لا تتركوا أسرانا في ظلمة السجن والسجان

بقلم: آمال أبو خديجة

تعددت مواقف النضال التي تمر بها الحركة الأسيرة الفلسطينية، ففي كل يوم تضرب لنا مثلاً عظيماً في قدرة الأسرى على تحدي السجان وجبروته، فنجد منهم من يُصارع ذلك السجان وحده بأمعائه الخاوية ليجبره على الخضوع لمطالبه واسترداد حقوقه، ونجد آخرين يرفضون المثول أمام المحاكم الإسرائيلية والانصياع لقرارات القضاة لأنهم لا يؤمنون بشرعيتها ووجودها، ونجد آخرين يتحدون قهر السجان بإعلان العصيان والتمرد على إدارة من يقودون تلك السجون، ونجد من يرفضون العزل الانفرادي ويقاومونه بكل الوسائل القليلة المتاحة، ونجد من يُعبرون بكلماتهم وتصريحاتهم من داخل السجون فيصورون معاناتهم والتحدي لاسترداد حقوقهم بما ينشرونه بوسائل الإعلام من ألم معاناة السجون والحرمان، ومنهم آخرون يَصدّعون بصوت الحق علها يصل ضمائر الإنسانية فتحركها وتنظر بعيونها إليهم نظرة عدل و حق في التحرير.

إنهم أسرانا المناضلون القابعين خلف الجدران الشائكة وجدر تقاوم اختراق الهواء والضياء، منهم من قضى من عمره سنوات طوال، ومنهم جديد عهد بتلك السجون و أثر المعاناة، ومنهم أطفال صغار يحرمون تنفس الحرية والحقوق بين أحضان الأهل والأصدقاء، ومنهم الشيوخ من أَكلت من أعمارهم الكثير وانتشر المشيب يلون الرأس بالبياض على السواد، ومنهم النساء من نُسينّ خلف الجدران وسقطت أسماؤهنّ من قوائم التحرير، ومنهنّ من أُدخلت حديثاً لتتبع من سبقتها بسنوات الاعتقال.

إنهم أسرانا الصابرون من يدفعون من أعمارهم فتمر عليهم الأيام واللحظات كأنها أثقال الجبال، منهم من يقضي حكماً بمدى الحياة ليحاول السجان أن يقطع القلب بالأمل في الحياة، ومنهم من يقضي عدداً أقل من المؤبد فيرهق النفس في التفكير متى تحين لحظة التحرر والنجاة، ومنهم من يقضي سنوات معدودات تخطف من الأعمار سعيها نحو الحق في العطاء والتواجد على أرض الحياة، ومنهم من يُسنّ عليه الحكم المتجدد بما يُسمى بالاعتقال الإداري دون ذنب باتهام جائر يحق للسجان أن يبقيه ويجدد وجوده في الاعتقال الذي لا يعرف متى تحين لحظة الإفراج.

إنهم أسرانا المقاومون من يتذوقون مرارة الظلم والقهر من ذلك السجان الذي يُمارس كل أساليب القمع والقهر دون التفات لقوانين ومواثيق تُحرم ذلك العدوان، فكل يوم يخرج عليهم ذلك السجان بألوان متنوعة من أساليب القهر والتعذيب للأسرى ويتفنن كيف يُوقع الألم المتزايد على نفوسهم الصامدة ليحاول أن يحطم الأمل بالتحرر والوجود، أسرانا من يستخدمهم الاحتلال ليكونوا ورقة ضغط وابتزاز في أمور التفاوض لتحقيق ما تريده من الجانب الفلسطيني وصفقات التبادل، فتستخدم وسائل ضغط وعدوان إما على أهالي الأسرى الفلسطينيين أو السلطة ومن يتولون أمر الأسرى وشؤون قضاياهم، هم من يقعون تحت تجارب ذلك المحتل ليُعتدى على حقوقهم وكرامتهم الإنسانية ليصل لأدنى مستوياته عندما يحاول إجبارهم لأخذ عينات من جينات أجسادهم لأغراض تخدم مصالح الصهاينة وأهدافهم المشؤومة ليزيد من عدوانه على أبناء الشعب الفلسطيني المُحتل.

أسرانا من يُسنّ عليهم قوانين وقرارات الكنيست الصهيوني يتلذذون في سن ما يَسلب حق الحرية والوجود فتُحَرم الإفراج عمن تُسميهم بموازينها من تلطخت أيديهم بالدماء ومن يُحرم عليهم أن يغادروا سجونها لأنهم تحت قوائمها السوداء الموسومة بقوائم الإرهاب، هم من يقعون تحت التهديد من قبل المستوطنين الذين يسعون لاغتيال من تحرر منهم وحرمانه من حق الحياة لأنه في موازينهم يُشكل الخطر الجسيم على أمن وجودهم وسيطرتهم على الأرض والإنسان.

أسرانا من يُحرمون من حق الحياة الطبيعية كونهم يُطالبون بحق استرداد ما سلب منهم من أرض وتاريخ وعنوان، وضعوا تحت سلاسل الزنازين لأنهم تحركوا بضمائرهم الحية وشعورهم بالمسئولية اتجاه وطنهم لاسترداد الكرامة والتحرر من سلطة ظلم المحتل والدفاع عن حق الأجيال القادمة.

أسرنا من يُحرمون من حقهم بالممارسة اليومية لحياتهم كما يمارسها جميع الأحرار، فغُلق في وجوههم باب الحق في التعليم والمعرفة، والحق في العلاج المناسب والسريع، وحق زيارة الأهل والأصدقاء، وحق في الغذاء الصحي السليم والمتوازن، وحق حرية التعبير عن الرأي، وحق العيش في مكان صحي يحمي من الأمراض والعاهات، وحق الدفاع عن النفس بالاستئناف أو الاعتراض على التهم والأحكام، وحق التطلع للنور والخروج في مساحات الضياء لتغذي وجوههم نور الشمس الغائب طويلاً عن الأبدان، تلك الحقوق وغيرها ممن نوعت تشكل المعاناة بين الألم النفسي والجسدي الذي وقع على كل أسير فلسطيني حَرمّته القوانين والتشريعات الإنسانية لكن ذلك المحتل لا يُلقى بالاً لها فهو يُسن ما يُقرره ويسعى لتحقق ما يُريد دون مراعاة للإنسانية وحقوقها على حساب حياة وأعمار أسرانا.

إن أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني يُحاصرون ببنادق الموت الصهيوني ويُسلبون حقهم بالحياة والتمتع بالحرية فلا يلتفت لهم أحد إلا القليل من عالم يدّعي فيه أنه يدافع عن الإنسان ويسعى لبث قيم العدالة وحقوق الإنسان وسيادة الحريات، فالعالم في معظمه وخاصة المجتمعات العربية صامته بصوتها عن قضية أسرانا الذين يصرخون كل يوم بصوت ألامهم ومعاناتهم التي لا تنتهي ولا تجيب أصواتهم إلا صدى ألمهم فلا أذن واعية لحجم معاناتهم لتتحرك نحو تحريرهم وفتح أبواب السجون لإطلاقهم نحو فضاء حريتهم ووجودهم.

أسرانا يقبعون وحدهم في الميدان يتفنن العدو والسجان في ألمهم وكل أسير منهم يبحث عن طريقته الحديثة ليُدافع عن قضيته وحق وجوده وقضية جميع زملائه الأسرى، فهم معاً يَقعون تحت سياط السجن الحامية على أجسادهم تلهبهم بحرارة نارها، لكنهم يتوحدون بتماسك أجسادهم لتتشارك في تحمل ألم المعاناة، وتمد أنامل أياديهم لترسم أجمل صورة للأمل القريب الذي ما انطفئ من قلوبهم ما دام في البشر أذن تسمع أصوات قهرهم وعقول تفكر بهم وضمائر تحي معاناتهم لتبحث عن أساليب جديدة تكافح تمد إليهم لتحريرهم وإخراجهم من سطوة الظلم والعدوان.

أسرانا اليوم يُسنون وثيقة العهد والميثاق ليتوحد الأسرى بأطيافهم وتوجهاتهم السياسة نحو الإعلان عن الإضراب عن الطعام والتحدث بالأمعاء الخاوية ليمتلئ القلب بالإيمان بحق الوجود والكرامة الإنسانية، ليكون ذلك العهد والوفاء لقضيتهم العادلة المتفرعة من قضايا الوطن كله، وسعي نحو لفت أنظار العالم الإنساني لقضيتهم المشروعة بجميع المواثيق الدولية.

فلا تتركوا أسرانا وحدهم في المعاناة وظلام السجن والسجان وليحمل كلٌ منّا أمانة المسئولية لقضية أسرانا وجميع قضايا فلسطين فهم من قدّموا أعمارهم لأجل كرامتنا وحقنا بالوجود وعلمونا الصبر وبقاء الأمل مهما اشتد الظلام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت