أيقود أحزابنا أشخاص أم مؤسسات ؟

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


سؤال يتردد بين فئة معينة من مراقبي عمل الأحزاب الفلسطينية والعربية بشكل عام وهو هل تصدر المواقف والقرارات المتعلقة بمواقف الأحزاب من الشأن العام أو الشأن الحزبي الخاص من قبل القائد العام أو الرئيس أو الأمين العام للحزب بشكل منفرد أم من قائد الحزب والى جانبه جزء من قيادة الحزب بغض النظر عن تسميتها لجنة مركزية أو مجلس شورى أو مكتب سياسي ؟ أم يؤخذ القرار من قاعدة أوسع من ذلك بحيث يكون لمفكري ومثقفي الحزب لهم دور في صياغة الموقف بغض النظر عن مكانتهم التنظيمية أو الحزبية ؟ وهل تؤخذ القرارات بالأغلبية المطلقة أم بالتوافق العام وهل التصويت داخل الأحزاب سري أم علني ؟ و حينما يختلف موقف بعض قادة الحزب مع رئيس الحزب هل تبقى العلاقة الشخصية بينهما بذات القدر قبل حدوث الخلاف أم أن الخلاف يفسد كل الود في القضية بعكس ما يقال في النظريات الأكاديمية ؟

وإذا كان الجواب التقليدي لكافة الأحزاب دون استثناء أن قراراتهم تؤخذ عبر مؤسسات الحزب والإدعاء الدائم أنه لا يوجد تفرد لأي رئيس وبإمكان أي عضو أن يعبر عن رأيه داخل الأطر الحزبية بكل حرية دون المساس بمكانته أو شخصه وأن حرية الرأي مكفولة لكل الأعضاء والأنصار وأن الدور المركزي لرئيس الحزب أو أمينه العام يمثل فقط الرابط التنظيمي لكافة مؤسسات الحزب وهو الذي يرأس الجلسات ويقوم بالفعل التنظيمي الإداري فقط ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذا الاهتمام بنتائج الانتخابات الداخلية لأي حزب أو تنظيم ؟ ولماذا يربط الكثير من المراقبين مستقبل الحزب وسياسته بالشخص الذي يفوز برئاسة الحزب أو بطبيعة الأشخاص الذين يتولون قيادة الحزب ؟ بل ويذهب البعض بتحليل شخصية كل مسئول لذلك الحزب ويضع سيناريوهات متوقعة لمستقبل الحزب وسياسته ، وتصبح الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن كل حزب تصبغ سياسته الداخلية والخارجية وعلاقاته بالمحيط حسب توجه قائده والتيار الذي يناصره ، فإذا كان رئيس الحزب متطرفا في مواقفه السياسية انعكس ذلك على مجمل سياسة الحزب وتصبح اللغة المستخدمة هي لغة التطرف ويصعد على سدة سلطة الحزب التيار المتطرف والعكس هو الصحيح إذا كان رئيس الحزب سياسيا براغماتيا مرنا في تعامله السياسي تجد أن سياسة الحزب تتجه نحو لغة الحوار والاعتدال وتصبح هذه اللغة الدارجة لطبيعة الحزب ، بل أحيانا تجد نفس القائد يتحول من التطرف الى الاعتدال فتجد أن الحزب يدور حيث دار القائد ، هذه هي الصورة النمطية السائدة ومن هنا يهتم المراقبون كثيرا في شخصية أي قائد جديد لأي حزب في حالة إجراء انتخابات داخلية أو ظهر تشكيل قيادي جديد لأي حزب .

وهذا يدفعنا الى سؤال آخر ما هي مقومات نجاح أو سقوط القيادات الحزبية داخل أحزابها ؟ هل هذا متعلق بما يحملونه من أفكار يطرحونها للنقاش العام ويتم التصويت عليها ومن ثم تفوز الفكرة وتحمل معها صاحبها ، أم ان الفوز يتم عبر العلاقات الشخصية والترابط الاجتماعي والانسجام العام ، أو وجود مراكز نفوذ مادية أو عسكرية والتقاء مصالح ؟ ، هل نتائج الانتخابات الداخلية لأي حزب أو حركة هي في حقيقتها صراع أفكار أم صراع أشخاص أم صراع مصالح أم صراع مراكز قوى ؟ وبناء على الإجابة يمكننا الحكم إذا ما كان الحزب يحكمه الشخص أو الفكر ومن ثم يتم الحكم إذا ما كان هناك مؤسسة فعلية تحكم مواقف الحزب من كل قضية عامة أو خاصة مطروحة لأخذ قرار بشأنها .

عمل المؤسسة الحزبية ليس ترفا أو إدعاءا وإنما ممارسة وسلوك ولها قواعد تحكم عمل كل عضو داخل الحزب أو الحركة ، وبمقدار قوة فعل هذه المؤسسة يمكن الحكم على مدى فاعلية الأعضاء والاستفادة من كل قدراتهم وإمكانياتهم ويمكن في ذات الوقت الاستفادة من كل الاجتهادات الفكرية والسياسية داخل المؤسسة ، وهذه المؤسسة هي القادرة على قيادة كل تلك القدرات دون العمل على قهرها أو الخوف منها أو التآمر عليها ، لأن الديكتاتورية الحزبية لا ينعكس سلوكها السلبي على الحزب فقط بل تصبح منهج حياة لكل مؤسسات الدولة ولكل أطياف المجتمع ، إذ لا يمكن لقائد حزبي يمارس الديكتاتورية في حزبه أن يطالب بها غيره وفي حالة وصوله الى الحكم سيكون بالتأكيد ديكتاتورا في حكمه لأن الديكتاتورية أصبحت ثقافة خاصة به ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ولهذا تجد ضعف حجة المطالبين بالديمقراطية والشفافية واحترام إرادة الشعب لأنهم لا يمارسونها كثقافة خاصة بهم في بيوتهم أو أحزابهم .

ومن هنا نجد الفشل الدائم في الأداء العام للفعل السياسي والحزبي الشعبي لأن الشعب يبحث عن النموذج الصادق في القيادة التي تمارس ما تطالب به على نفسها أولا قبل أن تطلبه من الآخرين ، عندما تحكم المؤسسة لا مكان لمزاج أي قائد أو مسئول ، بل من حق العضو أن يدافع عن حقوقه أمام اي مسئول دونما خوف أو تردد من عقاب أو غضب ذاك المسئول ، وكذلك من حقه أن يعبر عن رأيه في كل قضية يتم طرحها بكل شفافية ووضوح دون مجاملة لهذا القائد أو ذاك وبدون وضع التبريرات التي دفعته للاختلاف مع قائده ، ومن هنا يأتي الإبداع الفكري والحزبي لاحتواء وتحريض العقل للتفكير بعيدا عن سياسة التقليد والجمود والموافقة الدائمة مع رأي القائد والمسئول .

لو كانت أحزابنا تقاد بمؤسسات الحزب فقط لما كان هناك اهتمام كبير بطبيعة الأشخاص ولكن سيكون التركيز على ما يحملونه من أفكار وقدرات على طرح المواقف بكل دقة ومسئولية .

رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت