جهاز المخابرات المصرية من أعرق الأجهزة الأمنية المعروفة على مستوى المنطقة والعالم والذي ارتبط اسمه في الكثير من المواجهات الأمنية والاستخبارية في مواجهة المخابرات الإسرائيلية " الموساد " ، وهو الجهاز الذي ظل متماسكا وصلبا بالرغم من الرياح العاتية التي هبت على المنطقة وبقي صامدا قويا بالرغم من الثورة المصرية ، ولأنه لم يسجل في تاريخه أي ممارسة سلبية ضد أبناء شعبه بقي في نظرهم جهاز الدولة المؤتمن على كل أسرار البلد ، وتميز أركان الجهاز بقيادات مصرية لديها إلمام منقطع النظير في كل تفاصيل قضايا المنطقة ، وعندما تلتقي بالفريق المكلف بالملف الفلسطيني تجدهم كلهم وبدون استثناء خبراء بالشأن الفلسطيني من كافة جوانبه سواء ما يتعلق بالفصائل صغيرها وكبيرها أو ما يتعلق بالشخصيات العامة والعائلات والجغرافيا والتاريخ فلا تكاد تفلت من أيديهم أي شاردة أوواردة في الشأن الفلسطيني العام أو الخاص .
ولكن نحن معشر الشعب الفلسطيني لازالت تسكن في أعماقنا النظرة السلبية تجاه مسمى " المخابرات " لأن هذه التسمية ارتبطت في أعماقنا بممارسات الأجهزة الأمنية ضد شبابنا وعائلاتنا وخاصة " المخابرات الإسرائيلية وأجهزة المخابرات العربية " ، ولكن لا يملك كل من يجتمع ويستمع لأركان جهاز المخابرات العامة المصرية إلا أن يحترم فيهم حرصهم الكبير على أمن بلدهم مصر في المقام الأول ومن ثم ذلك الحرص الذي يكررونه دائما بأن أمن فلسطين وقطاع غزة تحديدا هو جزء من الأمن القومي العربي ، وكذلك كل من يلتقي بهم يدرك حجم الحرص الكبير والجهد المتواصل المبذول الذي لا ينقطع لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام وأن ما تشهده مصر من أحداث داخلية كبيرة لم يقف حائلا دون الاستمرار في هذا الجهد حتى الوصول الى تحقيق الهدف ولم الشمل الفلسطيني .
كان جو اللقاء مع وكيل المخابرات المصرية اللواء رأفت شحادة واللواء نادر الأعصر والعقيد أحمد عبد الخالق يخرج عن السياق الرسمي المخابراتي العام ولا تصاب بأي حساسية كونك داخل مقر جهاز المخابرات بسبب حسن المعاملة والاستقبال الذي وجده الوفد حيث كان الحديث مباشرا وبدون مقدمات روتينية بل كانت الكلمات التي سمعناها تؤكد حرص مصر على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية ، حيث قال اللواء نادر الأعصر في مداخلته " نحن نشعر بأننا أحرص على المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام أكثر من طرفي الانقسام أنفسهم " ، هذه الجملة كان لها وقعها في نفوس الجميع ، أما الوكيل رأفت شحادة فقد أسهب في شرح سياسة الجهاز العامة تجاه كل الأطراف حيث أكد أنهم يتعاملون مع الشرعية الفلسطينية المتمثلة في الرئيس محمود عباس والمجلس التشريعي المنتخب والحكومة الفلسطينية ونتعامل مع الخيار الذي تفرزه الانتخابات لأنه خيار الشعب الفلسطيني بغض النظر عن الانتماءات السياسية ، ونحن عملنا بكل جهدنا من أجل تحقيق التهدئة بشكل متوازن لأننا ندرك أن ذلك يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته خاصة وأن حركة حماس فشلت في برنامجها المستند على المقاومة وكذلك فشل برنامج الرئيس محمود عباس المستند على المفاوضات في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني ، ولاشك أن الولايات المتحدة وإسرائيل ضد تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام لأنه يحقق مصلحة إسرائيلية ، وليس من المتوقع أن يحدث أي اختراق سياسي خلال العام 2012 بسبب انشغال الولايات المتحدة وإسرائيل في انتخاباتهم الداخلية ومن هنا يجب التركيز في هذه المرحلة على تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية وهذا أقصى ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة ويجب أن يكون أحداث الربيع العربي دافعا لتحقيق ذلك ، وهناك خشية كبيرة من اختزال القضية الفلسطينية في قطاع غزة فقط والتركيز على مشاكل القطاع على حساب ضياع أراضي الضفة الغربية والقدس ، وأكد أننا لمسنا خلال الحوارات الأخيرة رغبة صادقة وقوية لدى الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل لإنهاء الانقسام واستعدادهم لتذليل كل العقبات ، وأبدينا استعدادنا لبذل الجهود مع الأطراف الدولية لضمان الوصول الى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولكن المطلوب هو الانتهاء أولا من الإجراءات الفنية وعمل كل ما هو مطلوب على المستوى الداخلي الفلسطيي ، ولكن للأسف هناك ثقافة منتشرة بين طرفي الانقسام بأن كل طرف يشترط تنفيذ أي بند بعد أن ينفذ الطرف الآخر البند المطلوب منه وهكذا يضيع الوقت وندخل أحيانا في حلقات مفرغة ،
أما عن مشكلة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة فقد أكد سيادة الوكيل أن هناك من يعمل على تصدير هذه الأزمة الى مصر وتحميلنا المسئولية عنها بدلا من تحميلها لإسرائيل ، ونحن من طرفنا أبدينا الاستعداد لاستقبال أي شحنة وقود قادمة من أي طرف مهما كان وإيصالها الى قطاع غزة وتجاوبنا مع كل الاقتراحات لإيجاد الحلول التي لا تمس سيادة مصر وأمنها ، وحذرنا من استمرار عمل الانفاق لأنها أصبحت تشكل خطرا علي مصر وغزة على حد سواء وأصبحت تستخدم للتهريب من كل الأنواع ، وعقدت لقاءات مع سلطة الطاقة في رام الله وغزة ومع الرئيس محمود عباس لوضع آليات للخروج من هذه الأزمة .
اللقاء كان شاملا وموضوعيا وتم التأكيد على ضرورة إعادة القضية الفلسطينية الى صدارة الاهتمام الدولي وهذا لن يتحقق بدون وحدة الشعب خلف القيادة الفلسطينية وعدم السماح لأعداء الشعب الفلسطيني من استغلال الانقسام لإثبات أن الشعب الفلسطيني غير مؤهل لقيادة دولته المستقلة ، ولا يمكن التعاطي مع أي فكر أو خطوات قد تؤدي الى انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية مهما كانت الصعوبات .
المهندس / عماد عبدالحميد الفالوجي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت