الانقسام الفلسطيني: جزئي ام شامل

بقلم: جادالله صفا

تعيش الساحة الفلسطينية بمجملها حالة انقسام شاملة، لا تقتصر على منطقة جغرافية محددة، فالانقسام الفلسطيني موجود بكل اماكن التواجد الفلسطيني سواء بفلسطين او دول الجوار او الشتات او اي مكان يتواجد به تجمع فلسطيني، فالانقسام الذي يتعمق يوميا بالجسم الفلسطيني دون ايجاد اي مخرج او حلولا له، فأستمراره يهدد بشكل كامل مجمل مصير القضية الفلسطينية والحقوق والثوابت الوطنية، ويؤثر بشكل مطلق على كامل المسيرة النضالية الفلسطينية كما يؤثر سلبا على الموقف الدولي الرسمي والشعبي وحملة التضامن العالمية من اجل ان يتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الغير قابلة للتصرف وعلى راسها حق العودة.

الانقسام الفلسطيني بحالته لا يجوز اعتباره بانه انقسام جغرافي بين غزة والضفة، قد تتجاهل قطاعات واسعة بوعي او قصد بوجود انقسامات اخرى ذات اهمية ولا تقل بخطورتها عن الحاصل بالوطن الفلسطيني، ومن اجل تثبيت صحة هذا المقال وما يقال بداخله، اتساءل: الوضع الفلسطيني بالمخيمات الفلسطينية بلبنان بخصوص الشأن الفلسطيني هل هو متوحد ام منقسم ام انه بحالة خلاف ضمن الجسم الواحد؟ ولا بد من النظر الى التجمعات الفلسطينية بدول اوروبا وامريكا اللاتينية، فاي تمحص لواقع التجمعيين الفلسطينين نكتشف ان هناك انقسام فلسطيني بهذه التجمعات، وهذا الانقسام يجري بمسار خطير جدا ويؤثر على واقع التجمعات الفلسطينية وتماسكها ووحدتها مستقبلا والذي قد يترك واقع يصعب العودة به الى الوراء مستقبلا.

اتحدث عن هذا الانقسام، ولا اعني به انقسام بين فتح وحماس، وانما اعني انقسام بالجسم الفلسطيني كاملا، وتفتت شامل للساحة الفلسطينية وانقسامات واسعة بالتجمعات الفلسطينية، فواقع الجالية الفلسطينية باوروبا شاهد على هذه الحالة، كذلك الحال بامريكا اللاتينية، فالجاليات الفلسطينية تعيش حالات انقسام وباستمرارها يهدد الجالية الفلسطينية ويجعل ادائها بخطر، ولا نخفي اطلاقا ما صرح به احد المسوليين البرازيليين الذي رفض ذكر اسمه والمنظمين للمنتدى الاجتماعي العالمي فلسطين حرة، بان لا يكون المنتدى الاجتماعي ساحة صراع بين الكتل الفلسطينية المتواجدة على الساحة البرازيلية.

ولكن هل الاراء والتجمعات والكتل الاخرى الفلسطينية يحق لها المشاركة بمؤتمر توحيدي؟ هذا السؤال المنطقي يغيب بحالة تغليب المصلحة الذاتية والفئوية، وهنا لا بد من الاشارة بان حركة فتح تسيطر على الاغلبية الساحقة من المؤسسات الفلسطينية ابتداءا من منظمة التحرير الفلسطينية المهمشة والمهترية الى اصغر مؤسسة فلسطينية باصغر تجمع فلسطيني، ومن هذا الموقع تعاملت حركة فتح باستعلاء وبفرض ارائها دون مراعاة المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطينية وفرضت بالمؤسسة الفلسطينية اسلوب ديمقراطي يضمن لها استمرار الهيمنة والسيطرة ويهمش دور القوى الاخرى، مما يجعلها تفرض وبكل قوة وجهة نظرها وتطلب من الاخرين اللحاق بهذا الموقف او الى الجحيم، فرغم تعقيدات الواقع الفلسطيني، فنحن بحاجة الى مزيد من الفحص والتمعن والمراجعة للتغلب غلى كافة القضايا التي اوصلت المؤسسات الفلسطينية الى حالة الشلل، وقادت الواقع الفلسطيني الى ظاهرة الانقسام.

الملفت للنظر بالتجمعات الفلسطينية ان السفراء الفلسطينين بحكم انتماءاتهم التنظيميةـ يغلبون المصلحة الفئوية والحزبية والذاتية على المصلحة الوطنية، وما يلمسه الفلسطيني بالمهجر ازدواجية المواقف لدى السفراء، والانحياز الكامل للخط الفتحاوي والذي يؤثر سلبا على وحدة التجمعات الفلسطينية ومؤسساتها، هذه الحالة واضحة كالشمس بالبرازيل، حيث تنشط الجالية الفلسطينية بالتحضير للمنتدى الاجتماعي العالمي فلسطين حرة، المقرر عقده نهاية شهر نوفمبر من هذا العام، وهي منقسمة على حالها، حيث بأخر اجتماع للجنة التحضيرية للمنتدى برز ذلك بوضوح، حيث قدمت ثماني مؤسسات نفسها كألاتحاد الديمقراطي للمؤسسات الفلسطينية، وقدم رئيس الاتحاد العام للمؤسسات الفلسطينية بأن الاتحاد يمثل جزءا من الجالية الفلسطينية، فموقف رئيس الاتحاد االعام للمؤسسات الفلسطينية يتنافى مع موقف السفير الفلسطيني، الذي يتعاطى مع الامور باتجاه ان تمثيل الجالية الفلسطينية يتم من خلال الاتحاد العام، ضاغطا على المؤسسات البرازيلية وطالبا منها الانحياز الى الموقف الرسمي الفلسطيني بان الجهة الممثلة هي الجهة الفلانية والمطلوب الاعتراف والتعامل معها فقط، ولكن هل هذا هو الحل لتجاوز الازمة والانقسام؟ القوى اليسارية البرازيلية حددت موقفها من خلال عدم التدخل بالشأن الداخلي الفلسطيني وعدم التدخل بخلافات الجالية وانقساماتها، فبدل ان يقوم السفير بهكذا تحرك بالاتجاه البرازيلي بصفته طرفا، يكون افضل للسفير الفلسطيني ان يتحرك باتجاه جمع شمل الجالية ووحدة ادائها مع حق التعبير ضمن المؤسسة الفلسطينية، لان هذا التوجه عند السفير يزيد من حالة الانقسام ويترك سلبيات على الاداء الفلسطيني للجالية ومؤسساتها.
فأثناء التحضير وانعقاد اللقاء الاول للتضامن مع الشعب الفلسطيني نهاية العام الماضي، كان واضحا اداء السفير الفلسطيني بانه كان طرفا فلسطينيا، بدل ان يكون سفيرا يمثل الكل الفلسطيني، وهذا يعبر بالاساس بان الساحة الفلسطينية بالبرازيل منقسمة بحالها وان السفير ليس الا طرفا به، وهذا يعقد الامور من اجل ايجاد حلولا لازمات الجاليات التي تأخذ مسارا اخرا باتجاه الانقسام وتجذيره بالتجمعات الفلسطينية، واعتقد ان هذه الحالة موجودة ومنتشرة بكافة التجمعات الفلسطينية بالقارات الخمس.

لا اعتقد انه بامكاننا ان نتجاوز الانقسام الفلسطيني قبل البحث باسبابه والعوامل التي ادت الى حدوثه وايجاد الحلول الواقعية، وهذا لا يتم الا من خلال مراجعة جادة ومسؤولية لتجاوز الازمة، فالانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة مستمر ما دام الانقسام الفلسطيني موجود بالتجمعات الفلسطينية خارج فلسطين سواء بمخيمات الشتات او اوروبا او امريكا اللاتينية، وان غياب الحلول هو غياب المؤسسة التمثيلية الديمقراطية التي تجمع كافة اطياف الشعب واراءه وايديولوجياته، لا يجوز لطرف ان يعلن ملكيته لهذه المؤسسة، ويجب ان تتطابق اقواله مع افعاله وخطواته على الارض، ان بناء جسور الثقة لا بد ان تبدأ اولا من خلال القاعدة قبل ان تبدأ من رأس الهرم، لان القاعدة هي التي ستكون العامل الضاغط من اجل وحدة وطنية حقيقية بضمانات الجماهير من خلال اعادة تنظيمها بمؤسسات ديمقراطية حقيقية تكون ملكا للجماهير والشعب، لا يمكننا ان نخفي ان القيادة الفلسطينية على صعيد الوطن هي قيادة تشكل طرفا بحالة الانقسام، وبالتجمعات الفلسطينية تشكل السفارات الفلسطينية وسفرائنا الفلسطينيون طرفا بانقساماتها، فأين يكمن الحل؟
ولهذا لا ارى الا ان يكون سفرائنا عاملا موحدا وان يبتعدوا بادائهم الفلسطيني عن حساباتهم الفئوية والحزبية، وان تتحلى مواقفهم بعدم الانحياز لطرف، وان يقوموا بدعوة الاطراف والطلب منها بالعمل تحت رعاية السفارة على تجاوز الازمات وحالات الانقسام، بكل تاكيد سنكون بواقع اخر افضل بكثير من الواقع الحالي، وقد لا يكون ما نطمح له ولكنه سيكون افضل، وعلى صعيد القيادة الفلسطينية قد يختلف الحال فيها عن التجمعات الفلسطينية ودور السفارات، بحكم دورها والعوامل المؤثرة على مواقفها السياسية سواء العربية او الاقليمية او الدولية، الا ان النجاح اعتقد انه يبدأ من القاعدة لتجاوز الازمة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

فاذا جاليتنا الفلسطينية بالبرازيل لا تتمكن من بناء جمعية فلسطينية واحدة على قاعدة حق مشاركة الجميع بالتمثيل والمشاركة من خلال انتخابات حرة ونزيهة ضمن قانون دستوري للجمعية يشارك بوضعه ابناء الجالية الفلسطينية بهذه المدينة او تلك، بكل تأكيد سنكون فاشلين ببناء وطن واحد موحد وقيادة واحدة يحترمها شعبنا.

جادالله صفا – البرازيل
01/04/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت