مسامير وأزاهير 280 ... (كذبة نيسان) العربية الأزلية!!!.

بقلم: سماك العبوشي

لم يكن شارل التاسع ملك فرنسا يعلم أنه بقراره الذي اتخذه عام 1564 بتغيير أول أشهر السنة من نيسان / إبريل وجعله في كانون الثاني / يناير قد ابتدع فكرة كذبة نيسان "كذبة أبريل"الشهيرة، تلك الكذبة التي راحت شعوب الأرض تنعتها بالكذبة البيضاء وتطلقها من باب المرح واللهو والدعابة ونشر الأكاذيب، هذا كما ولم يكن يخطر ببال الملك شارل التاسع هذا أن أنظمة وحكومات عربية عديدة على مر العقود ومذ معاهدة سايكس بيكو ستأنس لتلك الكذبة لتستثمرها بشكل وقح يتيح لها إطلاق الوعود الكاذبة ونثر الأحلام الوردية الجوفاء عن مستقبل زاهر وعيش كريم لأبناء شعوبنا العربية، ثم تمادت تلك الحكومات والأنظمة العربية أكثر فأكثر فراحت تمارس تلك الكذبة البريئة وعلى نطاق واسع وطيلة أيام وفصول السنة، شتاءً وربيعاً وصيفا وخريفا، حتى صارت تلك العبارات الطنانة والشعارات الرنانة التي رافقت تلك الوعود الكاذبة والأحلام الوردية الفارغة قاسماً مشتركاً لها جميعاً منذ عهد سايكس بيكو وحتى يومنا هذا!!.

تساؤل يطرح نفسه، ما الفرق بين تدليس ووعود كاذبة تطلقها أنظمة وحكومات ترسخ جذور التخلف والقهر وسلب الكرامة، وبين أخرى صادقة تؤسس لحياة حرة كريمة!؟، وجواباً على ذلك جد بسيط، ولا يحتاج الأمر لعناء تدبر وطول تفكير وبقر لبطون الكتب، فالوعود ببساطة شديدة متى ما تحققت على أرض الواقع وتم تلمسها وغيرت الأحوال نحو الأحسن والأفضل فهي لعمري وعود صادقة شفافة، وبخلاف ذلك، فهي كاذبة مرائية مخادعة، ولنا الكثير من الشواهد التاريخية والتي من خلالها ميزنا بين صدق الوعود وكذبها.

لا أتجنى ورب الكعبة بتلك المقدمة المبكية الجارحة على قادة أمتنا العربية وحكوماتها المتعاقبة وساستنا وأولي أمرنا على امتداد الرقعة الجغرافية العربية وعلى مر العقود المنصرمة، وذلك إذا ما أبحرنا في أحداث أمتنا العربية المأساوية وانعكاسها على واقع أبناء شعبنا العربي وما سبقتها من وعود وردية ، فالشواهد التي تملأ القلب هماً وحزناً كثيرة من تاريخنا المعاصر كثيرة، لاسيما تلك الوعود التي نثرت على رؤوسنا عن خطط وبرامج تنموية تهدف للنهوض بالواقع العربي، والحديث المطول المنمق المزركش عن مشاريع قومية تتصدى لمخططات العدو الصهيوني ووأد أطماعه، لنشم منها رائحة تدليس وتقصير وكذب تزكم الأنوف قد امتد لنصف قرن وشملت أكثر من جيلين كاملين زامنا تلك الحقبة لمريرة دون بارقة أمل بسيط بتحقيقها، بل على العكس من ذلك تماماً، فالوضع العربي بعد الإعلان عن تلك الوعود والخطط التنموية قد ازداد سوءً بعد سوء، وصارت الفجوة بيننا - نحن العربَ- وبين باقي شعوب المعمورة واسعة وكبيرة، حتى أن المحتل الغربي الذي كان قد طرد قبل سنوات خلت من أراضينا العربية بفعل سواعد أبنائه النشامى ورفضه الشديد لهيمنته قد عاد من جديد إلى المشهد العربي ليقف على أعتاب حدودنا فاغراً فاه وشاهراً سيفه ومكشرا عن أنيابه حاملاً أحلامه التوسعية التسلطية!!.

كيف أوْصَـفُ بالتجني وعدم موضوعية الطرح وشفافية النقد إذا ما عدت بشريط الذكريات إلى ما قبل أربعة عقود خلت، في محاولة جادة مني لتبيان وجهة نظري وتوضيح حجتي، إلى مؤتمر قمة الخرطوم 67 "على سبيل المثال لا الحصر"، ورحت أستذكر بألم وحرقة جملة قرارات مصيرية كانت قد اتخذت آنذاك كانت ستغير ميزان القوى لصالحنا لو تم اتنفيذها، بدءً من لاءات ثلاث شهيرة ( لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح )، مروراً بتأكيد وحدة الصف العربي والتزام بميثاق التضامن العربي، ثم التعاون العربي الجاد والصادق لإزالة آثار العدوان عن الأراضي الفلسطينية المحتلة والمغتصبة، وانتهاءً بقرار العمل العربي على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية، لنعرف ما الذي تحقق وما لم يتحقق من تلك الوعود والقرارات الوردية خلال رحلة نصف قرن إلا قليلاً، لوجدنا بأن اللاءات الشهيرة الثلاث قد تبخرت وحل محلها استعداد كبير ملفت للنظر للاعتراف بالعدو الصهيوني، مع تنازل طوعي عن 80% من أرض فلسطين التاريخية، يضاف لها كسر بندقية المقاومة وإلقائها ونعت من يحملها بالإرهاب، كما رأينا بأم أعيننا لهفة عربية – فلسطينية عارمة من أجل الجلوس للتفاوض مع حكومات يهود دونما كلل ولا ملل، وكإثبات حسن نية أنظمة الاعتدال العربي فقد تبنى قادة التسوية والانبطاح العرب مبادرة السلام العربية التي رفضتها حكومات تل أبيب المتعاقبة حتى الساعة، وها هي أعلام دولة الكيان الصهيوني التي صرخ بوجهها بلاءات ثلاث وهي ترفرف عالياً في سماء بعض من أقطارنا العربية المحورية، فيما سارع لإقامة تمثيل تجاري وتعاون سياحي مع ذاك العدو المتغطرس مَنْ لم يتجرأ على رفع علم الكيان الصهيوني، فأين بربكم المعبود قرارات تلك القمة العتيدة!؟، وهل تجنيت أم أنصفت وكنت صادقاً حين وصفت ما جرى لنا طيلة الفترة المنصرمة لقمة الخرطوم بأنها كانت كذبة نيسان كبيرة جداً قد امتدت لأربعة عقود متواصلة، وعلى امتداد بلاد العروبة، وما زالت مستمرة!!.

ألن أكون منصفاً لا ظالماً متجنياً لو عدت بشريط الذكريات كرة أخرى إلى مؤتمر القمة العربي في الجزائر 1973، واستحضرت ما صدر عنه من تأكيد على استمرار استخدام سلاح النفط العربي ورفع حظر تصدير النفط للدول التي تلتزم بتأييدها للقضية العربية العادلة، كما وأقر مبدأ توجيه تحية تقدير للدول الأفريقية التي اتخذت قرارات بقطع علاقاتها مع إسرائيل وذلك من أجل تشجيعها والوقوف إلى جانبها، ولقد تساءلت من قبل في مقال سابق لي كان قد نشر بتاريخ 5 / 4 / 2010 بعنوان "مسامير وأزاهير 150... قمم ( وعود عـُرقـُوب ) العربية !!!": إن كان نفط العرب مازال سلاحاً بأيدينا يُجـَيـّر لخدمة قضايانا، أم قد تم الاستحواذ عليه أو بيع بأرخص الأثمان لدول مارقة مساندة للعدو!؟، وهل أن الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها بالكيان الصهيوني في أعقاب حزيران 67 مازالت على موقفها المشرف ذاك، أم أنها فقدت بوصلتها جراء غفلة عربية وتخبط سياسي فباتت بين أذرع الاخطبوط الصهيوني!؟، وأين الهند التي نعرفها أيام جواهر لال نهرو!؟، بل أين الصين العظيمة التي دربت مجاهدي فلسطين أيام قادتها العظام كأمثال ماوتسي تونغ وشو أن لاي!؟، ثم أين وأين وأين... !؟، فهل بربكم قد تجنيت وابتعدت عن الموضوعية لو وصفت ما جرى لنا بكذبة نيسان كبرى قد امتدت لأربعة عقود متواصلة، وما زالت تتفاقم يوماً بعد يوم ونحن عنها غافلون... غافلون!!.

وثالثة الأثافي، إن كنت سأوصم بالتشاؤم غير المبرر أو الظلم لو عدت بشريط الذكريات لثالث مرة وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، إلى مؤتمر القمة العربي في الرباط 1974، والتي زفت إلينا بشرى وضع ( أسس العمل العربي المشترك ) في جلساتها، من أجل تصحيح المسار العربي وانعتاقه من تأثيرات الهيمنة الغربية!؟، وأتساءل بحرقة ضمير حيّ هل أن من تداعيات تلك الأسس العربية المشتركة ما نراه اليوم من هيمنة أمريكية كاملة على القرار العربي!؟، وهل أن من بركات تلك الأسس الموضوعة إطفاء جذوة المقاومة الفلسطينية المشروعة ومن ثم البدء بتسوية استسلامية ومفاوضات عبثية عقيمة مع العدو لصهيوني بغطاء عربي ومباركة أمريكية، ومن ثم انتقال ملف القضية الفلسطينية من أروقة الأمم المتحدة لتصبح أسيرة بين يدي الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة ممارسات الكيل بمكيالين والتي كان من نتائجها اتساع استيطان العدو وقضم للأراضي العربية وتهويد للمقدسات إيذاناً بهدم المسجد الأقصى وإعلان يهودية ما يسمى بدولة "إسرائيل"!؟.
ألم أكن صادقاً لا كاذباً معكم ولا شاهد زور للتاريخ والمعطيات حين وصفت ما كان قد جرى لنا بأنها كذبة نيسان لا مثيل لها قد امتدت لأربع عقود متواصلة، كذبة نيسان كبرى على امتداد بلاد "أمجاد يا عرب أمجاد!!"، وأنها ما زالت مستمرة!!، ألم يفهم بعد بأن قرارات القمة المصيرية ما هي إلا فقاعات صابون سرعان ما تنفجر وينتهي مفعولها بعيد مغادرة القادة العرب قاعة الاجتماعات، لتبقى تلك القرارات حبيسة الأدراج ورفوف الأرشفة العالية، لتنسى بعد حين إلا من دراسات أكاديمية أو تحليلية سياسية تلقى بندوات هنا أو هناك دون أن نتلمس لها أثراً على أرض الواقع، فيما يزداد شريط مآسي أمتنا العربية طولاً وعرضاً وارتفاعاً، مع استمرار نزيف وجهد عربي وفرص مضيعة مستمر، لنتذكر معها عبارات طنانة وشعارات رنانة حبست الأنفاس ورسمت مشهداً عربياً طوال عقود من زمن ظهر أنها ما كانت إلا كذبة نيسان عربية كبرى أزلية!!!.

ختاماً أقول لشعبنا العربي من محيطه حتى خليجه، عليك بما كان قد قاله الإمام علي بن أبي طالب "كرم الله وجهه" لابنه الحسن: "يا بني احفظ عني أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن :- أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق 000 يا بني إياك ومصادقة الأحمق فأنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل فانه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فانه يبيعك بالتافه، وإياك ومصادقة الكذاب فانه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب".
اللهم إني قد بلغت ... اللهم فاشهد.

سماك العبوشي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت