حينما يحيى فينا أسد فلسطين

بقلم: محمد فايز الإفرنجي


السابع عشر من نيسان لعام 2004 هو تاريخ بداية حياة جديدة انتقل إليها أسد فلسطين طالما سعى إليها جاهدً، وقد حصل على تأشيرتها بجدارة لا يستهان بها، إنها الطريق إلى الجنة.

" أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى" آخر الأناشيد التي صدعت بحنجرة أسد فلسطين قبل أن يهم للخروج من منزله حيث كان يتغنى بها فرحًا وطربًا وكأنه يعلم أنها ستكون الملتقى القريب؛ ويتسارع للذهاب إليه. خرج من منزله فاستهدفته صواريخ الاحتلال الإجرامية لينتقل إلى الرفيق الأعلى محققًا بذلك أسمى أمانيه وما سعى إليه دومًا جاهدا وبذل كل غالي ونفيس .
كثيرة هي المحن والابتلاءات التي مرت بحياته، فقد كان الدكتور الرنتيسي رحمه الله أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قبل أن يصل إلى قيادة الحركة. هو ذلك المجاهد الذي أفنى حياته لرفعة الدين الإسلامي ورفع راية الحق، هو مدرسة الجهاد التي عاصرتها فلسطين فعلم الأجيال معنى الجهاد في سبيل الله وفنون مقاومة المحتل، هو ذلك الشهيد الحي البطل الذي اصطبر على الأذى أذى الأعداء وذوي القربى على حد سواء، اعتقال، وإبعاد، ومحاولات اغتيال متكررة فاشلة، ثم اغتيال آثم طاله ليهبه شرف الشهادة.
لقد فقد الشعب الفلسطيني بل الأمة الإسلامية جمعاء أحد قادتها العظام " الدكتور عبد العزيز الرنتيسي" الذي اغتالته يد الغدر الصهيونية الآثمة، لينضم اسم هذا القائد إلى ركب قافلة الشهداء الأبطال في فلسطين، ولكن بقيت روحه تظلل أبنائه - أبناء فلسطين حيث ترك فيهم أسس الجهاد والمقاومة التي زرعت ورسخت في قلب المحتل الإسرائيلي الرعب حتى بعد استشهاده.
" أسد فلسطين"، لقد ارتبط هذا اللقب بالشهيد الرنتيسي لما كان يحمله هذا الطبيب في قلبه من قوة وجسارة أرعبت أعدائه حتى وهو خلف قضبان سجونهم، ولم ينته رعبهم منه باستشهاده فبقيت المخاوف تزعزع وتقلق المحتل مما تركه الرنتيسي لأجيال لاحقة تسير على دربه تتناقل إرث المقاومة التي تركها لهم؛ ليكون نبراسًا يضيء لهم طريق الحق طريق المقاومة والجهاد.
غزة في ذلك اليوم تخرج عن بكرة أبيها تنفطر قلوب أبنائها على غياب هذا الأب القائد بينما السماء تشاركهم البكاء في أحزانهم وهي تشتاق إليه إلى روحه لتعانقها، وهي صاعدة إلى ربها فتلاقيه، حين امتزج حزن الشعب الفلسطيني بين البكاء والدعاء له، فقد كانت رغبته الجامحة لنيل الشهادة التي كانت مقصده في هذه الدنيا، فإما نصر أو شهادة فأكرمه الله بالشهادة.
ودعته غزة باكية موشحه بالحزن والألم لغياب هذا القائد الفذ الذي غاب عنها بجسده الطاهر والذي انتقل إلى الرفيق الأعلى وقد أقام الحجة علينا، بل على الأمة العربية والإسلامية، وضرب مثلًا حيًا بالمقاومة والجهاد بكل ما يملك من أساليب، فما غابت كلمته وخطاباته في حث الأمة وتحريك ما ركد فيها من تقاعس حرك في أبناء شعبه بمدرسته الخاصة التي أنشئت جيل يتبعه جيل، يسير قدمًا على درب المقاومة يعلوها ويتقدمها تقربهم إلى الله والعمل على رضاه.
هذا هو طبيب الأطفال، وهذه سياسته التي بقيت فينا وما استطاعت صواريخ الاحتلال بكل ما تحمله من تكنولوجيا أن تغيب هذا القائد عنا سوى بجسده.
ثمان سنوات مرت على فراق أسد فلسطين، والذي كانت كلماته تهز قادة الاحتلال حينما يصعد على منبر الخطابة، واليوم هاهي حركته تعلو وتسمو وتصل إلى مقاليد الحكم بانتخابات ديمقراطية هي الأنزه في وطننا العربي منذ أعوام، أسس لها الرنتيسي مع إخوانه من القادة، فارقهم وبقي فيهم يؤصل لاستمرار نهج مقاومة تستعر وتشتد على أيدي أبنائه الذين تلقوا في مدرسته أصول الجهاد وسبل نيل الحرية.
ستبقى فينا يا أسد فلسطين حيًا ولن تكون أبدًا نسيًا منسيًا، ولسوف تظل مشعلًا متقدًا في وجدان الشعب الفلسطيني، بل في وجدان الأحرار من أبناء الأمة العربية والإسلامية وسيهديك أبنائك يومًا - عسى أن يكون قريبًا - نصرًا يتلوه نصر إلى أن تتحرر فلسطين كل فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت