رحمة الله واسعة ، وهي قريبٌ من المحسنين ، يتوب الله على من تاب ، ويجتبي إليه من أناب ، والرحمة والتراحم عروة وثقى لا انفصام لها ، وقد شد الله بها حبل الوصل بين عباده المؤمنين والخلائق من حولهم ، فما أكرم الراحمين المتراحمين بالطاعات واتباع المسنونات ، وما أبأس المتعنتين المتزاحمين على المعاصي والسيئات المبتدعات ، فالرحمة والتراحم سبيل الصلة و الموادة ، والمُشَاقَّةُ والتزاحم سبيل التقاطع والتدابر، ارحموا أنفسكم ، يرحمكم الله ، فالرحمة والتراحم عملٌ صالح ، والرحمةُ والتراحمُ أولُ وأولى ما يدخل في العمل الصالح بعد التوحيد ؛ بل هي منه عند التفكر ، وأولى العمل ما عاد على نفسك ثم غيرك ، قال سبحانه :{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 ، وقوله تعالى :{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }الجاثية15. وقال عزوجل:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}لقمان12 .
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي واللفظ لأحمد قال : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي قَابُوسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء ، والرحم شجنة من الرحمن ، من وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته " ، والرحمة يا عباد الله من صالح العمل ، وعملك بصالح العمل فلنفسك ، وعملك بالسيئ من العمل فوبالٌ عليك ، والرحمة خلقٌ كريمٌ يشمل رحمتك نفسك ، وكذلك رحمتك غيرك من ذوي قرابتك ، أو الجيران ، أو الصُّحبان والخِلَّان ، و الناس عامة ، وكذلك الدواب والطير قد استحقت الرحمة ، وتكون الرحمة بالمباشرة كما تكون الرحمةُ بالأعمال المسببة والمحصلة ، ومن رحمة العبد نفسه أن يكلفها طاقتها وما تستطيع ، وعلى المرء أن يعرف قدر نفسه وقدرتها ، يقول جل وعلا : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286 ، وهو سبحانه وتعالى يقول : {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}القيامة14، فأنت يا أخي أعلم بنفسك ، وأبصر بحالها ، وكما قال الحسن البصري رحمه الله : ( نفوسكم مطاياكم ؛ فأصلحوا مطاياكم تُبَلِّغْكم إلى ربكم عز وجل ) اهـ .
فيا عبد الله : من رحمتك نفسك أن لا تُحَمِّلْها ما لم وما لا تحتمل ، فإنك إن لم تفعل ذلك تكون قد أشقيتها ، ويحصلُ لك ما تكره ولا تحب ، فقد تضيع عملك ، وتهلك نفسك ، وهذا ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظَهْرَاً أبقى ،قال الإمام ابن رجب رحمه الله : " .. وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا : " إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله ؛ فإن المنبت لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى " والمنبت : هو المنقطع في سفره قبل وصوله ، فلا سفره قطع ، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك ؛ بل هو كالمنقطع في المفاوز ، فهو إلى الهلاك أقرب ، ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل " اهـ .
وأنت بهذا قد تذلُّ نفسك بين الناس ، والإسلام لا يريد للمرء إذلال نفسه ولا تعذيبها ، وإنما يريد منا ترويض النفوس وتهذيبها ، قال جل شأنه : {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا }الشمس9 ، وفي الحديث عند أحمد والترمذي وابن ماجة - واللفظ لأحمد قال : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ- عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لا ينبغي لمسلمٍ أن يذل نفسه قالوا وكيف يذل نفسه قال يتعرض من البلاء لما لا يطيق " وفي رواية لابن عبد البر في التمهيد : عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه".قالوا يا رسول الله وما إذلاله لنفسه قال : " يتعرض من البلاء لما لا يقوم له " .اهـ.
عباد الله ، يا أيها المسلمون : ارحموا أنفسكم في عباداتكم يرحمكم الله ، ومن الرحمة في العبادات اتباعُ السنة ، واحتنابُ البدعة ، ويا أيها المتعبد القصدَ القصدَ ، وإياك والتعمقَ والتنطعَ ، والتشددَ والتشديد ، لا على نفسك ، ولا على من سواك :
# ففي الصلاة روى الشيخان البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : (( مَا هَذَا الحَبْلُ ؟ )) قالُوا : هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ . فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( حُلُّوهُ ، لِيُصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ )) .وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ ، فإِنَّ أحدكم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
• ويا أيها الإمام : عليك الرفق بالمأمومين ، والرحمة بالمصلين فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ للنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ ، فَإن فيهِم الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبيرَ ، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
• ويا أيها الخطيب : إياك أن تشق على الناس لا بتطويل ولا بتشقيق ، فعن أَبي عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَوَاتِ ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً . رواه مسلم .
ويا أخي الخطيب كن على السبيل والسنة في خطبتك ترغيباً وترهيباً فهي أمانة في رقبتك ، ودع عنك بدع الخطباء المفتونين بالأهواء والشبهات الطعانين على الأمراء والعلماء ، وليكن وعظك قطر الغيث تهتز له الأرض ، وإياك والتنفير ، فيكون وعظك كالحجارة يقذف بها الناس ، فعن عبد الله بن بسر اليحصبي قال : سمعت أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول : ( حببوا الله إلى الناس يحببكم الله ).رواه الطبراني والضياء
• ولا تكلف نفسك أيها الحاج فوق طوقها : روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود والنسائي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- «رأى شيخاً يُهَادى بين ابنَيْهِ ، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : نذرَ أن يمشيَ ، قال : إن الله عن تعذيب هذا نفسَهُ لَغنيٌّ ، وأمره أن يركب» .
وعن كريب عن ابن عباس قال: «جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا لتخرج راكبة، ولتكفر عن يمينها» رواه أحمد وأبو داود .
• ومن الرحمة في الصيام : عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : «بينما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- يخطبُ إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ؟ فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقومَ في الشمس ولا يقعد ، ويصومَ ولا يفطرَ بنهار ، ولا يستظلَّ ولا يتكلم ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- : مُروه فليستظلَّ ، وليقعدْ ، وليتكلَّمْ ، وليُتمَّ صومه» أخرجه البخاري وأبو داود .
عباد الله : فلنرحم أنفسنا ولنتراحم برحمة الله عز وجل ورحمة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولنجأر بالدعاء من عميق قلوبنا مخلصين لله سبحانه اللهم فارحمنا برحمتك ، وارفعنا برفعتك ، وأغننا بغناك ، وقَوِّنا بقوتك ، وخذ بأيدينا إلى الهداية والرشاد ، ونجنا من الغواية والفساد .
إخوة الإسلام يا عباد الله : وأما النوع الثاني من رحمة أنفسنا ، الرحمة في المعاملة :
• رحمة الأمير الرعية بالعدل بينها ، والإنفاق عليها : روى الطبراني في مسند الشاميين قال : حدثنا أحمد بن أبي يحيى الحضرمي ، ثنا محمد بن أيوب بن عافية ، ثنا جدي عافية ، ثنا معاوية بن صالح ، عن أرطاة بن المنذر ، عن بسر بن عبيد الله ، عن يزيد بن الأصم ، عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي ؟ " . قال عوف : قلت : يا رسول الله وما هي ؟ قال : " أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل ، وكيف يعدل مع أقاربه ؟ " .
وروى الإمام مسلم عن عبد الرحمنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ : ( أَتيتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ :ِممَّنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ . فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟ .فَقَالَ:مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَاسَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " اهـ .
• وليرحم الكبير الصغير ، وليوقر الصغير الكبير : فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : " جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا " رواه أحمد والترمذي .
• وليلاطف الآباء أبناءهم وصبيانهم : فعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : أتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ ؟ فَقَالَ : (( نَعَمْ )) قالوا : لَكِنَّا والله مَا نُقَبِّلُ! فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أَوَ أَمْلِك إنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحْمَةَ ! )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
• ولنرحم الناس جميعاً من نعرف ومن لا نعرف : فعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ لاَ يَرْحَم النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ الله )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
• ولنرحم البهائم والدواب والطير ولانعذبها :
ففي رحمة الشاة : عن قرة بن إلياس أن رجلاً قال : ( يا رسول الله : إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ؟ ) ..فقال : " والشاة إن رحمتها رحمك الله ، والشاة إن رحمتها رحمك الله " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والصغير .
وفي أمر الطير : عن أبي مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كنَّا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ فَجَاءَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : (( مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ ، رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْها )) . ورأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا ، فَقَالَ : (( مَنْ حَرَّقَ هذِهِ ؟ )) قُلْنَا : نَحْنُ قَالَ : (( إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ )) . رواه أَبُو داود .
إخوة الإسلام يا أيها المؤمنون : وفي الهرة مسجونة بلا طعام ولا شراب حتى الموت: عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :(( عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا ، إذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ )) . متفق عَلَيْهِ .
ورجل يسقي الكلب فيغفر الله له ، فيدخل الجنة :عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش ،فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له " ، قالوا يا رسول الله : وإن لنا في البهائم أجراً ؟ فقال : " في كل كبدٍ رطبة أجرٌ " .
والجزاء يا عباد الله من جنس العمل ، ومن لم يرحم نفسه ويرحم عباد الله من حوله لاسيما من له عليهم نوع ولاية رضاً منهم وتجبراً وتسلطاً عليهم فمن أين له الرحمة ..؟!
فيا ولاة الأمر ويا أيها المسئولون في رام الله وكذلك في غزة ، يا أهل فلسطين يا أهل بيت المقدس والأقصى المبارك ، يا أهل هذا الكتاب ويا أهل هذه السنة ، يا أصحاب هذه البلوى ، وهذا المصاب ، بل هذه الفاجعة الباخعة الباقعة ( الاختلاف والانقسام ): أين أنتم من الرحمة والتراحم فيما بينكم أنتم ؟ .وفيما بينكم ورعيتكم ، فالمصاب مصابكم ، والحزن حزنكم ، و يا صاحب المسعى المحمود ، حقق الله لك المراد والمقصود في نصرة الدين ، وطهارة البلاد ، ورحمة العباد ، وحفظ الحقوق ، وقطع العقوق ، وصلة الأرحام ، وشفاء الأسقام ، يا إخوتنا في رام الله : أجروا الأرزاق الممنوعة ، وصلوا الأرحام المقطوعة ؛ وأنتم يا إخوتنا في غزة فلتتقوا الله في أنفسكم وفينا و لتلأموا الجراح النازفات ، ولترحموا الدموع الدافقات ، والآهات والأمهات المولهات ، فلامناص من عودة الوحدة للوطن وأهله ، أحب من أحب ، وكره من كره ، فالانقسام يأباه الإسلام والآلام ، والتاريخ والجغرافيا بل والعروبة والإنسانية ، وأنتم جميعاً ممتحنون بين يدي الله ، وموقوفون ومسئولون ، فماذا أنتم قائلون ؟!! .. ، لا حشم ، ولا خدم ، ولا مالاً ولا جنود ، يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه ، فماذا أنتم مجيبون ؟!!..
الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت