الثبات الثبات..فأنتم الأمناء المنصورون بإذن الله..

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل



لقد شرفنا الله بدين الإسلام ، وهو الشريعة الخاتمة للشرائع الإلهية كلها ، كما شرفنا جل وعلا بأن جعلنا في فلسطين أرض الرسالات ومهد النبوات ، ولا غرو فبها القدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنها معراجه إلى السماء ، وفلسطين وقدسها ومسجدها الأقصى هي موئل الطائفة المنصورة من أهل الإيمان ، فلماذا نشتكي نحن اليوم وربما جلبت إلينا شكوانا مزيداً من العناء والإذلال ، ونحن على يقين بأننا المنصورون بإذن الله ، فيا أهل فلسطين الثبات الثبات.. فأنتم الأمناء ، أنتم أمناء من في السماء الله جل جلاله ، وأنتم أمناء من في الأرض إخوانكم المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، أنتم المؤتمنون مكاناً ومكانة ، وأنتم المؤتمنون زماناً وديانةً وصيانة ، ولا ينبغي أن يتسلل إلى عزائمنا ولا أن يحيط بنفوسنا شيء من غشاوات الإملال ، فاليقين سبيل الانتصار للحق الذي نحن أهله ، وهو الطريق للانتهاض من وحل المهانة وأجل الواجب الذي نعمله ، بأن نوحد الله تعالى ونعبده غير مشركين ، ويا قومنا فلنأخذ العبرة من دروس التاريخ ، وما حل بالأمم من قبلنا ، الأمم المكذبة بالحق ، وكذلك الأقوام المعاندون للرسل عليهم الصلاة والسلام ، إذ قال تعالى في سورة النحل :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
عباد الله إن دليلنا الخريت الصادق هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وهدايتنا في اتباعه على ما جاء في الكتاب والسنة وحي الله إلى نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأمته والناس أجمعين ليؤمنوا به ويتبعوا ملته ، ولنحذر السَّنَنَ طريقَ الأمم الأخرى ، لئلا يكلنا الله إلى هوى نفوسنا ، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند وحسنه الألباني وهو من طريق مجالد عن الشعبى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبى صلى الله عليه وسلم , فغضب , فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب , والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها نقية , لا تسألوهم عن شىء فيخبروكم بحق فتكذبوا به , أو بباطل فتصدقوا به , والذى نفسى بيده , لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى ".
وأخرج الإمام الترمذي في السنن وحسنه ووافقه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي " .
يا قومنا الطريق إلى القدس عندما نتخذ كتاب الله للاهتداء والعمل ، ليس للتنغيم كالمزامير بحلاوة الصوت دون الوقوف عند دلائله وأحكامه وتشريعاته ، والحذر الحذر من التأكل به وجمع المال دون التفكر والتدبر والعمل ، أخرج الإمام ابن حبان في صحيحه من طريق بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :" يكون خَلْفٌ بعد ستين سنة ، { أضاعوا الصلاة واتَّبَعُوا الشهوات فسوف يلقون غَيّاً } (56/مريم ) ، ثم يكون خَلْفٌ يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر " .قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال : المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن به ) اهـ .
وروى الطبراني من طريق عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " أخاف عليكم ستا: إمارة السفهاء و سفك الدم و بيع الحكم و قطيعة الرحم و نشوا يتخذون القرآن مزامير و كثرة الشرط " .
أيها المسلمون ، يا عباد الله : الطريق إلى القدس عندما نحافظ على الصلاة في وقتها بما يجب من طهارتها والخشوع والطمأنينة فيها مع أدائها في الجماعة لنكون مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه من النبيين عليهم الصلاة والسلام في الجنة ، وقد نزل علينا قول الله تعالى في الآيات 58-60 من سورة مريم :{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}.
وفي ذلك ما نقله الإمام السيوطي في الدر المنثور عن عبد الله بن مسعودٍ مما أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } قال : ( .. ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه ، ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها ..) وقال السيوطي : وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن القاسم بن مخيمرة في قوله : { أضاعوا الصلاة } قال : أخروا الصلاة عن ميقاتها ولو تركوها كفروا ..) أهـ.
ويا قومنا لنحذر أشد الحذر من اتباع الشهوات ، وقد نقل الإمام السيوطي في الدر المنثور أيضاً قال : ( .. وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد { فخلف من بعدهم خلف } قال : من هذه الأمة يتراكبون في الطرق ، كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ، ولا يخافون من الله في السماء . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } قال : عند قيام الساعة - ذهاب صالح أمة محمد - ينزو بعضهم إلى بعض في الأزقة زناة ..و قال: وقال: وأخرج ابن أبي حاتم ، عن كعب قال : والله إني لأجد صفة المنافقين في التوراة : شرابين للقهوات : تباعين للشهوات ، لعانين للكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للصلوات تراكين للجمعات ، ثم تلا هذه الآية { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } .وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن الأشعث قال : ( أوحى الله إلى داود عليه السلام أن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عني محجوبة ) اهـ .
اللهم ياربنا نسألك وأنت السميع العليم الكريم أعظم من يجيب أن توفقنا يا مولانا للقيام بحقك والوفاء بعهدك والتصديق بوعدك ،والاستقامة في عبادتك وطاعتك ، وعداوة عدوك ، وولاية وليك ،والعمل بكتابك ، والاستنان بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، ولزوم طريق السلف الصالحين ،إلى يوم لقائك يوم الدين .


أيها الناس يا عباد الله : هذه القدس تستباح للتهويد وأهلها ، ومسجدها الأقصى يدنس ، وقد نزل علينا قول الله تعالى في سورة الحج الآيات (39-41 ) : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} .
يا إخوة الإسلام يا عباد الله :يا أهل فلسطين الثبات الثبات على حقكم في بلادكم أنتم الأمناء المنصورون بإذن الله، ولكن أوفوا لله بشرطه يوف لكم بوعده ، ففي سورة النور الآية (55) قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
فلنتق الله إخوة الإسلام ، ولنعمل وفق الحنيفية السمحة ، والفطرة القويمة ، والطريقة المستقيمة ، كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونهج السلف الصالحين ، ولنلزم السنة والطاعة والجماعة ، ولنتق الفتن من الشرك والبدع والمعاصي وأصحابها المفتونين ، يا عباد الله بل يجب أن نسعى لاستعادة الحق في القدس والمسجد إلى نصابه ، والعمل في ذلك على صوابه، والسبيل العودة إلى الله تعالى بالتوبة من الأخطاء وإصلاح العمل وفق السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
" دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " واللفظ للبخاري في كتاب الاعتصام،باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيا إخواني أهل فلسطين أدعو نفسي وإياكم للاستقامة والتوحد بالعمل وفق سبيل واضح ليس فيه التواء طائعين لله وطائعين لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم ولي الأمر السيد الرئيس محمود عباس، والقيادة المخلصة للشعب الفلسطيني بقرار واحدٍ وموقفٍ واحدٍ للتصدي لمخططات التهويد للقدس والتهجير لأهلها ، وسائر المكائد المتربصة بنا لابتلاع أرضنا وإضاعة حقنا ، ولندفع إلى المصالحة والإصلاح بين المتخاصمين منا في جميع الأحوال ولا مناص من الاتفاق والوفاق والتوافق الوطني المتسق مع الإسلام الدين الذي ندين، والعرب القوم الذين إليهم ننتسب، والتاريخ الذي هو تاريخنا، حتى لا تنقلب السفينة بنا جميعاً ويبتلعنا الموج العاتي للصراع الدولي القائم والمستمر في هذه المنطقة الهامة من العالم، وإلا فحكم التاريخ سيكون حكماً صارماً لا يرحم الظالمين ولا الانتهازيين ولا المتخاذلين. لنوحد الله تعالى بصحيح الاعتقاد ، والإحسان إلى العباد ، والصلاح والإصلاح والعدل في البلاد ، ولنتجنب المفسدين والفساد ، ولنتحقق قبل التهور في طريق الجهل والعناد ، فالصدق مع اليقين لئلا تعتدى الحدود ، وتنتهك الحرمات ، وتضيع الأمانات ، ولنقدم ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولنؤخر ما أخره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ على الله يجازه بمثله ، ولنأخذ أنفسنا بالعزائم وصالح الأعمال ، ولا نتتبع ما يهواه الضعاف الرويبضات عن المكارم من أشباه الرجال ، القانعين عن العظائم ببعض اللحم العالق بالعظام ، ولنظن بأنفسنا خيراً ولننشغل بما فيه صلاح أولانا وأخرانا ، ولنجعل التقوى سبيلنا ، والصبر مقيلنا ، والثبات والاستقامة على السنة والطريقة كهفنا ، والله غالب ٌعلى أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت