مقال تحليلي,,,,
لا نعتقد بأن حل السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي، سيؤثر كثيراً على إسرائيل، فهذه الورقة الهائلة والضاغطة كان يجب استخدامها قبل عدة سنوات، قبل أن يتجذر الاستيطان الإسرائيلي الواسع في الضفة الغربية، وفي ظروف دولية وعربية أفضل في التأثير على إسرائيل، فقد نادينا ونادى غيرنا باللجوء إلى حل السلطة منذ سنوات، وكانت إسرائيل شديدة التخوف آنذاك من هكذا خطوة، والتي تلقي عليها أعباء الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتتحمل مسؤولية حياتهم اليومية، وقضايا التعليم والمدارس والصحة، والأهم الأعباء الأمنية التي ألقيت على كاهل الفلسطينيين حيث اعترف قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أكثر من مرة بأن الأمن الفلسطيني كان عاملاً أساسياً بالحفاظ على الأمن داخل الأراضي الفلسطينية من جهة، وعلى مفاصل الحدود الإسرائيلية من جهة اخرى.
إن مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بما يسمى بحل الدولتين، لم يكن جدياً، إذ أن "نتنياهو" يتبنى نظرية أن جميع الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر ملك بلا منازع للشعب اليهودي، وكان طرحه بحل الدولتين يندرج في العلاقات الإسرائيلية الخارجية، ولكسب المزيد من الوقت لملء الضفة بالمستوطنات، وحتى لنفترض بأنه كان جاداً في طرحه، إلا أن الاستمرار في عملية البناء الاستيطاني، وسيطرة إسرائيل على أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، يكون قد أجهض بنفسه ما طرحه بحل الدولتين، حتى أن الوزير "بيغن الابن"، تنصل من فكرة حل الدولتين قبل أيام، وأعلن أن الحكومة الإسرائيلية لم تجر مناقشة حول حل الدولتين، وليس هناك قرار لدى مجلس الوزراء بهذا الحل، كما أن الزحف الاستيطاني مبرمج، فوفقاً لما كشف عنه موقع "واينت" الإخباري الإسرائيلي، بالخطة التي تحمل اسم "بنيت"، اسم مدير عام مجلس المستوطنات "نفتالي بينت"، والتي تقضي بضم مناطق "سي" حسب اتفاق "اوسلو"، والتي تبلغ مساحتها 60% من أراضي الضفة إلى السيادة الإسرائيلية بشكل أحادي الجانب، دون الاهتمام لردود الفعل العالمية، حين يقول بأن العالم لا يعترف اليوم بسيادة إسرائيل على القدس، ولا على حائط المبكى" البراق"، وعلى الأحياء الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل في محيط القدس، كما لا يعترف العالم بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان، ويضيف بأن العالم سيتعود على الأمر الواقع مع مرور الزمن ليعترف به.
من ناحية أخرى اتهمت منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان ،25-3-2012، الجهاز القضائي الإسرائيلي بأن إقامته ومهمته للسيطرة على أراضي الضفة، وتحويل أراضي فلسطينية خاصة وعامة وما يسمى بأراضي دولة، لصالح المستوطنات، تحت ذرائع واهية، مثل أن هذه الأراضي لازمة لأغراض عسكرية، أو لأغراض عامة، مما أدى إلى نقل أكثر من 42% من هذه الأراضي إلى المستوطنات، وهذه سياسة إسرائيلية عملت بها في المنطقة المحتلة منذ عام 1948، والتي أبقت للمواطنين الفلسطينيين 3% فقط من الأرض، وهي تتابع هذه السياسة منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 وما زالت مستمرة بهذا النهج.
هناك نقاط تحول في الإستراتيجية الإسرائيلية في موضوع الاستيطان، بشكل لم يسبق له مثيل، وعاد حزب "الليكود" الحاكم لرفع شعار أيديولوجيته القديمة التي استمدها من زعيم الحركة اليمينية الصهيونية "زئيف جبوتنسكي"، هذا الشعار الذي يعتبر أن لنهر الأردن ضفتين، هذه لهم وتلك أيضاً، فمؤتمر حزب "الليكود" الذي عقد مؤخراً، والذي أعاد انتخاب "نتنياهو" زعيماً له، فقد دعا نشطاء الحزب في هذا المؤتمر للسير على درب "جبوتنسكي" بعد أن سيطر أعضاء اليمين الاستيطاني داخل هذا الحزب وأصبحوا يشكلون أكثر من 33% من أعضائه، إضافة إلى ذلك، فإن البرنامج السياسي لحزب "الليكود" الذي يخوض الانتخابات بموجبه، ينص على أن أرض فلسطين التاريخية ملك بلا منازع للشعب اليهودي، فإن الطريق مغلق أمام الحل.
إسرائيل التي لا تعير اهتماماً للقانون الدولي، ولقرارات الشرعية، ولا للاتفاقات وخارطة الطريق، وترفض ما حددته اللجنة الرباعية الدولية لحل الصراع، تعمل على تتابع جغرافي وربط المستوطنات مع بعضها البعض، لتشمل غور الأردن، والبحر الميت، ومستوطنات أرئيل المجاورة للخط الأخضر التي تعمل على محيه، ومعاليه ادوميم "الخان الأحمر"، ومستوطنات الضفة، وحسب المصادر الإسرائيلية فإن (50) ألف فلسطيني يعيشون في مناطق "سي" لتمنحهم المواطنة الإسرائيلية وليس الجنسية، فهي لا تخشى من وجودهم بين (350) ألف مستوطن، وتعتبر أنهم سيذوبون بينهم، كما أن التوجهات الإسرائيلية بإحداث قطيعة تامة مع قطاع غزة كي لا يصّدر القطاع مشاكله إلى الضفة، بل أن النوايا الإسرائيلية تتجه للعمل على ضم القطاع إلى مصر بشكل تدريجي، ولا وجود حتى للحديث عن حل الدولتين بعد اليوم.
لقد أصبحت الخيارات الفلسطينية شبه معدومة، وكان على القيادة الفلسطينية عدم التفاوض مع حكومة اولمرت دون تجميد الاستيطان، وهذه الخطوة استغلها "نتنياهو" للاستمرار بهذه المفاوضات العبثية مع الاستمرار بالاستيطان، وأصبحت خيارات الفلسطينيين تمتد من المقاومة الشعبية-السلمية، إلى هجمة دبلوماسية في الأمم المتحدة والعالم، وحتى إلى حل السلطة الفلسطينية، حتى أن حل السلطة أصبح مطلبا لليمين الإسرائيلي، فالسلطة في مأزق ليس فقط يتعلق بمستقبل الأرض وإقامة الدولة، بل بمصير المواطنين تحت الاحتلال، ورواتب (170) ألف موظف فلسطيني، والمشاكل والمعاناة الإضافية التي سيتعرضون لها، لكن السؤال الملح هو ما بين القبول بخيار الأمر الواقع الإسرائيلي في تصفية القضية، وبين الاستمرار بتحمل المسؤولية عن المواطنين تحت الاحتلال، من خلال سلطة وهمية، وكلا الخيارين مران، حتى أصبح الكثيرون يترحمون على اتفاق اوسلو.
أحد لا يعرف عن توجهات القيادة الفلسطينية المستقبلية، وخياراتها، فهي تتعرض لأزمة مالية، وقد يزداد الضغط المالي عليها لتركيعها، والحديث عن توجيه الرئيس الفلسطيني رسالة إنذار لـ "نتنياهو" ولقادة العالم، حول الخيارات الفلسطينية، بما فيها حل السلطة، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لن تؤثر هذه كثيراً على إسرائيل، في ظل انشغال أميركا وبعض الدول الأوروبية في انتخاباتها وأوضاعها الداخلية، وهذه الرسالة التي قد تحمّل إسرائيل و"نتنياهو" شخصياً المسؤولية الكاملة عن إفشال المفاوضات، لن تغير شيئاً في ظل الوضع العربي المهزوز، وحتى التهديد بإعادة الأمور إلى المربع الأول أي قبل اتفاقيات "أوسلو" وتطبيق القانون الدولي على الأراضي المحتلة، فإن مثل هذا التوجه سينتظره "الفيتو" الأميركي، ومن يتذكر قرار محكمة "لاهاي" الدولية بالنسبة لجدار الفصل العنصري وإجراءات الاحتلال من استيطان وغيره التي اعتبرته المحكمة غير قانوني ولاغياً، فإن عدم تجسيد قرار هذه المحكمة يعود للتلويح "بالفيتو" الأميركي، فالرئيس "محمود عباس" سيوجه رسالة شديدة اللهجة، يحذر فيها من مواصلة الاستيطان، وعدم اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران 1967، وبدلاً من قيام الرئيس "أوباما" بالضغط على إسرائيل، فإنه يهاتف الرئيس الفلسطيني بعد انقطاع دام ستة شهور، ليضغط عليه لمنعه من توجيه رسالته المزمعة أو على الأقل تخفيف لهجتها، فإن قول "أوباما" بأنه ما زال ملتزماً بالعملية السياسية، وبإقامة الدولة الفلسطينية، عليه إرفاق أقواله بالأفعال وليس بالأقوال، فالولايات المتحدة تتحمل المسؤولية بشكل رئيسي مما آلت إليه المفاوضات، وتجاهلها لمبادرة السلام العربية، وتراجع الرئيس الأميركي عن جميع التعهدات التي أطلقها وتعهد بها لحل الصراع في الشرق الأوسط.
غازي السعدي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت