مصالحة بالإكراه تفرض علينا, تحمل بين طياتها سموم قاتلة لحقوق الوطن والمواطن، ومساعي حثيثة تبذل لأجل إنهاء حالة الانقسام حسبما يرغب طرف دون آخر، وحسبما يشتهي من يناصر هذا الطرف ويعينه على سياسته التي كانت ماضية بعهد النظام السابق الحاكم لمصر الشقيقة، سنوات طويلة لم تفلح بترميم العلاقات بين الفلسطينيين، سنوات مريرة لم يفلح بها وسيط بوضع ضماد على جرح نازف لعلاجه بشكل قاطع.
مصالحة بوساطة مصرية، وأخرى قطرية، اتفاق هنا وآخر هناك، وورقة مصرية توقع بعد أن كان توقيعها مستحيلًا، كثيرة هي الايجابيات التي تقدمت بها حماس لرأب الصدع الفلسطيني وتمرير المصالحة بشكل يضمن عدم عودة خلافات جذرية من جديد، ثم نعود إلى المربع الأول وكأن شيئًا لم يكن.
الشعب الفلسطيني كان ورقة مساومة ولازال بيد الأقوياء ممن يحاولون فرض مصالحة تتقاطع مع رغباتهم ومصالحهم، سواء الماضية مع الاحتلال أو أخرى تتقاطع مع من يمضون مع الاحتلال بمفاوضات لا يجدون عنها بديلًا وإن طال عمرها لعقود.
أما الشعب فعليه دور يجب أن يلعبه في هذه السياسة وإن كان خياره غير ذلك، فعليه أن يكون طرفًا فاعلًا بالاتجاه الذي يسعى لمصالحة ولو بالإكراه، عليه أن ينسى أو يتناسى دماء أبنائه التي أريقت، وعليه أن ينسى كل ما فعلته الأجهزة الأمنية السابقة بغزة من فوضى وقتل وحرق وظلم جاس بالديار، وعليه أن يتناسى أن هناك وطنًا سليبًا بات ورقة مساومة أصبحت حقوقه وثوابته سلعة تباع والتي قدم لأجلها الكثير من دمائه عبر ما يزيد عن ستة عقود من عمر الاحتلال، وعليه أن ينسى أو يتناسى أن هناك فلسطين وأن هناك قدسًا وأسرى يقبعون خلف القضبان بعضهم منذ عقود، وأرض تقضم تبنى عليها مدن تسمى مستوطنات، وهناك من أبناء جلدتنا من يتهافت على إضاعتها بأثمان بخسة تعود منافعها لأشخاص بعينهم ولمصالح حزبية ينتفع منها حفنة ممن أسندوا لأنفسهم حق المتاجرة بفلسطين أرضًا وشعبًا.
شعب يعاني أصناف العذاب ألوان عله يرضخ ويساند مصالحة تتوافر بها شروط المحتل بل وأعوان المحتل ممن أصبحوا بارعين بلي ذراع هذا الشعب دومًا دون وجل أو خجل من أنفسهم أو من شعوبهم ومن التاريخ الذي لن يترك موقفًا دون أن يسجله ليبقى حاضرًا فينا وفي أجيال قادمة ما بقيت الحياة.
كهرباء تقطع، وقود يمنع، دواء لا يصل إلى المستشفيات، حصار مرير يستمر، جوازات سفر تمنح بصعوبة للمواطنين إلا للذين يؤيدون من يصدرونها بجدارة، تنسيق أمني، اعتقال سياسي، استنكاف عن العمل للمعلمين والأطباء ولكافة الموظفين الذين يقدمون خدمات للمواطنين بأمر رئاسي، والقائمة تطول من المضايقات التي يدفع ثمنها بالنهاية المواطن البسيط في سياسة لي الذراع المتعمدة والمستمرة.
لا تتوقف عجلة الضغوط التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني كما تمارس على الحكومة الفلسطينية وحركة حماس بغزة، والهدف: مصالحة تتناسب وتطلعات حكومة رام الله والنظام المصري السابق والحالي الممثل بالمجلس العسكري، كما تتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، هذه هي المعادلة السياسة القائمة التي تتنافى مع أخلاقيات أي نظام حقيقي يسعى لمصالحة يلتئم بها شمل الفرقاء على قاعدة العدالة والإنصاف ومراعاة المصالح الوطنية بشكل أساس.
هي المصالحة التي يبحث عنها الشعب الفلسطيني وكل حر غيور بهذا الوطن يسعى لوقف نزيف الأخوة الذي ينهك قواهم ويبعثر تطلعاتهم ويمزق أهدافهم، هي المصالحة ( الفلسطينية – الفلسطينية ) التي يجب أن تتوافق مع مصالح الوطن العليا ومصالح الشعب الذي يمثل وقودًا وضمانًا للحرية ليصل لدولته المستقلة وعاصمتها القدس شاء من شاء وأبى من أبى، كما كان يقولها القائد الراحل عرفات.
مصالحة فلسطينية لا يكون فيها عض الأصابع عنوانًا لمراحلها ولا يكون الشعب بها رهينة بيد الساسة والوسطاء، وبيد تجار الأوطان، وبيد من لا تعنيهم فلسطين بقدر ما يعنيهم الثناء عليهم من الاحتلال والأمريكان على حد سواء.
أيتها الفصائل والأحزاب الفلسطينية لسنا بحاجة لوسطاء يملون علينا شروطهم ويفرضون علينا ما يتناسب وسياستهم الخاصة، لسنا بحاجة لوسطاء بقدر ما نحن بحاجة إلى نوايا صادقة بمصالحة حقيقية، نحن بحاجة إلى توافق وطني وشعبي يخرجنا من عنق الزجاجة ويفرض على الجميع قبول مصالحتنا كما نراها تتناسب مع مصالحنا القومية والوطنية.
أيها القادة الفلسطينيون بكافة الفصائل والتنظيمات، اخلوا سبيل كل سجين سياسي بكل معتقل فلسطيني، وارفعوا المعاناة عن الشعب الفلسطيني، نادوا برفع الحصار الفوري عن غزة، اجتهدوا بالوفاء لدماء الشهداء، ومن ثم اجلسوا سويًا على مائدة مستديرة تجمع الكل الفلسطيني وابدؤوا بإزالة الخلافات وهيئوا لمرحلة قادمة يكون بها الشعب حاضرًا ليقول كلمته بشأن برامجكم السياسية، بعد أن تصلحوا منظمة التحرير الفلسطينية لتكون وعاء يجمع شمل كل الفلسطينيين, وأعيدوا انتخاب مجلسنا الوطني وسيروا في ركاب الساسة الذين لا تلهيهم أموال ولا مصالح عن مصلحة الشعب والوطن.
تفاوضوا سويًا بحيث لا يكون هناك أوراق ضغط بيد أحدكم على الآخر، فكفى بحقوقنا وثوابتنا أوراق ضغط لتكون حاضرة بينكم، وتذكروا أنكم قادة لشعب عانى ويعاني، تذكروا دماء الشهداء التي نزفت ولازالت، تذكروا الأسرى والقدس وكل الوطن.
أيها القادة الفلسطينيون لا تتركوا مائدتكم المستديرة دونما أن يكون هناك مصالحة حقيقية راسخة لا تنتهي بالاتهامات ولا يلحقها تراشق إعلامي من هذا الطرف أو ذاك، يا قادتنا: فلسطين أمانة بأعناقكم فلا تفرطوا فيها. فكفى ما أصابنا وكفى ما نعانيه من آلام، ففلسطين فوق الجميع ودماء شهدائنا أغلى منكم، وحرية أسرانا أسمى من خلافاتكم، كفى ... كفى ففلسطين هي المبتغى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت