الجدران ليست الحل ...!

بقلم: هاني العقاد


في القريب العاجل ستكتمل حظيرة اسرائيل ,وهى الاسوار حول كيان اسرائيل الغاشم وهذا يذكرنا بالبغال التى تحبس داخل حظائر لان البغال عادة ما تحب العيش داخل حظائر تبتعد فيها عن الخيول ولا تحب الإستئناس بالانسان لهذا اجبرها الانسان على خدمته وطوعها للقيام بأعمال النقل وهى الشيء الوحيد الذي افلحت فيه , انها كيان اسرائيل الذي يضع نفسه داخل اسوار تحيط به من جانب ويرفض العيش في سلام مع جيرانه بدلا من هذا, وهذه بمثابة الحظيرة التى بنتها اسرائيل لنفسها والتى ستبقي داخلها الى ان تزول , ولإكمال هذه الحظيرة التى ترتفع اسوارها واحدا بعد الاخر فأنها تحبس نفسها بنفسها ,وقد اعلنت اسرائيل اليوم انها ستبني سياجا جداري اخر بينها و بين الاردن أي على حدود الاردن و فلسطين التاريخية وذلك على غرار السور الذي بدأت في بنائه منتصف العام الماضي على الحدود مع مصر والسور الذي بدأت تبنية على حدودها مع قطاع غزة بعد عملية الوهم المتبدد التى اسر فيها الجندي الاسرائيلي شاليط , و كانت اسرائيل قد بدأت في بناء السور الواقي على حدود الضفة الغربية أي داخل الارض الفلسطينية لتعزل الارض الفلسطينية ذات الغالبية الفلسطينية عن الارض التى تستوطنها وبالتالى فأنها عزلت نفسها و لم تعزل الفلسطينيين لان الفلسطينيين باتوا منفتحين على العالم وسوف يواصلوا التقائهم مع العالم من خلال بوابات عديدة سواء كانت حدودية او الكترونية او متوسطية , لكن اهم هذه البوابات هي البوابة القومية التي تربطها بكل العرب والبوابات الانسانية التى تربطها بكل الاحرار والمدافعين عن الانسان و حقوقه والبوابة الدينية التى تربطها بالعالم الاسلامي وبالديانات الاخرى .

لعل رشقات صورايخ غراد الاخيرة التى اصابت ايلات ,تلك المدينة الساحلية السياحية تؤكد أن اسرائيل تدفن رأسها تحت كومة من الحقد والعداء للسلام الحقيقي وتطرفها يجعلها تختبئ داخل جدران وتعتقد انه الحل لكل ازماتها الامنية ,و تعتقد انها ستكون في مأمن وستكون بعيدة عن أي هجوم وستحمي سكانها , لكن هذا اعتقاد خاطئ وادلل على خطئه من المعطيات والإحداثيات الاخيرة التى جعلت من جدران اسرائيل لا شيء والجدران حل مكلف جدا على حساب السلام الحقيقي , وعلاوة على ذلك فأن اصرت اسرائيل على الاستمرار في العداء للأمة العربية والاسلامية والبقاء كدولة تعيش على الاحتلال والحرب والقتل والتدمير والتهويد و الاستيطان وخاصة في زمن التغيير العربي فأنها ستعاني الكثير ولن تجدي معها طائراتها و راداراتها واقمار امريكا الصناعية الباحثة عن تلك الخلايا التى تعادى اسرائيل من هذا الاتجاه او ذاك ,والحقيقة ان مرحلة التطرف الصهيونيى الحالى قد اوصلت صواريخ غراد الى ايلات و اعتقد أن الاتي قد يكون اعقد واقسي على اسرائيل دون سلام , وهذا ما سيجعل المعاناة كبيرة , هذا يدلل لكل المراقبين والمفكرين ان سرائيل دولة حرب تستفيد من حالة السخونة التى تلف جدرانها ,ولا يمكنها القبول بحالة طويلة من السلام والاستقرار , لانها ستفقد امدادات العالم الغربي من اموال وسلاح وطائرات وذخائر و تكنولوجيا حربية .

لا يمكن لحالة التطرف الاسرائيلي ان تستمر ويقابلها العرب بحالة احترام وحماية حدود و حالة تصنع فيها علاقات طبيعية وتتواصل فيها دوائر الاقتصاد والثقافة ودوائر الاهتمام بالإنسان وصحته والعديد من الدوائر التى تعني بحالة الانسان ونموه , ولا يمكن لحالة التطرف الاسرائيلي والاستمرار في الاستيطان بكل ارجاء الضفة الغربية و رسم حدود الدولة اليهودية بالجدران ان تؤدي الى حالة من الاحترام لهذا الكيان ولا للشعب الاسرائيلي بكامل مكوناته السياسية ولا تؤدي بالطبع لحالة من الامن والاستقرار بالشرق الاوسط و هذا يعني ان التسابق على التسلح سيبقي سيد الموقف وتوجه بعض دول المنطقة لامتلاك سلاح نووي يعتبر امرا شرعيا ما دامت اصغر دولة بالمنطقة تمتلك عشرات القنابل النووية والالاف الصواريخ التى تحمل رؤؤس نوويه ومادامت تصر على العداء لكل ما هو غير يهودي وتضرب بعرض الحائط كافة القوانين والقرارات الدولية والمبادرات العربية والاوروبية التى تدعو الى سلام دائم وشامل بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على اساس احترام قرارات الشرعية الدولية الداعية الى انهاء الصراع وتمكين كل طرف بالعيش والنمو والتطور داخل دولته المستقلة وهذا ما لم تسمح به اسرائيل للفلسطينيين حتى الان ,بل انها تمعن في مصادرة كافة حقوقهم بداية من ممارسة الشعائر الدينية في مساجدهم وكنائسهم والانتهاء بإبعاد الفلسطينيين عن ارضهم وقتلهم وهدم بيوتهم .

ان السلام العادل والحقيقي الذي يضمن لكل سكان المنطقة العربية التمتع بالأمن والاستقرار في ظل منظومة اقتصادية تعني بحاجات الانسان وتطلعاته هو الجدار الحقيقي الذي يحمي اسرائيل وشعبها ويضمن نمو وتطور كافة دول المنطقة العربية بما يقنع شعوبها بان اسرائيل لم تعد دولة معادية بل دولة محبة للسلام وتسعي اليه وبالتالى يبتعد شبح الحرب الذي عانت منه المنطقة اكثر من سبع عقود حتى الان وهو الاداة الحقيقية التى تقنع كافة دول منطقة الشرق الاوسط بالكف عن حالة التسلح المخيف التى تتسابق عليها ,والسلام هو القناعة التى يبحث عنها شعوب الربيع العربي لتتحرر مقدسات الامة العربية وتعود الارض العربية المغتصبة لأصحابها دون مزيد من الدم والقتل والتهجير وبهذا تكون اسرائيل قد وفرت مليارات الدولارات التى ستعود على شعبها واستثمرته في السلام بدلا من بناء الجدران لصناعة دولة يهودية بلا مستقبل وبلا أمن و بلا استقرار.
د. هاني العقاد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت