لا تتم في اجتماع يعقد هنا وهناك أو الخروج على محطات الإعلام والتحدث عن مخططات أو إنجازات أو غيرها، فالإصلاح يكون بخروج القيادات إلى الشارع ورؤية وجوه المواطنين التي ترتسم بالألم والقهر، والبحث عن العلل الحقيقية التي أصابت كل قلب فلسطيني ويحتاج لطبيب خاص لعلاجه، وأُولى هذه العلل حالة الإحباط واليأس والقهر الذي حطم القلوب وكاد يفقدها الإقبال على الحياة والشعور بالانتماء وضياع الأمل.
فالإصلاح المجتمعي من الواجب أن يعم جميع القطاعات من صغيرها لكبيرها لأن هناك امتداد طويل للمشكلات الاجتماعية عمت الجميع دون استثناء.
الشعب الفلسطيني يحتاج إلى الوحدة اليوم أكثر من أي فترة أخرى، في وقت بدأ الاحتلال يزداد شراسة في عدوانه عليه وتحقيق مطامعه فيه، فيستولي على الأرض ويهدم البيوت ويعتقل النساء والأطفال والشباب، ويغتال القيادات ويشرد أبناء الشعب بالإبعاد والتهجير، وكل ذلك أصبح يُمارس بصورة قانونية ومشروعة تسنُها الكنيست الإسرائيلية كل يوم لتعزز وجودها وإثبات هويتها اليهودية.
وسيبقى الشعب الفلسطيني من يُقدم الثمن لهذه الخلافات والمنازعات وانتكاس المصالحة بمعاناته اليومية التي تمثلت بالحرمان من أدنى الحقوق الإنسانية الأساسية التي تؤمن له العيش الكريم والشعور بالأمان تحت ظل سلطته في وقت يعطى الآمال الواهمة بقيام دولته وبناء مؤسساته واستقرار حياته من ثنائية سلطته التي كما عززت قسم جسد الوطن إلى شرخين قسمت قلبه وعقله الواحد بجرح عميق بات ينزف كل يوم من شدة الآلام.
ويبقى الأمل من يحرك النفس للإقدام والعطاء فلا بد أن تبقى النفوس تتطلع إلى لحظة تحين فيها رؤية لحمة الشعب الفلسطيني تعود من جديد بكل صوره، ولعل ذلك يكون بعد سقوط تلك القيادات وانحنائها أمام رغبات المطالبين بصرخاتهم لرحيلهم وتسليم زمام الأمور والقيادة لعزيمة الشباب والجيل الجديد الذي لن يكرر درس الخطيئة لمن سبقوه وسيحرص على بناء الوحدة وتجميع الشتات.
أو تستيقظ القيادات على خبر قرار التهجير الجمعي وضياع الحق والمصير على الأرض الفلسطينية لأنها ما عادت في القوانين والتشريعات والقناعات العالمية فلسطينية الهوية ووُثقت كأرض يهودية في وقت انشغل فيها السلطان بالنزاعات الداخلية وتحقيق الأهواء الذاتية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت