ان الوقفة أمام قامة بوزن ومكانة الشهيد القائد عز الدين بدرخان ابو العز في ذكراه السنوية ليس فقط استحضار ذكرى، بل التوقف أمام قيم ومعاني فيها تجديد لعهد الوفاء لقائد عربي قومي فلسطيني بامتياز قارع الاحتلال ورفض التراجع والخنوع .
ابو العز مكافح ومناضل عربي وقائد فلسطيني انتمى لجبهة التحرير الفلسطينية وناضل حتى استشهاده بمواجهة الاحتلال الامريكي في العراق ليشكل رمزية المقاومة العربية بمواجهة الاحتلال ، حيث أرسل رسالة شعبه وامته لآذان ومسامع كل العالم، بعد صمت المجتمع الدولي وإدارته الظهر لقضية شعب طرد من أرضه قسرا بقوة الإرهاب والسلاح أمام العالم، وبمباركة مؤسسات الشرعية الدولية،وللأسف بقرارات الأمم المتحدة التي اعترفت بحق الجلاد في قتل الضحية ومحاولة محو أثار الجريمة، عندما اشترطت الأمم المتحدة القبول بشرعية الكيان الصهيوني باعترافه بالقرار 181، والقرار 194 وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار والممتلكات التي شردوا منها.
تعجز الكلمات عن وصفه ونعجز عن ان نفيه حقه مهما قلنا او فعلنا لا يوجد أصعب على النفس من تناول الإنسان شيئان في محاولة البحث والكتابة عنهما، وهما: الإنسان والمكان، لما يمتزج فيهما من أثر يترك بصماته على النفس البشَّرية، حيث تجدَّ الذات تفوض في مجد وانجاز تارة، وانحسار وتراجع تارة أخرى...
في تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية إطلالة للقائد الشهيد ابو العز ومسيرة أمام مرأى الجميع، ولها من الضوء ما يضفي عليها جانب العمومية وليس الحصر، وهو ما يربك أي محاولات للتفويض في سيرة هذه الشخصية وتناولها بشيء من العمق، فالتاريخ لا يسير بخط مستقيم، وأحداثه لا تُعيد تكرار نفسها، والشخصيةُ جزءُ منفصل عن العام، لها من الصفات والسمات ما يمَّايزها عن الآخر،وهي ما مثلت دافعاً لتشكيل صفحة من التاريخ يتداولها جيلاً تلو جيل، وإعادة إنتاج هذه الشخصية وتفصيلها وتتبع منحنياتها التي شكلت بصمات لا تتطابق، وخاصة في الحالة التي أتناولها من حيث القيادة، والأثر الكفاحي النضالي، والعمق الفكري الأيديولوجي،
فهذه الشخصية التي شكلت مع الشهيد القائد الوطني والقومي الكبير الامين العام ابو العباس ومع رفاقه القادة سعيد اليوسف وكافة القادة الشهداء عبر التاريخ الفلسطيني مدخلاً عبر مسيرة عقود ، حيث من خلالها تتناول الحالة النضالية لجبهة التحرير الفلسطينية التي امتد تأثيرها خارج المحيط الفلسطيني والعربي، ليضرب بجذوره المحيط الأممي الثوري،هذه الجبهة ببعديها الوطني والقومي شكلت نموذجا طليعيا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني .
ليست مفاجئة النهاية التي آلت بمصير القائد الكبير الرمز(ابو العباس)، واستشهد القائد ابو العز ، وخاصة ان جبهة التحرير الفلسطينية التي امنت بكافة وسائل النضال والكفاح وابتكار واختلاق أساليب المواجهة بما يتلاءم وطبيعة ساحة المعركة وأسلحتها، لا يقوى على التمحور والتأقلم معها إلاّ القلة النادرة من وهبوا واكتسبوا عمق قراءة الأحداث والمتغيرات وإحداثيات المعادلة المتطورة بمركباتها مع تطور أدوات الصراع ومفاهيمه وملامحه،حيث تزداد تمترساً نحو تحرير فلسطين، ووحدتْ قواها الوطنية وحركتها الثورية، والعدالة المجتمعية ، وصيانة القضية الوطنية ،وإلى تفان في الإنصهار بالتضحية.
من هنا إتضحت ملامح التأطير الفكري في شخصية القائد ابو العز الذي عمل بصدق ونقاء، وحالة من نفي الذات في أُطر العمل الوطني الفلسطيني، والقومي العربي، وتميزه بحرصه الشديد على جبهة التحرير الفلسطينية ودورها النضالي.
إمتزج ابو العز مع مناضلي الجبهة، ومع أبناء شعبه وبدأ مسيرة المواجهة والمجابهة في خندق الإيثار والتضحية، والطهارة الكفاحية والنضالية، ناكراً للذات، كدلالات نابضة عن الفكرة التي حملها على إغتصاب وطن، وإقتلاع شعب.
هي تلك المحطات الهامة في مسيرة من أراد لدمائه الإنسكاب في محبرة التاريخ، وريشة الزمان تنقش ألوانها على خارطة الوطن العربي في بلاد الرافدين يتخذ من الأسماء أنقاها وأكثرها جمالاً.
ولكن الحقيقة أزفت، والمرج أنبت سنابله الخضراء في بستان الربيع المُتلون بالإخضرار النضّالي، في مدرسة ذات نمط خاص، ومنهج خاص بنائه الأساسي ثورية متواصلة الأطراف، متكاملة الأركان، مبادئها ثابتة بتربة طيبة، وجذور ممتدة عبر الزمن ورحلات التأريخ المتآصلة بجنازة الأشجار المكلومة بخريف يقتلع أوراقها، ولكنه لم يقتلع إمتدادها المتثبت بالأرض بقوة الإلتحام.
واليوم تمضي السنوات تستمر الجريمة الدولية بحق الشعب الفلسطيني جراء الموقف الدولي والفيتو الأمريكي بعدما تمدد المشروع الصهيوني ليس فقط على حساب فلسطين، و إنما التوسع في الأراضي العربية الأخرى ولم يسحب الاعتراف من الكيان الغاصب رغم كل جرائمه واستيطانه المستمر ولم تنصف القضية والضحية( الشعب والأراضي والحقوق).
قد يختلف البعض في قراءة التجربة النضالية لجبهة التحرير الفلسطينية وقادتها الشهداء التي حققت أهدافها ورسالتها الأولى في محاولة إيقاظ ضمير العالم والقول أن هناك شعب يستحق الحياة، يستحق المساندة، و يستحق العودة ورفع الظلم عنه …
احتل ابو العز مكانته وحضوره ليس فقط من خلال موقعه في قمة الهرم القيادي لجبهة التحرير الفلسطينية ، فهو استذكار واستحضار لنماذج من القيادة نفتقدها اليوم، ونحن بأمس الحاجة لأمثالها صدقاً وشجاعةً وكفاءةً وإقداماً، نموذج المناضل القائد العضوي بسلوكه الثوري المتفاني لدرجة نكران الذات .
وامام ذكرى مناضلا وقائدا سطر اروع صفحات النضال نرى اليوم شعبنا الذي يسطرعبر شهداءه وجرحاه وعذابات أسراه الاستعداد الدائم للتضحية من أجل الاستمرار في مقاومته رغم كل الظروف القاسية والصعبة حيث يدير البعض الظهر لكل دعوات المراجعة والمصالحة الوطنية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ومؤسسات الشعب على أسس ديمقراطية وطنية من خلال الاحتكام للشعب ولصناديق الانتخاب أسلوباً وسبيلاً لتمثيل الشعب والتعبير عن خياراته .
الوفاءللشهيد القائد ابو العز ليس مجرد كلمات بل استرجاع وتقييم لواقعنا ولأوضاع ساحتنا الوطنية، لاستخلاص الدروس والعبر للمضي على درب من سبقونا من شهداء وجرحى وأسرى وبغير ذلك فنحن لا نستحق الانتماء لهؤلاء، وللقضية التي قضوا من أجلها .
ما أحوجنا اليوم في جبهة التحرير الفلسطينية، والساحة الفلسطينية، لنماذج هؤلاء الرجال رؤيةً وسلوكاً واستعداداً كفاحياً لتقديم الغالي والرخيص على مذبح الحرية والاستقلال والعودة.
لروح ابو العز ولرفاق مدرسته منا كل التحية والوفاء
رئيس تحرير صحيفة الوفاء الفلسطينية
بقلم / عباس الجمعة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت