القدس.. للأخوان المسلمين فقط..!

بقلم: منذر ارشيد

بسم الله الرحمن الرحيم

ربما يكون العنوان غريبا ً لا بل مستهجناً لدى القاريء الكريم وعذراً للإبنة رولا زهران التي كتبت مقالا ً تسأل خلاله عن سر غيابي عن صفحات دنيا الرأي ,وقد تعودت على قرائة مقالاتي حول قضايا الوطن
أشكرها بداية على ما تفضلت به وسؤالها الذي عبر عن وفاء نبيل من إنسانة وطنية ملتزمة من خلال مشاعرها الجياشة وهي تعيش في الغربة , وهي المولودة في كندا, وهي مثال رائع لأبناء فلسطين الذين يعيشون في الاغتراب وقلوبهم في فلسطين الأرض والوطن .كل الشكر يا بنيتي أيتها الزهرة الفلسطينية اليانعة
وأقول لها أني ما عدت متحمساً للكتابة رغم الكم الهائل من الأحداث التي تتوالى فوق رؤوسنا وقد أصبحت في وضع نفسي لا يؤهلني للكتابة وهناك من يكتبون في كل ما يشغل الناس
ففي صمتي يا ابنة فلسطين الأصيلة كثيرٌ من الكلام , ولكن ليس كل ما يُعرف يقال
وليس لأني أصبت بالجبن ..بل لأني ما عدت أبالي لشيء ما دمت أخاف الله فقط
ولأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )

ها أنا أعود وألبي دعوتك فوراً رغم قراري بالتوقف عن الكتابة , فمع دعوتك كان الحافز حاضراً ....فأنا في حالة غضب شديد....شديد

أما وقد عدت من خلال هذا المقال بعنوانه الغريب فما كان إلا بسبب وجيه وقد عشت في تجربة حية قبل يومين وفي مسيرة ضخمة عنوانها ( نحن قادمون يا قدس ) وكانت في أغوار الأردن قبالة المغطس وأريحا وعلى أرض أشرف معارك الأمة
على الأرض التي ارتوت بدماء شهداء فتح والجيش الأردني وعلى إمتداد أرض الكرامة إقيم هذا المهرجان الضخم
ما يقارب المائة ألف عربي وأجنبي من مختلف أنحاء العالم هبوا لنداء القدس , في تظاهرة جماهيرية عارمة بعثت الروح من جديد في داخل كل إنسان يمتلك ضمير حي ,
جائوا ليعيدوا للقدس رونقها وأهميتها ولفلسطين مكانتها الحقيقية كوطن لشعب تم تهجيره وإحلال مكانه كيانٍ صهيوني غاصب بدون وجه حق
لقد شارك الالاف في مثل هذه المسيرة والتظاهرة في فلسطين وفي بلدان الشتات وحتى في دول غربية خارج الوطن العربي ,وقد رأينا في لبنان حضور فتح بكل ما تعنيه من خلال قادتها هناك و جانب قلعة الشقيف التي لا تقل عن الكرامة حيث شهدت بطولات فتحاوية عظيمة ,
نعم لقد وكانت المشاركة من مختلف التنظيمات الفلسطينية والعربية والدولية الحرة لشعورهم بالظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني وأهم من ذلك نصرة للقدس والمسجد الأقصى الذي يجري على قدم وساق تدميره وبشكل تدريجي
أما في التجمع الضخم الذي حصل في غور الأردن وعلى أرض الكرامة ..!

كان الأمربقدر ما هو عظيماً ومبهجاً..كان مؤسفاً ومحزنا ً وترك في القلب غصة .!

كلنا يعرف أن القدس هي جوهرة ودرة فلسطين التي بدونها لا معنى لفلسطين , وأن أي حراك بحجم القدس يجب أن يواكبه مشاعر كل فلسطيني من خلال الحضور الشامل لكل أطياف الشعب الفلسطيني ناهيك عن العربي
نلاحظ أن هناك إستهجان شعبي عربي لوصول الإسلاميين ممثلين بالإخوان المسلمين للسلطة كما حصل في تونس وليبيا وما يحصل الان في مصر وكما يعد له في باقي الوطن العربي
ونسمع أصواتاً عربية وفلسطينية ومنها فتحاوية وجبهاوية وغيرها تستهجن مثل هذا الأمر
وهناك من يقول أن الإخوان المسلمين ركبوا موجة الربيع العربي وصعدوا على أكتاف الشهداء الذين ضحوا من أجل رفع الظلم وقد أطاحوا بحكامهم , وهناك من يضيف بأن أمريكا
تدفع بالإخوان لكي يتسلموا الحكم في الدول العربية , ربما ظلت هذه المقولة بنظري مجرد تكهنات أو تحليل يفتقد لبعض الحقائق أو التأكيدات لأنه وحسب وجهة نظري لا أمريكا ولا العالم كله يستطيع أن يفرض الإخوان المسلمين على الشعوب العربية , فالشعوب العربية التي قامت وضحت ونجحت بإنهاء الطواغيت لا يمكن أن ترضى بطواغيت من صنع أمريكا مرة ثانية
ولكن يحق لي أن أقول كلمة ليس لها علاقة بما يقوله الناس ولا بأمريكا صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد , وبإختصار شديد أقول..

( صاحب الحضور يفرض نفسه علىمن يُغيب نفسه لو برر ذلك بكل حجج الدنيا )

إن ما شاهدته في مسيرة القدس في غور الأردن فتح أمامي أفاق جديدة وأعطاني إجابات واضحة لا بل فاضحة لكل من يدعي أن الإخوان المسلمين يركبون الموجة ويستغلون ثورات الشعوب .. وكل من يدعي أنهم تنظيم عالمي أو غني أو أو ...
ففتح بشهدائها وتاريخها أكثر عالمية وأكثر غنىً لو أنها حافظت على تاريخها وأموالها

تلبية النداء إلى القدس

منذ أكثر من شهر ونحن نسمع عن هذه المسيرة العالمية التي يتم الإعداد لها وخاصة هذه المسيرة التي سيشارك بها الالاف من مختلف أنحاء العالم وقد تم تسميتها بالمليونية
وكنت أعتقد بأن مثل هذا الموضوع سيكون الشغل الشاغل لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الأكبر فيها وهي ( حركة فتح ) وكنت أعتقد أيضاً أن تنظيم حركة فتح في الأردن والذي جمع الالاف قبل شهرين في الجامعة الأهلية لمشاهدة فرقة العاشقين الفلسطينية
وقد تم توزيع الاف الدعوات وقد غصت قاعة مسرح الجامعة الأهلية الضخمة بالالاف حتى ضاقت القاعة بهم ولم يتمكن الالاف من مشاهدة الحفل
فاعتقدت أن القدس ستكون أهم من فرقة العاشقين , ولهذا سيكون التحشيد الفتحاوي في مسيرة القدس أكبر وأعظم
كما أسلفت فالدعوة لهذه المسيرة المليونية لم تقتصر على جهة وعلى فصيل لا فلسطيني ولا عربي وإنما جائت كفكرة متطورة من أشخاص وطنيين عروبيين وإسلاميين لكي تُبعث قضية القدس من جديد وترسل رسالة عالمية فحواها أن القدس يجب أن يتم تحريرها رغم أنف العالم المتصهين .

وحتى لو كانت هناك جهة ومهما كانت هذه الجهة وأي كانت , من هذا الحزب أو ذاك ,فلا يعني أن يتجاهلها أياً كان تحت حجة أنها فكرة هذه الفئة أو تلك الجهة أو حتى هذا الحزب
وإلا ما الذي أجبر أوروبيين ومسيحيين لا بل يهود من الناطوري كارتا أن يحضروا مثل هذا المهرجان ..!
إذا ً هي مسيرة وطنية حضارية تحمل في طياتها عنواناً واضحا ً ( القدس لنا )
أين ابناء منظمة التحرير لا بل أين الفتحاويين في مثل هذه المسيرة ..!
شهر كامل كانت فرصة تاريخية لكل من له هدف ولكل من يدعي أن القدس له وأن هدفه تحريرها وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس
شهر كامل ونحن ننتظر هذا اليوم لنرى هذا الطيف من المناضلين الذين ترعرعوا تحت راية فتح التي هي سبب في علو شأنهم من خلال دماء الشهداء الذين قضوا من أجل فلسطين والقدس
ذهبت الى المسيرة مصطحباً زوجتي وأنا أتباها بحركتي العظيمة وكلي أمل بأن يكون حضورهم كما كان على الأقل يوم فرقة العاشقين
وصلت المكان بصعوبة وقد غصت الساحات بالنساء ....النساء ....النساء والأطفال عائلات بأكملها ناهيك عن الرجال شيباً وشباباً بتجمع مهيب وقد نصبت الخيم وكل وسائل الراحة ووسائل الإتصال ومكبرات الصوت وأناشيد القدس وفلسطين وأعلام كبيرة وصغيرة
كلها تحمل شعار الأخوان المسلمين , تنظيم ما بعده تنظيم ..شباب مثقفين مؤدبين منظمين يلبسون على رؤوسهم قبعات تحمل شعار الإخوان ,قاموا بتنظيم المهرجان تنظيماً رائعاً
واستطاعوا أن يضبطوا هذا الحشد الضخم بكل أريحية ..أماكن للنساء
دون اختلاط الحابل بالنابل , صفوف من الشباب تعمل حاجزا ً بشريا ً يحمي المربعات المخصصة للنساء ..دورات مياه للرجال ..وأخرى للنساء ..بدأ المهرجان وانتهى ولم نسمع سوى نداءات وبعض الشعارات التي أغضبت بعض الحضور ولكن بحنكة مطلقي هذه الشعارات استطاعوا أن يمتصوا غضب الغاضبين دون تدخل رجال الأمن الذين اصطفوا حول المسيرة بأعداد كبيرة , ولم نشهد أحداثاً خارج المألوف كما يحدث عادةً سوى بعض الشباب المتحمسين الذين حاولوا تجاوز الطوق اللأمني المفروضللوصول إلى الحدود مع فلسطين ,وتم صدهم دون صدام يُذكر .

فلسطين والقدس في تظاهرة عالمية هادفة ترجمت الهدف نحو القدس بكل جدارة

كل العالم شارك في هذه المسيرة من خلال قيادات رمزية جائت من كل أنحاء العالم ولم أرى أي ممثل لتنظيم فلسطيني وخاصة لحركة فتح
قيادات من مختلف أنحاء العالم تحدثت عبر الميكرفون وعلى المنصة الرئيسية وحتى اليهود تحدثوا ولم يكن لفتح من يقول كلمة ونحن على الأرض التي سقط قيها مائتي شهيد لفتح في معركة الكرامة
نظرت زوجتي وبعد أن التقيت بها بعد انتهاء المهرجان فقالت : يا خيبتي وخجلي عليكم يا فتحاوية
شو كنها القدس مش إلكم ..!
نفخت نفخة ...وقلت لها ماذا تقصدين ..!
قالت.... يبدو أن القدس للإخوان المسلمين فقط
قلت : يبدو ذلك
قالت : أنا لم أرى أمريكا ..كل ما رأيته حزب كبير وحشد كبير وتنظيم قوي يعرف ما يريد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت