لم يبق مكان لإقامة الدولة الفلسطينية-أو ما يسمى بحل الدولتين- سوى سطح القمر، ففي أعقاب استمرار الحكومة الإسرائيلية بلهف المزيد من الأرض، والاستمرار بمشروعها الاستيطاني الذي يأكل الأخضر واليابس، قامت الإدارة المدنية العسكرية- وهي السلطة المسؤولة عن الضفة الغربية- بإجراء مسح شامل للأراضي في الضفة، باعتبارها مخزوناً لتوسيع المستوطنات، وطال هذا المسح مئات آلاف الدونمات، وتم إعطاء هذه الأراضي تسميات لمشاريع ولمستوطنات قائمة، وأسماء لمستوطنات قادمة، فالمساحة الجديدة التي تنوي سلطات الاحتلال السيطرة عليها وفقاً لجريدة "هآرتس 30-3-2012"، تشكل في منطقة "ج" وحدها 60% من مساحة الضفة الغربية، وهذه المساحة تضم (569) موقعاً، تمتد على مساحة (620) ألف دونم، إضافة إلى المساحات التي سبق واستولت عليها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" عرض في مؤتمره الصحفي - بمناسبة مرور ثلاث سنوات على تشكيل حكومته اليمينية العنصرية والأكثر تطرفاً من جميع الحكومات التي سبقتها- عرض إنجازات حكومته، واصفاً دولة إسرائيل بشجرة تمثل جذورها الأمن والاستيطان، وجذعها الاقتصاد، وفروعها المجتمع، فقد اعتبر أن إسرائيل تواجه أربعة تهديدات رئيسية في الوقت الحاضر، أولها: التهديد النووي الإيراني، ثم تهديد الصواريخ والقذائف الصاروخية، يليها التهديد المتمثل بشبكة الحواسيب والتحكم الآلي، والأخير: أمن الحدود، ملوحاً بالخطر القادم من سيناء، مشيراً إلى إقامة السياج الأمني على الحدود المصرية، أما في الموضوع الفلسطيني، فقد طالب رئيس السلطة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن عن أي مفاوضات يتحدث وهو مستمر بنهب الأرض، ويرفض المرجعيات لهذه المفاوضات، حتى أصبحت هذه المرجعيات-حسب "نتنياهو"- التسليم بالمشروع الاستيطاني، وبالقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأزلية، ودون حق عودة ولا للاجئ واحد، ويضيف ويؤكد دون أي تراجع عن طلب الاعتراف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي، فأي وقاحة مثل هذه الوقاحة ليطلب من رئيس السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات؟ فقد سبق وأعلن وبرر الاستيطان بأنه يُبني في أرضه وأرض الأجداد، والمضحك المؤلم أكثر، أقوال وزير خارجيته الفاشي "افيغدور ليبرمان"، الذي يدعي بأن إسرائيل بذلت كل ما في وسعها من أجل التوصل إلى اتفاق سلام "عادل" مع الفلسطينيين، وأن الكرة أصبحت في الملعب الفلسطيني، لكنه لم يعط تفاصيل عن هذه الجهود المزعومة التي بُذلت على حد قوله، وما هو السلام العادل الذي يتحدث عنه؟
الأنظمة والقوانين الإسرائيلية التي لا نعترف بها، وهي تتناقض مع القانون الدولي، تقول بأن أي صفقة إسرائيلية لشراء منازل أو أراضٍ من الفلسطينيين لن تكون قانونية حسب قوانينهم، دون أن تحظى بموافقة الإدارة المدنية العسكرية في الضفة، فاستيلاء المستوطنين في جنح الليل، على مبنى في الخليل يعود لفلسطينيين، لم يحظ بموافقة الإدارة المدنية، وأن منطقة الشراء المزورة حتى لو صح ادعاؤهم، ليست خاضعة للقانون الإسرائيلي، بل هي مناطق مدارة على أيدي الجيش، وليس غريباً بأن وزراء ونواب كنيست وقادة أحزاب صهيونية، أيدوا خطوة استيلاء المستوطنين على المبنى، وأخذوا يحجون إليه، لشد أزر المستوطنين والهدف تطويق الحرم الإبراهيمي بالمستوطنين، بعد أن سيطروا على نصفه، بل يريدون السيطرة على الحرم بالكامل، فسياسة الاحتلال هي السيطرة على بيت بعد آخر، وعلى دونم اثر آخر، والهدف النهائي هو السيطرة على الأراضي الفلسطينية بالكامل، لنعود إلى ما قبل ثلاثة عقود، عندما قام عدد من المستوطنين بدخول مبنى "الدبوية" بالخليل بقيادة الحاخام - سيىء الذكر- "ليفنغار" حيث طلبوا المكوث به لبضعة أيام لقضاء أيام عيد الفصح فقط، لكنهم تمسمروا فيه دون أن يخرجوا، بل وسعوا أحياء الاستيطان اليهودية في الخليل والأمثلة كثيرة، حتى أن قرار المحكمة العليا بالنسبة لإخلاء المستوطنين من بؤرة "ميغرون" لم ينفذ حتى اليوم، وأن بؤرة استيطانية شاسعة أقيمت في القدس القديمة، كما أن ما يسمى برئيس بلدية القدس- نير بركات- صادق على إقامة حي استيطاني جديد مجاور لبلدة "أبو ديس"، التي كانوا يسوّقونها عاصمة للدولة الفلسطينية بدلاً من القدس الشرقية، رغم رفض الفلسطينيين لهذا الإيحاء الإسرائيلي، وأصبحوا يستكثرونها على الفلسطينيين.
إن اليمين الإسرائيلي، واليمين الديني-حيث أصبح معظم الإسرائيليين يمينيين ودينيين، وأن معظم مواليد الإسرائيليين يخلقون يمينيين ودينيين- فإنهم يعلنون بأنهم مع حل الدولتين، الأولى إسرائيل وهي غرب نهر الأردن وهي دولة اليهود، والثانية شرقي نهر الأردن وهي للعرب من أردنيين وفلسطينيين، ويقول النائب "اوري ارئيل"- من حزب الاتحاد الوطني الإسرائيلي المتطرف- بأن الفجوات بين إسرائيل والفلسطينيين منعت التوصل لحل وسط مع الفلسطينيين في المفاوضات المستمرة منذ (30) عاماً، فكان لابد من خطة سياسية بديلة -على حد قوله- وهذه الخطة بإقامة الدولتين غرب وشرق نهر الأردن، معتبراً أن إقامة دولة فلسطينية في غرب النهر- أي الضفة الغربية- سيؤدي إلى كارثة وطنية على إسرائيل، حيث سيجري طرد اليهود من أرض الأجداد -"معاريف 28-2-2012"- حتى أن الإسرائيليين الذين يُصنفون أنفسهم بالمعتدلين، والذين يقودهم الجنرال "عامي ايلون"، الذي كان وزيراً ورئيس الشاباك وقائد سلاح البحرية، بينهم رجال أمن وأعمال وشخصيات اعتبارية في المجتمع الإسرائيلي، يقترحون التوصل إلى حل الصراع بما يسمونه خطوات بناءة من طرف واحد لإنشاء دولتين بصورة تدريجية، بأن تعلن إسرائيل أنها لا تطالب بسيادة على المناطق شرقي جدار الفصل، والاستعداد في الوقت ذاته لإعادة المستوطنين الذين يسكنون في تلك المناطق أو خارج الكتل الاستيطانية إلى الداخل، وتجميد البناء شرقي الجدار وفي الأحياء العربية للقدس، واستمرار البناء في الكتل الاستيطانية وتطبيق قانون إخلاء المستوطنين طوعاً مع تعويضهم، فأي سلام يمكن التوصل إليه حتى مع المعتدلين؟
خلاصة القول، فإن رسالة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" والتي كثر الحديث عنها قبل أن تصل إلى عنوانها "نتنياهو"، ولا الرسالة المقابلة التي سيوجهها "نتنياهو" للرئيس الفلسطيني، تبقيان أدنى أمل بالانفراج والحل، فعلى القيادة الفلسطينية البحث عن مخارج أخرى، ومنها استمرار الضغط الدولي على إسرائيل في الأمم المتحدة وخارجها، لتعميق عزلة إسرائيل في العالم، إلى غير ذلك من الخيارات المطروحة في أدراج القيادة الفلسطينية.
التاريخ : 11/4/2012
مقال تحليلي
بقلـم: غازي السعدي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت